وقفة مع النفس

النفس هذا المخلوق العجيب الغامض
فهل فكرت يوما في وقفة معها لتتعرف عليها وتتلمس
حقيقتها وتفتح أبوابهاوتكتشف مكنونها.
تعالى معى نقف معها وقفة طويلة لكي نغوص في بحارها
ونصعد فوق حبالها لكي نتعرف عليها

وإذا تحدثنا عن النفس فليس هناك من يرشدنا إلى التعرف عليها
وكشف حقيقتها سوى خالقها لأنه الأعلم بها فهوالذي خلقها
وسواها وألهمها وعلمها
قال تعالى :{ وإذا قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيها من روحي فقعوا له ساجدين}
إذاً أخبرنا الله عزوجل أنه أصل خلقة النفس من الطين والروح
والطين عبارة عن تراب وماء
والروح سر لايعلمه إلا الله

ونستنتج من هذا أن النفس مركبة وأنها ليست عنصراً واحد بل أكثر من عنصر
تراب ماء روح
وهذا يكشف لنا حقيقة من حقائق النفس أن النفس مركبة وهذا التركيب
هوالذى يجعلها متغيره متقلبة فهى تارة تركن إلى الماديات التي هي الطين والماء
وتارة تركن إلى المعنويات والغيبيات والروحانيات التي هي الروح
والله عزوجل خلق النفس بهذا التركيب وجعل فيها التوازن بين الماديات والمعنويات
وأمر الإنسان أن يكون متوازنا في هذا الأمر وأن يربط بين الماديات والمعنويات
ومثال على ذلك أمره سبحانه وتعالى بنظافة البدن وتطهيره المتمثل في المادة وكذلك
أمره بتحسين أخلاقه وتطهير قلبه المتمثل في الروح وهذا التوازن إذا أختل أختلت معه النفس وأضطرب سلوكها فترى الذى يهتم بالماديات ويزداد في ذلك ويهمل في المعنويات ويشعر دائماً بالحاجة وعدم الإشباع ونجده دائماً سيء السلوك لايحسن معاملة نفسه ولايحسن معاملة الناس
ونجده دائماً لايرضى عن نفسه وأن نفسه تفتقد شيئاً ولا تجده
وعند ذلك تظهر أمراض أمراض نفسية عديدة نتيجة فقد الروح لإشباع حاجتها فيظهر الكبر ويظهر العجب والبخل والإكتئاب وغيرها ونرى الذي يهتم بالمعنويات ويهمل في الماديات ويزداد في ذلك يشعر أيضاً بالحاجة وعدم الإشباع ونجده أيضاً مضطرب السلوك لايرضى عن نفسه وأن نفسه تفتقد شيئاً لاتجده وتظهر عنده أمراض نفسية وبدنية نتيجة فقد البدن لحاجاته فيظهر عنده الحقد والحسد وعدم ارضا وغيرها إذاً لابد
من التوازن في إشباع حاجات النفس مادياً ومعنوياً
فإن أردنا إضباطاً لهذه النفس فالنبحث عن حاجاتها المادية والمعنوية ولا نهمل في جانب دون الآخر
لأن خالقها وضع لها هذا التوازن وأمرنا به.
وقال تعالى عن النفس:{ونفس وما سوها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكها وقد خاب من دساها} ومن هذه الآية نستنتج أن النفس ُملهمة وفيها الميل للفجور والميل للتقوى وأنها قابلة للتغير من قبل الإنسان فتعلو وتسفل أنها مختبره
ومعنى أن النفس ملهمة أى تستمد قوتها من الله عزوجل وأنها غير ذاتية السلوك
فسلوكها إلهام من خالقها ومعنى أن فيها الميل للفجور والتقوى
أن خالقها وضع فيها القوة على الفجور والقوة على التقوى
كما في قوله تعالى { وهديناه النجدين }
أى طريق الخير وطريق الشر
فكل إنسان منا متخير بين أن يسلك طريق الشر وطريق الخير ومن أراد أن يمشي في طريق الخير فإن الله هيء له الأسباب والسبل والأفعال التي تيسر له السعي في هذا
الطريق وهذا هو إلهام التقوى
ومن أراد أن يمشي في طريق الشر فإن الله هي له الأسباب والسبل والسلوك والأفعال للسعي في هذا الطريق وهذا إلهام الفجور ومعنى أن النفس قابلة للتغير فتعلو وتسفل أنها مطواعة مجبولة على الطاعة فهي تطيعك أنت فأنت أميرها إما أن تعلو بها وتزكيها وتختار لها طريق الخير وهو معنى قوله{ قد أفلح من زكها}
وإما أن تسفل بها وتدسها وتختار لها طريق الشر وهومعنى قوله{وقد خاب من دساها} ومعنى أنها مختبره أى أن النفس خلقت للإختبار ووضعت أمامها وسائل الإختبار من الخير والشروأنت الوحيد المسؤال عن النجاح أو الفشل في هذا الأختبار وليس غيرك فإما أن تكون من الفائزين وإما أن تكون من الخاسرين
فتعامل مع نفسك على هذا الأساس عاملها على أنها في إختبار وهيئها لذلك وأمرها ودربها على سبيل الخير والفلاح حتي تنجو بها من العذاب الأليم.