بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين. وبعد:فإنَّ من أهم أساليب الدعوة إلى الله عز وجل الموعظة الحسنة.قال تعالى: }ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ{ [النحل: 125].
وقد وَعَظَ الله عباده، قال تعالى: }وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ [البقرة: 231].
وقال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{ [النحل: 90].
وأَمَرَ الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعظ الناس، قال تعالى: }أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا{ [النساء: 63].
وكان صلى الله عليه وسلم يعظ أصحابه، فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعَظَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. فقلنا: يا رسول الله، كأنَّها موعظة مودِّع فأوصِنا. قال: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبدٌ، فإنه من، يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
والموعظة الحسنة لها أثر في النفوس كما أثَّرت موعظة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فوجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، قال تعالى: }وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ{ [الذاريات: 55].
قال ابن جرير الطبري رحمه الله في الآية: «وعظ يا محمد مَن أرسلت إليه، فإن العظة تنفع أهل الإيمان» تفسير ابن جرير.
ولكن حتى تؤثر الموعظة وتكون موعظة حسنة لابدَّ لها من آداب. ولعليِّ أن أُوَفَّق في ذِكر بعضها:
آداب الموعظة الحسنة:
1- الإخلاص: وهو أساس للأعمال كلها وروحها وقطب رحاها الذِّي تدور عليه قبولاً وردًّا، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى...» متفق عليه.
قال تعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ...{ [البينة: 5].
وقال سبحانه: }قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{ [يوسف: 108]. وهذه الآية الكريمة بيَّنت شرطي الدعوة إلى الله، وهما: الإخلاص؛ كما في قوله تعالى: }أَدْعُو إِلَى اللَّهِ{. والبصيرة، وهي العلم؛ كما في قوله تعالى: }عَلَى بَصِيرَةٍ{.
فالمخلص في فعله وكلمه يفتح الله له قلوب الخلق، وتوضع له المحبة والقبول، وتخرج كلماته من قلبه الناصح المخلص المشفق، فتقع من القلوب بمكان ويكون لها أثرها ونفعها بإذن ربها. قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أحبَّ الله العبد نادى جبريل: إن الله تعالى يحب فلانًا فأحبه؛ فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله تعالى يحب فلانًا فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» متفق عليه.
قال ابن الجلاء: «ما جلا أبي شيئًا قط، ولكنه كان يعظ فيقع كلامه في القلوب فسمي جلاء القلوب» نزهة الفضلاء (3/1148).
قال حماد بن زيد: «سمعت أيوب يقول: كان الحسن يتكلم بكلام كأنَّه الدر» نزهة الفضلاء (2/561).
وذكر عن القشيري الإمام الزاهد «أنه لو قرع الصخر بسوط تحذيره لذاب» نزهة الفضلاء (3/1407).
2- تأثر الواعظ بموعظته وتحمسه لها وحرصه على إيصالها إلى القلوب لا إلى الآذان فقط.
وهذا يظهر في نبرات صوته، وتغير ملامح وجهه، وتكرار بعض الكلمات، وهذا يتضح في مواعظ سيد الوعاظ وإمامهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، قدوة الوعاظ على الإطلاق. عن جابر رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب وذكر الساعة اشتدَّ غضبه وعلا صوته واحمرَّت عيناه كأنه منذر جيش يقول صبَّحكم ومسَّاكم» مسلم.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: «أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار»، حتى لو أن رجلاً كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا، حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه). الإمام أحمد والحاكم وقال: هذا حديث صحيح.
عن جابر رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الوحي أو وعظ قلت نذير قوم أتاهم العذاب فإذا ذهب عنه ذلك رأيت أطلق الناس وجهًا وأكثرهم ضحكًا وأحسنهم بشرًا». الطبراني والبزار.
ولذا أثرت مواعظ النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه ، فوجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، وقد قيل: ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة.
3- أن يكون الواعظ سليم القلب من الرياء والفسق والحقد وحب الظهور والكبر وغيرها من الأمراض التي تعتري القلوب محبًّا للخير ناصحًا للخلق، همه في وعظه أن يتأثر السامع ليتوب إلى الله وينيب لا ليثني على الواعظ ويمدحه ويشكره.


قال الله تعالى عن نوح عليه السلام في بيان نصحه لقومه: }أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ{
[الأعراف: 62].

وقال سبحانه عن صالح عليه السلام: }فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ{ [الأعراف: 79].
وقال الله ناهيًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يهلك نفسه حزنًا وأسفًا على عدم إيمان قومه: }فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا{ [الكهف: 6].
قال صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة...» الحديث رواه مسلم.
4- اختيار الموضوع المناسب: إن اختيار الموضوع المناسب من أهم عناصر الموعظة بحيث يكون ذلك الموضوع مناسبًا للوقت والحالة والموعوظين.
فعلى سبيل المثال الموعظة في أول شهر رمضان المبارك تختلف عنها في آخره، ففي أوله يحث الواعظ على اغتنام الشهر والمسارعة للطاعات، وفي آخره يحثهم على الاستقامة على الطاعة، وفي حال المصائب والأزمات تختلف الموعظة عنها حال الأفراح والمسرَّات.
وموعظة الشباب تختلف عن موعظة كبار السن، وموعظة طلاب العلم تختلف عن موعظة العوام وموعظة ولاة الأمر وأصحاب السلطة تختلف عن موعظة عامة الناس. قال علي رضي الله عنه: «حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله» البخاري. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «ما أنت محدِّثًا قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة» مسلم.
وهذا موضوع طويل يحتاج إلى تتبع مواعظ السلف رحمهم الله وكيف كانت تختلف مواعظهم حسب الحالات والأشخاص والأزمان، ولذا نجد مواعظ نبينا صلى الله عليه وسلم ووصاياه تختلف من شخص إلى آخر، فيوصي شخصًا بقوله:«لا تغضب»البخاري. وآخر: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله» الترمذي. وثالثًا: «قل آمنت بالله ثم استقم...» مسلم. ورابعًا: ببر والديه: «ففيهما فجاهد» البخاري. وهكذا صلى الله عليه وسلم.