استحباب مجالسة الصالحين، ومجانبة قرناء السوء


لابد للإنسان عامة والشباب خاصة أن تكون لهم علاقات وصداقات وأصحاب وأحباب يأنسون إليهم في وقت فراغهم ويساعدونهم عند شدتهم ويستشيرونهم فيما يلم بهم، وهذاأمرقد جبلت وفطرت عليه النفس البشرية فلا يمكن لها أن تنفك عنه.
ومن المسلم به أن الناس يختلفون في اختيار الصديق والجليس باختلاف أفكارهم وآرائهم وطبائعهم وعاداتهم وميولهم.


أهمية الصحبة:

فالصحبة وخاصة في مرحلة الشباب من اخطر المعوقات أو المعينات في السير إلى الله تبارك وتعالى والتقرب إليه بفعل الصالحات والقربات، ولأهمية هذا الموضوع .هذه بعض من الأمثلة التي ذكرها القرآن الكريم على تأثير الصحبة، وبيان خطورة الصحبة على الإنسان، وأنها قد تورده المهالك قوله تعالى:


﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ* قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ* وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾.
فالصحبة السيئة من معوقات العمل الصالح ومن أسباب الهلاك، وقد أقسم هذا الصاحب المؤمن كما في هذه الآيات على ذلك يقول الشنقيطي- رحمه الله-: وقد بين جل وعلا في سورة الصافات: أن رجلاً من أهل الجنة أقسم بالله أن قرينه كاد يرديه أي يهلكه بعذاب النار، ولكن لطف الله به فتداركه برحمته وإنعامه فهداه وأنقذه من النار.
وقال سبحانه:
﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴾ [الزخرف:36-38]
فالقرين والصاحب السيئ سواء كان من شياطين الإنس أو الجن يعوق صاحبه عن كل ما هو خير وصالح، ويصدونهم عن الهدى والنور. فقوله:
﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾
أي الشياطين يصدّون هؤلاء الذين يعشون عن ذكر الله، عن سبيل الحقّ، فيزينون لهم الضلالة، ويكرهون إليهم من السنة النبوية:
وفي السنة النبوية الكثير من الأحاديث التي تبين أهمية اختيار الصاحب والرفيق، وأن من أسباب الخير والصلاح وحصول الفلاح الرفيق الصالح، فعن أبي موسى– رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة ).
ففي هذا الحديث تمثيل منه صلى الله عليه وسلم يبين فيه فضيلة الجليس الصالح، وخطر مجالسة جليس السوء وقد بوب الإمام النووي في شرح مسلم باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء وقال فيه تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك والجليس السوء بنافخ الكير وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يحض على مجالسة من في مجالسته الخير وفعل الصالحات، وينهى عن مجالسة من في مجالسته الأذى قال في عمدة القاري: والحديث يستفاد منه فيه النهي عن مجالسة من يتأذى بمجالسته كالمغتاب والخائض في الباطل، والندب إلي من ينال بمجالسته الخير من ذكر الله وتعلم العلم وأفعال البر كلها.
فصحبة الصالحين والعلماء وأهل الفضل فيها النفع في الدنيا والآخرة، وصحبة الأشرار والفساق تضر في الدين والدنيا والآخرة.
فعن أبي سعيد- رضي الله عنه-: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي"لأن المؤمن هو الذي يعينك على فعل الأعمال الصالحات، أما الصاحب السيئ فهو يعيقك عن العمل الصالح.الإيمان بالله، والعمل بطاعته.:

ويذكر الإمام علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- حقيقة الصحبة الصالحة، والصحبة السيئة فيقول: خليلان مؤمنان، وخليلان كافران، فمات أحد المؤمنين فقال: يا ربّ إن فلانا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير، وينهاني عن الشرّ ويخبرني أني ملاقيك يا ربّ فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني، فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما فيقول: ليثن أحدكما على صاحبه فيقول: يا ربّ إنه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير، وينهاني عن الشرّ، ويخبرني أني ملاقيك، فيقول: نعم الخليل، ونعم الأخ، ونعم الصاحب: قال: ويموت أحد الكافرين فيقول: يا ربّ إن فلانا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالشرّ، وينهاني عن الخير، ويخبرني أني غير ملاقيك، فيقول: بئس الأخ، وبئس الخليل، وبئس الصاحب.



ولله در القائل:
تجنب قرين السوء واصرم حباله... فإن لم تجد عنه محيصا فداره
وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه... تنل منه صفو الود ما لم تماره.
وقال بعضهم:
إذَا كُنْتَ في قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُم ... وَلاَ تَصْحبِ الأردى فتردى مَعَ الرَّدِي
عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِه ... فَكُلُّ قَرِينٍ بالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي