بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
الغرور مرض يصيب الإنسان نظير إعجابه بنفسه لنعمة أنعمها الله عليه وميزه بها على أفراد مجتمعه
ليمتحنه من خلالها فيسقط في الإمتحان ويهوى في أحضان الدنيا فيصاب بالغرور والتعالي شيئا فشيئا إلى أن يكفر بالمنعم عليه ويتخذ هواه معبودا في مقابل خالقة والشواهد على ذلك كثيرة سأطرق من خلال موضوعي هذا إلى شاهدين ذكرهما الله في كتابه العزيز
الشاهد الأول
صاحب الجنتين حيث رزقه الله بهما وكان زرعهما الأساس العنب وحفتا بأشجار النخيل وجعل الله بينهما زرعا د فجر فيهما عينا يجري منها الماء نهرا ليسقي أشجارهما بانتظام لتثمر بطيب الثمار ليجنيه في أوقات الحصاد من دون أن ينقص منه شيئا فأصيب بالغرور وظن أنه سيخلد في هذه الحياة وأن جنتيه ستغنيانه عن خالقه العظيم ويتبين ذلك من خلال حواره مع صاحبه حيث بدأ حواره معه باستعلاء باديا غروره بكثرة ماله والحاشية التي تحيط به مستهينا بصاحبه لافتقاره للنعيم الذي أولاه الله إياه وأخذ يتدرج في إستعلائه وتكبره وغروره حتى وصل به الأمر أن ينكر البعث مما دعا بصاحبه أن يذكره بخالقه المنعم عليه بنعمة الوجود والمتفضل عليه بهذا العز وجعل يحثه على شكر المنعم فهو من هيأ له أسباب النعيم هذا ولما رأى أنه قد أصيب بمرض العجب واستحوذ عليه الشيطان فأنساه ذكر الله العظيم حينها دعا عليه بخراب جنتيه ليكون عبرة لمن يعتبر فاستجاب الله دعاءه فأحيط بذلك الثمر فاحترق بأكمله حينها إنتبه ذلك المتكبر من سكرته فأخذ يقلب كفيه على ضياع ماله حيث صرفه فيها وندم حيث لا ينفع الندم
وقبل أن أنتقل بكم إلى الشاهد الآخر سننصت خاشعين إلى هذه الآيات الكريمات التي بينت أحداث هذه القصة
قال تعالى وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا 32 كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا 33 وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا 34 وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا 35 وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا 36 قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا 37 لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا 38 وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدًا 39 فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا 40 أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا 41 وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا 42 وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا 43هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا 44 الكهف
الشاهد الثاني
قارون آتاه الله من المال الكثير الكثير مما أدى به أن يكنزها في خزائن عملاقة يجهد في فتحها مجموعة من الرجال الأقوياء فأصيب بالعجب والتكبر والغرور فبغى على قومه باستعلاء وتجبر
فقالوا له لا تفرح ولا تطغى فكل ما عندك هو من نعيم الله ويجب عليك تزكيته لتنال ثواب الآخرة وما يتبقى منه إستمتع به في حياتك الدنيا وكن محسنا وتجنب الفساد في الأرض
فانكر أن يكون ذلك من نعيم الله عليه بل آتاه بعلمه فتجبر وتكبر وجحد نعمة الله عليه وأخذته الخيلاء حتى ظن بأنه ملك الدنيا بأكملها ليخرج على قومه في زينته
محاطا بموكب عظيم وكأنه المعبود الأوحد فلما رآه ضعاف النفوس من قومه تمنوا أن يكون لهم مثله فوبخوا من قبل أولي العلم فثواب الله خير من زخارف هذه الحياة وحثوهم على الإيمان والصبر فهما السبيل الذي يوصلهم إلى نعيم الله الدائم
أما قارون قد قتله غروره وخسف الله به وبداره الأرض فلم يجد له ناصرا ينصره لا ماله ولا حاشيته فكانت عاقبته الخسران المبين
والآيات التاليات تبين إعجاب ذلك الطاغية بنفسه وبماله والعاقبة التي آل إليها نظير ذلك فلننصت إليها خاشعين
قال تعالى إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ 76
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ 77 قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ 78 فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ 79 وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ 80 فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ 81 وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ 82 تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 83 القصص




وفي الختام
أدعو الله العلي العظيم أن يجنبنا حب الأنا والإعاب بما آتانا الله لأن ذلك مدعاة للكفر بخالق النعم ومسخرها لنا
وأن يعيننا على أنفسنا بالتقوى والصبر وإنكار الذات والشكر على نعمه علينا بالإنفاق في سبيله فهو السبيل إلى ثوابه والخلود في نعيمه الأبدي