إن الإسلام لا يخاصم الغنى بل يعدُّه فضلَ الله على عباده، ولا يخاصم الجمال والزينة




بل يستحبها للناس ولكنه يرفض احتقار النفس الإنسانية لطوارئ

القلة والفقر.. ويرفض احترامها لظروف الثراء والسلطان..


خير لنا أن نتعرف الأمور من وقائع الدنيا، وأن نقرر أن النسبة الكبرى من الرذائل
تعود إلى أضلاع الثالوث المتوطن في أرجاء أمتنا من زمن بعيد

ثالوث: "الفقر" و"الجهل" و"المرض".



يهاجم الشيخ محمد الغزالي في البداية فكرة الطبقية، وكيف أنها عرفٌ مجتمعي
توارد الناس عليه واعتبروه سنة إلهية.. واعترفوا به وتعاملوا على

أساسه بل ويسوقون شواهد من كتاب الله تدليلا عليه وهم يظنونه حقا كقوله تعالى:
{
وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}، وقوله: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ
وقوله: {
نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
ويؤكد الشيخ أن الدين -بصورة عامة- حارب انقسام الناس إلى طبقات

على أساس ما يمتلكون من مادة، ومضى يوقظ الفهم القاصر للتفسير الصحيح لهذه الآيات التي تساق،
فأوضح أن مفهومها إنما هو عكس ما ظن

الجاهلون فهي حث على السعي وإعمار الأرض وتأتي المكافأة في الآية الأولى من الله على قدر
الاجتهاد في تحقيق المراد الإلهي من هذا الإعمار،

والآية الثانية تحث على الإنفاق وعدم البخل بالمال وعدم الجشع والحرص؛
فهو قسمة من الله لا ينقصه الإنفاق ولا يزيده الحرص.. والآية الثالثة تؤكد

الترتيب الطبيعي لجسم الأمة من رأس وجسد وأطراف وأعضاء؛
لأن الناس لا تصلح شئونهم الفوضى.. لهذا لا بد من تنظيم من أجل مسيرة البشرية

كلها وفي ظل هذا التنظيم فالواجب هو الخضوع فهو تسخير نظام وعمل لا تسخير إذلال وقهر..



( 2 )ثم يحكي الشيخ في أنين موجع عن الوضع الاقتصادي في مصر قائلا:
"في مصر شعبٌ تضطرب به سهول الوادى الفسيحة، يكدح وينصب ليرتاح

على ثمار جهوده نفر من الأعيان والوجهاء! شعب أقعده الشقاء، وأضره الحرمان،
وقلة أبطرها النعيم، وأغواها الطغيان.. ثم يتساءل: أهو موزع على

أساس الكفاية والكفاءة.. أم هي الأوضاع المقلوبة والحقوق المسروقة..
ثم يتمنى بعد أن يثبت أنها -مع كل الأسف- الأخيرة يتمنى: "ما أحوج الشرق

إلى أن تعمر العدالة الاجتماعية ربوعه الخربة? وأن تنقل إلى الحياة الصحيحة شعوبا
أعياها اللغوب? وأضناها طول الغلاب"..



الإسلام والترف
يؤكد الشيخ أن نصوص الدين الصريحة وقواعده العامة تتضافر من أجل تحقيق
وحدة الأمة في ظل الإيمان الصادق والعدالة الشاملة"..



ثم يقرر الشيخ حقيقة ثابتة تتمثل في أن الترف نقمة على المجتمع إذا انقلب إلى
هدف محموم ترخص في سبيله كل القيم وتهدر لأجله كل الاعتبارات لذا

فقد هاجم القرآن الكريم هذا النموذج في كثير من آياته يقول تعالى:
{
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ *
كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ
}. وهذا لأن المترفين يزدرون نعم الله عندهم،
وتغريهم كثرتها بابتذالها وقلة شكر الله عليها? وإراقتها فيما لا جدوى منه? والضنُّ بها على

من يحتاجون إليها، والمترفون حينما ينغمسون في طلب الدنيا بما يصل لحد العبادة،
فقلما ينهضون إلى نصرة حق أو الدفاع عن عقيدة، أو التضحية

من أجل مبدأ كريم.



ولقد خشى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنغمس أمته في الترف?
فتصرفها شهوات الدنيا عن رسالتها، وتتهاوى بها في موارد الردى.



ولقد خشى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنغمس أمته في الترف


فتصرفها شهوات الدنيا عن رسالتها، وتتهاوى بها في موارد الردى.
فجعل يحذرهم من فتنة الغنى، وفي هذا السياق نفهم قول النبى -صلى الله عليه

وسلم- حينما جلس ذات يوم على المنبر وجلس أصحابه حوله فقال:
"إن أكثر ما
أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض قيل وما بركات الأرض قال زهرة الدنيا "


".. ثم مرشدا

وموجها بقوله: "...
وإن هذا المال حلوة من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة

هو ومن أخذه بغير
حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع
"..

صحيح البخاري ( كتاب الرقاق ) ((باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها))

فهنا يرشدنا النبي -صلى الله عليه

وسلم- إلى أن التصرف الحسن في المال هو مناط النفع به،
فالمال خير؛ لأنه يصون بدن الإنسان وكرامته، ويحفظ عرضه ومروءته. وهو عندما يكتسب

من حق، وينفق في وجوهه الصحيحة لا يذمُّ أبدا?
بل إن كسبه في هذه الحالة جهاد? وإن إنفاقه لعبادة.. ثم يضرب الشيخ هذا المثل الخالد: "إن

الأرض تزين بالربيع، وتضحى معه وارفة الظلال دانية الثمر..
والعاقل ينال من هذا الربيع ما يكفى حاجته ويحسن هضمه، أما إذا أقبل مسعورا على ما

أمامه يجري وراء كل رغبة ويتناول كل ما يتيسرأخذه،
فقد يصبح كالدابة التي تستحلي الأكل، فما تزال تقضم وتبلع حتى يكتظ جوفها بما لا تطيق، وكم

في الناس من أشباه لهذه الدواب"..



ثم يؤكد الشيخ في سياق علاقة الدين بالترف أن العيب في الترف ذاته؛
لأنه على وجه العموم صارف عن الاعتراف بالحق، دافعٌ صاحبه إلى المعارضة

والاستكبار على الحق، وقد فصل القرآن في كثير من سوره موقف الطبقات المترفة،
تجاه كل كتاب منزل وكل نبي مرسل? فكان التكذيب واحدا للدين

الواحد الذى بعث الله به أنبياءه من لدن نوح -عليه السلام- إلى خاتم النبيين محمد
-صلوات الله عليه وسلامه- ومما يثير العجب تشابه الرد الذى انتظم

على ألسنتهم .


الإسلام دستور الحرية والعدالة


يضرب الشيخ أمثلة عديدة للفاروق "عمر" -رضي الله عنه-
ثم يؤكد أن الإسلام جعل من أهم وظائف الحاكم تأمين حياة الناس وإطعامهم من جوع

وتأمينهم من خوف.. فالدين يتضمن دستورا خطيرا من أهم دساتير
الحرية الاجتماعية والاقتصادية وحصانة قوية من الحصانات التي تتوفر للشعوب

فتقيها أوزار الظلم الاجتماعي.. ولهذا أقرَّ الشيخ حقيقة أن انتفاع الأمم بالإسلام
سر دخولها فيه بقوله: إذا تركت المقياس الأدبي في تقويم الإسلام كدين

يحدد العلاقة بين الإنسان وربه على خير وجه، ويدفع هذه العلاقة في طريق مستقيم
-ونظرت إلى الإسلام بالقياس المادي المجرد على ضوء انتفاع

الناس منه لكان ذلك كافيا في فهم انتشار الإسلام? وإقبال الأمم المختلفة على اعتناقه؛
إذ كان المفهوم: أن الإسلام ديمقراطية سياسية? واجتماعية،

واقتصادية تواخي بين الناس فيما لهم وما عليهم..




ثم تحدَّث الشيخ عن الإسلام والاستعمار وكيف وقف الإسلام للاستعمار
وحصن أبناءه ضد هذا الوباء، وذلك بتكوين البيئة الحرّة في الداخل، ولإيجاد

هذه البيئة يجب توافر عناصر ثلاثة هي: الكرامة الفردية، والكرامة الاجتماعية،
والكرامة السياسية.. ثم يشعرنا الشيخ بالقلق على أوضاعنا والخوف

من مستقبل لا يُدرى ماهيته في مثل هذا الظلم الاجتماعي الذي نحياه
ضاربا مثلا واحدا لقاعدة عامة -كما ذكر- هو الاستيلاء على المرافق العامة

واستغلالها في الملذات الخاصة..