يسعى الشيطان عليه لعائن الله دائمًا عند بحثه عن مدخل يوقع به ابن آدم في الزلات أن يستغل شهوات الإنسان وميوله وهوى نفسه فيحركه بها يميًا ويسارًا كعروس الماريونت، فتصبح أفعال ابن آدم شيطانية مُهلِكَّة.


ومن أخطر مداخل الشيطان إلى بني آدم: الغضب .. لأن الغضب جمرة تشتعل في قلب الإنسان يغيب دَخَنُهَا عقله فيرتكب الكوارث من قتل واعتداء وفواحش وخراب للبيوت وقطع للأرحام والصلات. وذلك لأن الغضب كما وصفه علماء النفس هو انفعالٌ وتوتّرٌ نفسيٌّ، تصحبه متغيّرات فسيولوجية (بدنية)، تثيره دوافع داخلية، ومثيرات خارجية مادّية ومعنوية مؤذية، ويميل الفرد أثناء الغضب إِلَى العدوان، وقد ينغمس فيه بحسب الدرجة والموقف المتأزّم عبر صورٍ عديدة.


لذا أمرنا سيدنا النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أن نسد هذا المدخل على الشيطان حتى لا يتملك أفعال الإنسان، فتروي لنا كتب السنة أن أعرابي جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: أوصني، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تغضب"، فقال: زدني، قال: "لا تغضب"، قال زدني: "قال لا تغضب" وظل يكررها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى توقف الأعرابي عن السؤال. وفي رواية: "لا تغضب ولك الجنة".


وقد يزين الشيطان للإنسان الغضب، فيحرك فيه شهوة الانتقام والكِبر والاعتزاز بالنفس، فإذا تعرض لخلاف مع أحد وسوس إليه بالانتقام بدعوى ألا يظن الناس أنه ضعيفًا، وقد بين لنا الحبيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيد الشيطان في هذا الأمر فقال: "ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".


وقد يدفع الغضب الإنسان إلى كثير من الكبائر والموبقات كالقتل والسرقة والطعن في الأعراض والاعتداء عليها، وكذلك الغيبة والنميمة والكذب والبهتان، والسب، وقد يتسبب في هدم أسرة ككثير من حالات الطلاق التي لا يتمالك فيها الشخص نفسه فيطلق زوجته وقد يتكرر الأمر حتى يصير الطلاق واقعًا.


وكما بين لنا الحبيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الداء وحذرنا منه، أرشدنا إلى الدواء الذي نواجه به الغضب لنسد على الشيطان هذا المدخل، فقال: "ويقول أحدكم إذا غضب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ ذهب عنه غضبه".


ليس هذا فحسب .. بل دعانا عليه الصلاة والسلام وعلى آله أن نغير من هيأتنا حتى يسكن فينا الغضب فقال: "إذا غضب أحدكم، وهو قائم، فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع".


ومن الأدوية العظيمة في مواجهة الغضب: السكوت .. لأن يسكن النفس ويعطي فرصة للإنسان لمراجعة موقفه وأفعاله، ومحاسبة نفسه قبل أي رد فعل من قول أو عمل قد يندم عليه الإنسان، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " علموا، ويسروا ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم، فليسكت".


وكذا الوضوء يطفئ نار الغضب .. يقول الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ". لأن الوضوء من العبادة فيخرج بذلك الغضبان من حال البعد عن الله إلى حال التعبد لله بالوضوء، كما أن الماء البارد يهدئ الجهاز العصبي كما أثبت العلم الحديث مما يزيل الغضب ويهدئ النفس.