مع كل عام جديد يأتي على المؤمن الصادق، يأتي أمل في غدٍ أفضل وحال أفضل مع الله عز وجل، ويستنهض المسلم همته ليبدأ عامه بالطاعات والتقرب إلى الله عز وجل لينال رضاه، ويفوز بخيري الدنيا والآخرة.


ولكن مع مرور الأيام تفتر هذه الهمة، ولا تنشط إلا في أيام مواسم الطاعات كشهر رمضان وموسم الحج وغيرها، ثم يعود الإنسان للتكاسل مرة أخرى، ولذلك أسباب عدة.


1- البحث عن باعث
فلكي يعلي المسلم من همته في الطاعات وفعل الخيرات للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، لابد أن يكون لديه باعث أو دافع يحفزه لذلك، وهذا الباعث هو الذي يحرك قلب المؤمن نحو طاعة الله ويعلي من همته في السير إلى الله.


يقول العلماء المربون الربانيون: إن الباعث يحصل في قلب الإنسان للإقبال على الله، إما في حالة ترغيب أو في حالة ترهيب أو في حالة تشويق، أو يكون بسبب آخر يتعلق بتأثر الإنسان بغيره وهو مجالسة الصالحين أو قد يكون بدون سبب وإنما فضل من الله.



2- الترغيب والترهيب
ومن كلام هؤلاء الصالحين نستفيد أن الإنسان إذا أراد أن يعلي من همته للتقرب إلى الله عز وجل أو يسعى لذلك بعدة سبل منها الترغيب بأن يتذكر ما وعد الله عباده الصالحين في الدنيا والآخرة، فيكون ذلك دافعًا له لفعل الخيرات.


وقد يكون ذلك بالترهيب، بأن يتذكر الإنسان ما توعد الله عباده العصاة الذين يجاهرون بالمعاصي، ويتبعون سبيل الشيطان، من خزي في الدنيا والآخرة.



3- الشوق إلى الله
ومن أفضل السبل لإعلاء الهمة التشويق .. بأن يحرك الإنسان في نفسه معنى الشوق إلى الله سبحانه وتعالى فهو من أكبر محركات الهمة للإنسان إذا صفى قلبه وخلصت نيته، حتى لو كان العبد مذنبًا خاطئًا فرحمة الله واسعة، وقد كان في عهد النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله طفلًا قد تاه من أمه، وكانت تبحث عنه في لهفة واشتياق، وبعد أيام عاد ورأته الأمه وراها، فأصبح الطفل يركض يكاد يتعثر في مشيته لما رأى أمه، ولما نظرت الأم إليه ركضت إليه فلما التقيا وتعانقا والأم تبكي والطفل يبكي لم يبق أحد من ساداتنا الصحابة إلا وبكى فنظر النبي إليهم وقال: "ما الذي أبكاكم"، قالوا: حنانة هذه الأم على ولدها قال: "أترونها ملقية ولدها في النار"، قالوا: لا يا رسول الله قال: "الله أرحم بهذه الأم من ولدها".


يقول سيدي الحبيب علي الجفري حفظه الله معلقًا على هذا الحديث: "عندما نستشعر هذا الاستباق من الله بهذه المعاملة الراقية ألا نحب هذا الرب ألا نشتاق إليه، فمعنى الشوق إلى الله يبعث الواحد على أن يتساءل أين أنا من صلتي بهذا الرب".



4- مجالسة الصالحين
ومن الأمور المعينة على علو الهمة أيضًا مجالسه الصالحين واتخاذ صحبة صالحة تعين المسلم على أمور دينه ودنياه .. تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة.


ولا شك .. فمجالسه الصالحين ومعاشرتهم توقظ في الإنسان همة عالية، حتى أن بعض الصالحين كان يقول: "إني إذا نظرت إلى محمد بن واسع تجددت الهمة في الطاعة شهراً كاملاً".. وذلك لأنهم يكونون دائمًا في حال طاعة وذكر ودعاء مما يحفز الإنسان.



5- قراءة سير الأولياء والعلماء
وتعد قراءة سير الصالحين من سادتنا الصحابة رضوان الله عليهم والأولياء والعلماء وتراجمهم من محفزات علو الهمة، خاصة إن كان القلب معلقًا بحب هؤلاء الصالحين وحبهم للحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنهم يكونون للإنسان نبراسًا وقدوة إذا ما قرأ محبهم سيرتهم العطرة.



6- ابحث عن الهمة بداخلك
المرء حيث يجعل نفسه إن رفعها ارتفعت وإن قصّر بها اتضعت .. لذا ابحث على الهمة والباعث إليها في داخلك .. يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "وقد عُرف بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر فيه تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات تفتر أو تقت، فإذا حُثت سارت .. فمتى رأيت في نفسك عجزاً فسل المنعم، أو كسلاً فسل الموفق، فلن تنال خيراً إلا بطاعته فمن الذي أقبل عليه ولم يرد كل مراد".