فائدة من قوله تعالى
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ) الليل : الآيات 5 -7 .

جمعت السعادة وجــميــــع الأسباب التـــي تنال بهــــا
السعادة ، وهي ثلاثة أشياء : فعل المأمور ، واجتناب
المحظور ، وتصديق خبر الله ورسولـه ، فهذه الثلاثة
يدخل فيها الدين كله ، وذلك أن قوله ( أَعْطَى ) أي :
جميع ما أمر به من قول وعمل ونية .

(وَاتَّقَى) جميع ما نهي عنه من كفر وفسوق وعصيان
( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) : بما أخبر الله به ورسوله مـن
الجزاء ، فصدَّق بالتوحيد وحقوقه وجزاء أهله ،
فمن جمع ثلاثة الأمور يسره الله لليسرى، أي :
لكل حالة فيها تيسير أموره وأحواله كلها ،

ومقابل هذا قوله : ( وَأَمَّا مَن بَخِلَ ) أي :
ترك ما أمر به - ليس خاصا بالنفقة - بل معـنـى البخل : المنع ،
فإذا منع الواجبات المتوجهة إليه القولية أو الفعلية
أو المالية فقد بخل .

( وَاسْتَغْنَى ) أي : رأى نفسه غير مفتقر إلـى ربـه ،
وذلك عنوان الكبر والتجرؤ على محارم الله .

( وَكَــذَّبَ بِالْحُسْنَى ) أي : بلا إله إلا الله وحقوقها ،
وجزاء المقيمين لها والتاركين لها .

( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) أي : لكـــل حالة عسرة فـــي معاشه ومعاده .

الكتاب : تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن

( ص 360 ) للشيخ عبد الرحمن السعدي





تفسير البغوي
"فأما من أعطى"، ماله في سبيل الله، "واتقى"، ربه. "وصدق بالحسنى"،
قال أبو عبد الرحمن والضحاك: وصدق بلا إله إلا الله، وهي رواية عطية عن ابن عباس. وقال مجاهد: بالجنة، دليله: قوله تعالى "للذين أحسنوا الحسنى" يعني الجنة. وقيل "صدق بالحسنى": أي بالخلف، أي أيقن أن الله تعالى سيخلفه. وهي رواية عكرمة عن ابن عباس. وقال قتادة ومقاتل والكلبي: بموعود الله عز وجل الذي وعده أن يثيبه. "فسنيسره"، فسنهيئه في الدنيا، "لليسرى"،




تفسير الطبري
فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى يقول تعالى ذكره: فأما من أعطى واتقى منكم أيها الناس في سبيل الله, ومن أمَرهُ الله بإعطائه من ماله, وما وهب له من فضله, واتقى الله واجتنب محارمه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28937- حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن المفضل, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قوله: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى قال: أعطى ما عنده واتقى, قال: اتقى ربه.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْديّ, قال: حدثنا خالد بن عبد الله, عن داود بن أبي هند, عن عكرِمة, عن ابن عباس فأمّا مَنْ أعْطَى من الفضل واتّقَى: اتقى ربه.
28938- حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فأمّا مَنْ أعْطَى حقّ الله وَاتّقَى محارم الله التي نهى عنها.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى يقول: من ذكر الله, واتقى الله.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فقال بعضهم: معنى ذلك: وصدّق بالخلف من الله, على إعطائه ما أعطى من ماله فيما أعْطَى فيه مما أمره الله بإعطائه فيه.
به التصديق بالخلف من الله على نفقته.
وإنما قلت: ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك، لأن الله ذكر قبله مُنفقا أنفق طالبا بنفقته الخلف منها، فكان أولى المعاني به أن يكون الذي عقيبه الخبر عن تصديقه بوعد الله إياه بالخلف إذ كانت نفقته على الوجه الذي يرضاه، مع أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا في ذلك ورد.
* ذكر الخبر الوارد بذلك:
حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة، قال: ثنا عبد الملك بن عمرو، قال: ثنا عباد بن راشد، عن قتادة قال: ثني خليد العصري، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما مِنْ يَوْمٍ غَرَبَتْ فِيهِ شَمْسُهُ إلا وَبِجَنْبِيهَا مَلَكانِ يُنادِيانِ، يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللهِ كُلُّهُم إلا الثَّقَلَينِ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقا خَلَفا، وأعْطِ مُمْسِكا تلَفا " فأنـزلَ الله في ذلك القرآنَ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) ... إلى قوله ( لِلْعُسْرَى ) .
وذُكر أن هذه الآية نـزلت في أبي بكر الصدّيق رضى الله عنه.