01.12.2006 - تراجع الدولار أمام اليورو إلى أدنى مستوى له خلال عشرين شهراً في الأسبوع الماضي، ما أدى إلى تزايد القلق بالنسبة إلى نمو الاقتصاد الأميركي عموماً. كما أثر تراجع الدولار في أسعار الأسهم في أسواق المال، التي تشهد تراجعاً بدورها



ما هو السبب وراء تراجع الدولار؟ وما هي النتائج المترتبة على ذلك بالنسبة الى الاقتصاد الأميركي والعالمي؟
محللو «بي بي سي» العربية أجابوا عن هذه الأسئلة كالآتي، على موقع الإذاعة على الانترنت.
يقف وراء تراجع الدولار، العجز التجاري الكبير الذي تسجله أميركا، إلى جانب العجز المالي في الموازنة الفيديرالية الأميركية.
إذ يؤثر تدني سعر الدولار بشدة في اقتصادات الدول الآسيوية التي تحتفظ بنسبة كبيرة من احتياطها الضخم من العملات بالدولار. واستمر المراقبون يبدون قلقهم على مدى الأعوام الماضية من تفاقم العجز في الميزان التجاري الأميركي، أي الفارق بين ما تصدّره الولايات المتحدة وما تستورده من منتجات. ويتجه هذا العجز ليصل في نهاية السنة الجارية إلى 800 بليون دولار، أي ما يقارب 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، ولا شيء يشير إلى انحساره حالياً.
في الوقت نفسه، أدى خفض الضرائب الأخير في الولايات المتحدة، إلى جانب الحرب على العراق، إلى عجز في الموازنة الأميركية يبلغ مئات بلايين الدولارات، على رغم ازدهار الاقتصاد الأميركي.
العملاق الآسيوي

ينبع معظم الفجوة التي يشهدها الاقتصاد الأميركي، من تعاملات الولايات المتحدة مع دول جنوب شرقي آسيا (مثل الصين واليابان وكوريا) التي تبيع منتجات إلى السوق الأميركية، تفوق ما تستورده منها. إذ تمكنت هذه الدول مجتمعة من ادّخار فائض من العملة يبلغ أكثر من تريليون دولار على شكل سندات الخزانة الأميركية، وباتت تموّل العجز التجاري والموازنة الأميركية، بطريقة غير مباشرة.
وأدى وجود هذا الخلل في التوازنات الاقتصادية العالمية إلى قيام صندوق النقد الدولي وهيئات دولية أخرى بالتحذير من «نشوء خطر يهدد بوقوع كارثة اقتصادية عالمية».
وأشار رودريغو راتو، مدير «صندوق النقد الدولي»، إلى ان «حل مشكلة عدم التوازن التجاري والمالي العالمي بصورة عشوائية ومتعجلة، قد تكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي».
الحل الصعب

ويرى مراقبون أن حل هذه المشكلة يكمن في «تكييف أسعار العملات العالمية» بحيث تصبح المنتجات الأميركية أرخص، والمنتجات الآسيوية أغلى بعض الشيء، بهدف ضمان التوازن بين الأسعار.
لكن عملات آسيوية كثيرة، وخصوصاً اليوان الصيني، لا تلقى إقبالاً عليها في الأسواق العالمية. ولطالما طالب المسؤولون في واشنطن الصين بتعويم عملتها في الأسواق.
وما يحدث الآن هو أن الأسواق بدأت تتخذ الخطوات اللازمة بنفسها، لإجبار الدولار على التراجع. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يؤدي تدني العملة الأميركية إلى سد العجز التجاري الأميركي، من خلال دعم الصادرات الأميركية. لكن المدى القصير يحمل في طياته اخطاراً، ما يقلق المسؤولين في «صندوق النقد الدولي».
ورأى راتو أن «ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة قد يؤدي إلى التضخم، ما يدفع بدوره المصرف المركزي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة على الدولار، الذي يؤثر بدوره في الفائدة على التسهيلات العقارية، فيرتفع التضخم مجدداً».
اتفاق بلازا
وليست المرة الأولى التي يواجه فيها الدولار مثل هذه الأزمة، إذ تعرّض إلى أزمة مماثلة في الثمانينات من القرن الماضي، لكن المشكلة في حينه كانت مع المنتجات اليابانية، بدلاً من الصينية.
وحلت الأزمة من طريق التوفيق بين أسعار العملات، وتعويم بعضها وخفض سعر صرف البعض الآخر، في ما عرف آنذاك بـ «اتفاق بلازا».
وأدى هذا الاتفاق إلى خفض قيمة الدولار إلى مستوى معين، قبل أن يبلغ حداً معيناً ويتوقف عنده، بمساعدة المصارف المركزية في دول عدّة.
لكن الإدارة الأميركية الحالية لا تفضّل هذا الخيار، وترى أن من الأفضل ترك قوى السوق تتفاعل مع بعضها بعضاً، علماً ان
بالنسبة الى كبر حجم أسواق العملات الأجنبية عالمياً اليوم، يستبعد أن تتمكن المصارف المركزية من التأثير في أسواق الصرف، بالقدرة ذاتها التي كانت لديها في الماضي.
وبالتالي، ففي ظل غياب اتفاق مماثل لاحتواء الموقف، يبدو أن الأسواق العالمية هي اللاعب الوحيد الذي يمكنه أن يتحكم حالياً في سعر الدولار وغيره من العملات الأخرى.