بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
أيها الأحبة في الله.. إن اللسان هو أفضل ما في الإنسان إذا استخدمه فيما يرضي الله؛ فباللسان يسلم الكافر، ويذكر الخالق، ويتوب المذنب، وترفع الدرجات، وتطمئن القلوب.وهو أخبث ما في الإنسان إذا استخدمه فيما يسخط الله ويغضبه؛ فهو يخرج من الملة، ويوقع في المعصية، ويوجب سخط الرب، وعذاب القبر، وكراهة الخلق.
ما من شيء أولى بحفظ من اللسان، فقد طلب أحد الصحابة من الرسول صلى الله عليه وسلم النصيحة فقال له: «أمسك عليك هذا».وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن المرء ليقول الكلمة من رضوان الله يرفع بها إلى عليين من الجنة، وإن العبد ليقول الكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يخسف به إلى أسفل ما يكون من النار».
إن آفات اللسان كثيرة، ينبغي للعبد البعد عنها والحذر من الوقوع فيها، ولا سيما إذا علم أن كل كلمة يتلقظ بها يحاسب عليها يوم القيامة، قال تعالى: }مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{[ق: 18].
وقال معاذ بن جبل t: كنت رديفًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على دابة، فقلت: أوصني يا رسول الله، قال: «أمسك عليك هذا»، وأشار إلى لسانه، فقلت: أوَ نحن مؤاخذون بكل ما نقول؟ قال صلى الله عليه وسلم: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم عدا حصائد ألسنتهم».



ولكي نحذر كل الحذر ونحافظ على ألسنتنا أورد بعض آفات اللسان:
1- السباب والشتم واللعان. 2- الاستهزاء.3- الكذب. 4- القذف.5- الغيبة والبهتان. 6- النميمة.7- التقعر.
وقد وقع كثير من الناس اليوم في هذه الآفات، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، بل حتى من يظن بهم الخير من طلبة العلم؛ أصبحت مجالس انتقاص للناس وإخوانهم بدون مراعاة أو خوف من العظيم سبحانه.



من آفات اللسان

أولاً: السباب والشتم واللعان:


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر».وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: «المستبَّان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان».
والمستبان أي: كل من سب صاحبه، ويتهاتران أي: يقبح كل منهما صاحبه.
قال صلى الله عليه وسلم: «أربى الربا شتم الأعراض»، أي: أعظمها إثمًا وأقبحها جرمًا.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: «ولعن المؤمن كقتله».
وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا سبك رجل بما يعلم منك فلا تسبه بما تعلم منه، فيكون أجر ذلك لك ووباله عليه».
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، يلعن أبا الرجل فيلعن أباه، ويلعن أمه فيلعن أمه».
وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء».
وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: «إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة».
وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم جرموزًا الهيجمي قائلاً له: «أوصيك أن لا تكون لعانًا».


ثانيًا: الاستهزاء:

قال الله تعالى: }يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ{[الحجرات: 11]، قال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله – في («أضواء البيان» 7/417): «قوله: }لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ{؛ أي لا يستخفوا ولا يستهزئوا بهم، والعرب تقول: سخر منه بكسر الخاء يسخر بفتح الخاء على القياس إذا استهزأ به واستخف، وقد نهى الله – جل وعلا – في هذه الآية الكريمة عن السخرية من الناس مبينًا أن المسخور منه قد يكون خيرًا من الساخر.
ومن أقبح القبيح استخفاف الدنيء الأرذل بالأكرم الأفضل واستهزاؤه به، ومع ما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن السخرية جاء ذم فاعله وعقوبته عند الله في غير هذا الموضع كقوله تعالى: }الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{[التوبة: 79]، وقد بين تعالى أن الكفار المترفين في الدنيا كانوا يسخرون من ضعاف المؤمنين في دار الدنيا، وأن أولئك يسخرون من الكفار يوم القيامة، كما قال تعالى: }زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ{[البقرة: 212]، وقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ{[المطففين: 29-36]، فلا ينبغي لمن رأى مسلمًا في حالة رثة تظهر عليه آثار الفقر والضعف أن يسخر منه لهذه الآيات التي ذكرنا.



ثالثًا: الكذب:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان».
وقال أيضًا: «... وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا».
وقال صلى الله عليه وسلم: «تقبلوا لي بست أتقبل لكم بالجنة: إذا حدث أحدكم فلا يكذب...».
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «إياكم والكذب، فإن الكذب مجانب للإيمان»([1]).
وأقبح الكذب وأفحشه الكذب على الله والكذب على
رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:
}فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ{[الزمر: 32]، وقال سبحانه: }وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ{[الأنعام: 21]، وقال – عزَّ وجلَّ -: }وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ{[الزمر: 60]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كذبًا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار».

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الذي يكذب علي يبنى له بيت في النار».


رابعًا: القذف:

قال الله تعالى: }وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{[النور: 4]، قال الشيخ السعدي – رحمه الله – في تفسيره: }وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ{؛ أي: النساء الحرائر العفيفات، وكذلك الرجال لا فرق بين الأمرين، والمراد بالرمي الرمي بالزنا بدليل السياق. }ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا{ على ما رموه به }بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ{؛ أي: رجال عدول يشهدون بذلك صريحًا. }فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً{ بسوط متوسط يؤلم فيه، ولا يبالغ بذلك حتى يتلفه؛ لأن القصد التأديب لا الإتلاف، وفي هذا تقرير حد القذف، ولكن بشرط أن يكون المقذوف كما قال تعالى محصنًا مؤمنًا، أما قذف غير المحصن فإنه يوجب التعزير، }وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا{؛ أي: لهم عقوبة أخرى وهي أن شهادة القاذف غير مقبولة، ولو حدَّ على القذف حتى يتوب كما يأتي، }وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{؛ أي: الخارجون عن طاعة الله، الذين قد كثر شرهم؛ وذلك لانتهاك ما حرم الله، وانتهاك عرض أخيه، وتسليط الناس على الكلام بما تكلم به، وإزالة الأخوة التي عقدها الله بين أهل الإيمان، ومحبة أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وهذا دليل على أن القذف من كبائر الذنوب».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات.. وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».
وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: «من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال».
خامسًا: الغيبة والبهتان:

قال تعالى: }وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ{[الحجرات: 12]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن الغيبة فقال: «ذكرك أخاك بما يكره»، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال صلى الله عليه وسلم: «إن كان فيه ما تقول فقد أغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته»([1]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله، وأما ألآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة»، ثم دعا بعسيب رطب فشقه اثنين فغرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا، ثم قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا».
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا – تعني قصيرة – قال صلى الله عليه وسلم: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته».
وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أربى الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم»، ثم تلا قول الله تعالى: }وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا{[الأحزاب: 58]([2]).
وقد روى البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الغيبة أشد من الزنا»، قيل: كيف؟، قل: «الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه، وصاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه»؛ أي: الذي وقع هو في عرضه واغتابه.

ولأحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ على قبر يُعذب صاحبه فقال: «إن هذا يأكل لحوم الناس».
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظافر من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم».
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته، ومن يتبع عورته يفضحه ولو في جوف رحله».
وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: ذكرت الغيبة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «الغيبة أن يذكر الرجل بما هو فيه من خلقه»، قالوا: يا رسول الله، ما كنا نرى الغيبة إلا أن يذكر الرجل بما ليس فيه من خلقه؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذلكم البهتان».



سادسًا: النميمة:

وهي: نقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد بينهم، والتحريش، وقطع الود، وتمزيق الأرحام، والنميمة الحالقة تحلق الدين، وهي محرمة بنص القرآن والسنة، قال تعالى: }هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ{[القلم: 11]، وقال صلى الله عليه وسلم: «وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة».
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئًا: فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم».
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «من نقل إليك نقل عنك؛ فاحذره».
فالحذر كل الحذر من ذلة لسان وخير ما يوجب حبسه لسان العبد، فإما خيرًا أو الصمت أولى.


وقال بعض الحكماء: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.
وانشغال العبد في الطاعة، والإصلاح بين الناس، والذكر، خير له من مثالب الناس.
وليعلم العبد أن الكمال لله، وأن له عيوبًا أولى به أن ينشغل في إصلاحها، خير له من الدنيا وما عليها، ورب كلمة قالت لصاحبها: دعني. والله المستعان.






سابعًا: التقعُّر:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطِّعون» قالها ثلاثًا.
قال النووي – رحمه الله – في («رياض الصالحين» ص551): «المتنطعون: المبالغون في الأمور»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحسانكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون».
وقال الألباني – رحمه الله – في («حاشية رياض الصالحين» ص551): «الثرثار: كثير الكلام تكلفًا، والمتشدق: المتطاول على الناس بكلامه، ويتكلم بملء فيه؛ تفاصحًا وتعظيمًا لكلامه، والمتفيهق: الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه، ويغرب به؛ تكبرًا وارتفاعًا، وإظهارًا للفضيلة على غيره».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة».


المعاكسات: حسرات واعترافات

إن المولى – عزَّ وجلَّ – حبا هذه البلاد بنعم كثيرة، لا تعد ولا تحصى، وجعلها قبلة القاصدين، وأغدق عليها فضله العميم، وهي المعقل الوحيد المتبقى للمسلمين، فأهلُها أهلُ عقيدة نقية، وفيها الحرمان الشريفان؛ لذلك فهي محسودة من القريب قبل البعيد، ومن أهل الكفر والطغيان من الأديان السماوية، والعقائد الخرافية والضلالات؛ يرون أنها تطفئ أنوارهم وتذهب بهاءهم، لذا شنوا عليها حربًا شعواء لا هوادة فيها، ليست بالسلاح فقط، فالمسلمون إذًا تقوى شوكتهم، ويعودون إلى بارئهم، ويعلون بالقرآن والسنة، وبذلك يعلن الجهاد الذي به تكون العزة وتُدحر كل ملة إلا الملة الحنيفية.
لذلك خططوا الخطط، ورسموا طريقًا طويلاً، فهم يعلمون أنهم لا يدخلون من الأبواب (كبار السن وطلبة العلم)، لذلك رأوا أن في الأجيال اليافعة بغيتهم، لذلك بدأوا بهجمة شرسة عبر وسائل كثيرة منها: الأطباق والأقمار الصناعية، والأفلام الهابطة، والإنترنت، والغناء، والمجلات والصور العارية، والخمور، والمخدرات، والأسفار، والموضة، والقصات، والملابس العارية.
وإن هناك منظمات لجلب كل ما من شأنه أن يضيع الهوية، ويميع الأخلاق، فها هم شبابنا فتيان وفتيات، بدأوا الخروج على المألوف ألوانًا وأشكالاً لم نكن نعرفها، فقد غُزينا في قعر دارنا، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن تأثير هذه الهجمة الشرسة لم يقتصر على صغار السن والمراهقين والشباب، بل تعداهم إلى الشُّيَّب وكبار السن ممن قلَّ دينهم وحياؤهم، فأمنوا مكر الله، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الظالمون.
كبار السن لهم سفرات مشبوهة، وديون فاضحة، وتخل عن المسئولية، وتضييع للأمانة، وإهدار للثروات والطاقات، وزهد الرجال في نسائهم والنساء في رجالهن، حينما ينظر كل منهم إلى من هو أجمل من صاحبه.
معاكسات في الأسواق، وجرائم أخلاقية؛ فهناك من يقع حتى على محارمه أثناء هيجانه وثورة شهوته، وهناك من يعتدي حتى على الأطفال القاصرين، لا يفرق بين طفلة أو طفل صغير.
حكم المعاكسات الهاتفية:

لا يشك عاقل في تحريم المعاكسات الهاتفية، وشدة خطورتها على الفرد والأسرة والمجتمع؛ فهي بريد الزنا ووسيلة من وسائل الشيطان للوقوع في الفاحشة، قال الشيخ بكر أبو زيد: «كنت أظن المعاكسات مرضًا تخطَّاه الزمن، وإذا بالشكوى تتوالى من فعلات السفهاء في تتبع محارم المسلمين في عقر دورهم فيستجبرونهن بالمكالمة والمعاكسة السافلة.
ومن السفلة من يتصل على البيوت؛ مستغلاً غيبة الراعي، ليتخذها فرصة علَّه يجد من يستدرجها إلى سفالته، وهذا نوعٌ من الخلوة أو سبيل إليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: «إياكم والدخول على النساء»؛ أي: الأجنبيات عنكم، فهذا وأيمُ الله حرام حرام، وإثم وجناح، وفاعله حريٌّ بالعقوبة، فيُخشى عليه أن تنزل به عقوبة تلوِّث وجه كرامته، ومما ينسب للإمام الشافعي – رحمه الله تعالى -:

إن الزنا دين فإنْ أقرضته





كان الوفا من أهل بيتك فاعلم








نعوذ بالله من العار ومن خزي أهل النار»([1]).
فتوى: سئل الشيخ ابن جبرين السؤال التالي:ما الحكم فيما لو قام شاب غير متزوج وتكلم مع شابه غير متزوجة في الهاتف؟فأجاب: لا يجوز التكلم مع المرأة الأجنبية بما يثير الشهوة، كمغازلة وتغنج، وخضوع في القول، سواء أكان في الهاتف أو في غيره؛ لقوله تعالى: }فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ{[الأحزاب: 32].
فأما الكلام العارض لحاجة فلا بأس به؛ إذا سلم من المفسدة، ولكن بقدر الضرورة([2]).أين مراقبة الله؟
أيها المعاكس: أما سمعت قول الله تعالى: }مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{[ق: 18].
أما علمت أن كل قول تتكلم به محسوب عليك، مكتوب في صحيفتك؟أما تعلم أن الله مطلع عليك، عالم بأسرارك، قادر على عقوبتك؟إذا كنت تعلم ذلك فأين مراقبتك لله، وقد جعلته أهون الناظرين إليك؟

يا مدمن الذنب أما تستحي





والله في الخلوة ثانيكا

غرَّك من ربك إمهاله





وستره طول مساويكا








أما تستحي أيها المعاكس وأنت أيتها المعاكسة من رب السماوات والأرض، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء!! لعلك تقول: إنه لا يراني أحد!! كلا.

إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل





خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة





ولا أن ما تخفي عليه يغيب

ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب





وأن غدًا لناظره قريب








قال تعالى: }وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا{[الكهف: 47-49]، يا له من يوم عظيم: }يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ{[الطارق: 9، 10]، }يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ{[إبراهيم: 48].كيف يكون حالك أيها المعاكس في هذا اليوم العظيم؟كيف يكون حالك حينما يُنادى عليك بأخبث الأسماء: فلان ابن فلان الزاني، الفاجر، المعاكس؟ليس ذلك أمام فرد أو اثنين أو جماعة، بل أمام الخلائق أجمعين!!هل تساوي هذه الشهوة التي لا تتجاوز سويعات العذاب الأليم الدائم غير المنقطع في نار جهنم؟أين عقلك؟ أين فكرك؟ أين بصيرتك؟!