تشكّل منطقة باتاغونيا موطنا لغابة استثنائية متحجرة وغريبة الطابع، كما أنها غابة مخيفة بعض الشيء وحافلة بالحفريات، حيث تتناثر في جنبات إقليم تشوبوت، الواقع جنوبي الأرجنتين، نصب صخرية غريبة الشكل تنتمي لحياة غابرة ازدهرت في هذه المنطقة قبل 65 مليون سنة تقريبا، فالإقليم موطن لـ«غابة متحجرة» نادرة، تحولت فيها الحياة الصاخبة إلى أحجار صماء.


ويصف بيتر ويلف، أستاذ علم الحفريات النباتية بجامعة «بِن ستات» في الولايات المتحدة تلك الغابة المتحجرة، بالقول: «الكثيرون يرونها غريبة ومخيفة بعض الشيء، وذات تضاريس أشبه بتلك الموجودة على سطح القمر. بالنسبة لي هي بقعة جميلة على نحو مذهل».
وأضاف في تقرير لموقع «بي بي سي» عربي: «لا توجد تقريبا نباتات من تلك الموجودة في العصر الحديث، المنطقة جافة للغاية، والرياح عاتية بشدة. أنا رجل قوي البنية، لكنني أحيانا ما أُطرح أرضا»، بفعل هذه الرياح.
وتحدث عملية التحجر عندما تتحول المادة العضوية الموجودة في نبات أو حيوان ما إلى معادن قبل أن «تصبح حجرا» في نهاية المطاف. ومن شأن هذه العملية الحفاظ على الأشكال الطبيعية للنباتات والحيوانات المتحجرة بتفاصيلها التشريحية بدقة وعلى نحو مجسم.
وعلى مدى 16 عاما؛ عكف ويلف ومعه فريق من الولايات المتحدة ومن «متحف إيجيديو فرولجيو للأحافير» (إم أي إف) في الأرجنتين على دراسة الغابات المتحجرة الموجودة في باتاغونيا والأراضي الغنية بالحفريات الموجودة هناك.
ومن بين أكثر المواقع أهمية في هذا الإطار؛ منطقة «أوروماشتيا بارك» في إقليم تشوبوت.

وتوجد في إقليم تشوبوت أحافير لديناصورات فريدة من نوعها، ولحيوانات ثديية وكذلك لنباتات وأزهار وفواكه، وتمثل هذه الحفريات «كل الحقب الجيولوجية تقريبا» التي مرت على الأرض.
وتتناثر على صفحة الأرض في هذه المنطقة – كما يقول ويلف- حفريات لجذوع «أشجار طويلة للغاية من الفصيلة الصنوبرية وكذلك من الأشجار المزهرة» التي كانت تنمو على ضفاف الأنهار القريبة من الساحل المطل على المنطقة الجنوبية من المحيط الأطلسي.

ويوضح ويلف أنه «بعد مرور سنوات طويلة، أدت عمليات الرفع الجيولوجي (التكتوني) إلى إعادة هذه الأشجار المتحجرة من جديد إلى سطح الأرض. وأزالت عمليات التعرية كل الرواسب الموجودة فوقها، لتكشف عن حفريات ضخمة وبديعة».
لذا لا يمكن اعتبار أن منطقة «أوروماشتيا بارك» تشكل «غابة متحجرة» بالمعنى الحرفي للكلمة، لأن أشجارها ليست في المكان الذي كانت تنمو فيه من الأصل.
فإلى الجنوب من منطقة «أوروماشتيا بارك»، تقع غابة «سيرّو كوادرادو» المتحجرة، التي تشكل موقعا رائعا للحفريات التي تعود إلى العصر الجوراسي الأوسط، حيث تضم هذه المنطقة أشجارا هائلة الحجم لا تزال قابعة في مواقعها الأصلية.
ومن بين العينات الأحفورية الموجودة في هذه المنطقة، جذوع أشجار ضخمة وكذلك أشجار عتيقة من نوع «أروكاريا أروكانية» الذي ينتمي لفصيلة الصنوبريات.
ويقول ويلف: «على عكس الحال في أوروماشتيا بارك، سقطت أشجار سيرّو كوادرادو بفعل ثورات بركانية وقعت في العصر الجوراسي، وتحولت (هذه الأشجار) إلى حفريات في مناطق قريبة للغاية من تلك التي كانت تنمو فيها، لذا فهذه المنطقة تشكل غابة حقيقية للحفريات».
فبخلاف تلك الموجودة في الأرجنتين، توجد مواقع شهيرة أخرى في العالم تقع فيها غابات متحجرة مثل جزيرة ليسبوس اليونانية. أما في الولايات المتحدة، فتشكل ولايتا أريزونا ووايومنغ موطنا لبعض أفضل نماذج الكائنات والنباتات التي مرت بعملية تحجر.
ولكن طبيعة الأرض المكشوفة الوعرة التي تعصف بها الرياح في منطقة باتاغونيا، أبقت على تعلق ويلف الشديد بها.