أسباب الاختلاف بين المذاهب الفقهية

يجب أن نعلم أن اختلاف الآراء ظاهرة طبيعية نتيجة اختلاف الأغراض والطبائع، وهذا واضح في عادات الناس وأعرافهم، وكل أمر يستقل به الإنسان يظهر فيه الاختلاف وهذا ما سلمت منه الشريعة الإسلامية في أصولها عامة، عقائد، وعبادات، ومعاملات.
كما يجب أن نعلم أن ما حدث من اختلاف بين المذاهب راجع للمجتهدين واختلاف أنظارهم
وتطبيقهم النصوص على الوقائع .

وفيما يلي بيان لأهم أسباب الاختلاف بين الفقهاء :
الســـــبب الأول : اخــــــتلاف القـــــــــراءات :

فقد ترد عن الرسول صلى اله عليه وسلم قراءات بطرق متواترة، فيكون ورودها سبباً للاختلاف في الأحكام المستنبطة، فمن ذلك المثال التالي : قال تعالى: ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا ) سورة النساء الآية : 43
(قرأ حمزة والكسائي )أو لمستم( بغير ألف)
( وقرأ الباقون) «أو لمستم » بألف فكان اختلاف القراءة


سبباً في الاختلاف بين الفقهاء هل هو الجماع أو اللمس باليد فقد روى ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى عن طائفة ( أنه الجماع وروى عن آخرين أنه اللمس باليد )
( فمن قرأ «لمستم » بألف قال : إنه الجماع ومن قرأ «أو لمستم » بغير ألف قال : إنه اللمس باليد .


السبـــــب الثاني : عـــــــدم الاطــــــلاع على الحـــــــديث

لم يكن الصحابة رضي الله عنهم على درجة واحدة من الاطلاع على سنة رسول الله صلى اله عليه وسلم من قول أو فعل، بل كانوا على درجات متفاوتة وكان لهذا التفاوت في الاطلاع على الحديث أثر كبير في الاختلاف في كثير من المسائل الفقهية، نذكر منها مثالاً واحداً وهو: عدة الحامل المتوفى عنها زوجها
: فلقد كان علي وابن عباس وغيرهما يفتون بأن المتوفي عنها زوجها إذا كانت حاملاً فعدتها أبعد الأجلين عملاً بالعموم الوارد في الآيتين الكريمتين: قوله تعالى :
﴿ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ﴾ سورة البقرة الآية : 234
وقوله تعالى : ﴿ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن )سورة الطلاق الآية : 4

ولم يكن قد بلغهم سنة رسول الله صلى اله عليه وسلم في سبيعة الأسلمية، حيث أفتاها النبي صلى اله عليه وسلم بأن عدتها تنتهي بوضع حملها، فقد روي أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت إلى النبي صلى اله عليه وسلم فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت. هنا نجد أن عدم الاطلاع على الحديث كان سبباً
في الاختلاف بين العلماء .



الســـــبب الثــــالث : الشــــــك في ثبـــــــوت الحديــــــث


لقد كانت ظاهرة الشك في ثبوت الحديث من الأسباب التي أدت إلى الاختلاف في كثير من
المسائل، نذكر منها المسألة التالية «ثبوت الشفعة للجار »، اختلف الفقهاء في ثبوت حق الشفعة بالجوار،
1
1/ فذهب الشافعي ومالك وأحمد إلى أنه لا شفعة لغير الشريك،
2 / وذهب أبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى إلى ثبوت حق الشفعة بالجوار،


والسبب في هذا الاختلاف هو أن الحديث الذي استدل به الأحناف غير ثابت عند الشافعية ومن معهم كما أن الحديث الذي استدل به الشافعية ومن معهم غير ثابت عند الأحناف، فكان الشك في ثبوت الحديث سبباً من أسباب الاختلاف بين الفقهاء .

السبب الرابع : الاختلاف في فهم النص وتفسيره

فلقد كان هذا السبب أيضاً مؤدياً إلى الاختلاف بين الفقهاء في مسائل فقهية كثيرة نذكر منها على
سبيل المثال فقط ما يأتي :
1 زكاة الخليطين .
2 تقسيم الأراضي التي فتحت عنوة بين المقاتلين .
وإنما ذكرنا هاتين المسألتين دون تفصيل لطول البحث فيهما بما لا يتفق وما نحن بصدد
الحديث عنه.



السبب الخامس : إشتراك في اللفظ

للفظ العربي عدة أقسام من حيث الدلالة على المعنى منها «المشترك » وهو اللفظ الموضوع لكل واحد من معنيين فأكثر كالعين، والظهر وغيرهما، والاشتراك يقع في الأسماء كما في الألفاظ، ويقع في الأفعال مثل عسعس، فإنها تطلق على أقبل وعلى أدبر، ومثل قضى فإنها تطلق بمعنى حكم وبمعنى أمر وحتم، ويقع الاشتراك في الحروف، ولقد استعمل القرآن الكريم والسنة المطهرة ألفاظاً مشتركة فكان ذلك سبباً من أسباب الاختلاف بين الفقهاء، كاختلافهم في عدة الحائض المطلقة هل هي بالحيض أو بالطهر وذلك بسبب التعبير بلفظ « القرء » في القرآن الكريم .
وقال تعالى : ﴿ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء )سورة البقرة الآية : 228

الـــــسبب الـــسادس : تعارض الأدلـــة :

من أسباب الاختلاف بين الفقهاء تعارض الأدلة فيما يتراءى لنا، وقلنا فيما يتراءى لنا لأنه في الحقيقة لا تعارض بين الأدلة لأنها كلها آتية من مصدر واحد، هو الله تعالى، إلا أنه قد تكتنف النصوص عوامل فتظهر وقد حدث بينها من التعارض ما يدعو المجتهد إلى أن يقف أمامها مرجحاً بعضها على بعض، وذلك حسب ما يظهر له من أدلة أخرى





ولقد كان للتعارض بين الأدلة أثر كبير في الاختلاف في الفروع الفقهية لدرجة أنه يندر أن نجد باباً من أبواب افلام عالم حواءانجليزى الفقه إلا ونجد فيه مسألة أو أكثر كان الاختلاف فيها وليد التعارض بين الأدلة، مثل نكاح المحرم بالحج أو العمرة .


1 / فقد ذهب الشافعي ومالك وأحمد رضي الله عنهم إلى أنه لا يصح نكاح المحرم واستدلوا على ما ذهبوا إليه بحديث ( لاَ يَنْكِحُ المحرِمُ ولا يُنْكَحُ ولا يَخْطُب )

2 / وذهب أبو حنيفة إلى جواز هذا النكاح، واستدل على ذلك بما رواه ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى اله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم .

فهنا نجد تعارضاً بين ما استدل به الفريق الأول وما استدل به الفريق الثاني، وكل واحد من الفريقين يرجح دليله على دليل الآخر،

فالفريق الأول يرجح دليله برواية صاحبة القصة ميمونة، أن الرسول صلى اله عليه وسلم تزوج بها وهو حلال،

ورجح الفريق الثاني دليله بأن الحديث رواه ابن عباس وهو أكثرهم فقهاً وعلماً
فهو أرجح رواية من غيره، فالمجتهد تجاه هذين الدليلين مطالب بترجيح واحد على الآخر بمرجح مقبول،


وعليه فالراجح قول الفريق الأول لأن رواية صاحبة القصة أولى بالقبول . أسباب الاختلاف بين المذاهب الفقهية

السبب السابع : عدم وجود نص في المسألة التي يراد معرفة حكمها :

وهذا السبب من أبرز أسباب الاختلاف بين الفقهاء، وله أثر كبير جداً في الاختلاف في المسائل
الفقهية كميراث الجد مع الأخوة، وقتل الجماعة بالواحد وغير ذلك