يسود حاليًا اتفاق بأن الحجاج بحاجة إلى تهيئة وتوعية قبيل قدومهم إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضتهم، خاصة في ما يتعلق بالصحة العامة؛ إذ إن ارتفاع درجة الثقافة الصحية من شأنه الحد من التعرض أو الإصابة بالأمراض الناتجة عن بيئة الحج. وهنا يمكن القول بأن ما يحدث من إصابة ووعكات، دون الأمراض الوبائية التي تفرض عليها السلطات الصحية السعودية شروطًا صارمة لعدم تسربها، سببه الرئيسي طغيان الحماس الديني بين الحجاج رغبة في نيل الثواب، وهنا تحدث الأخطاء والسلوكيات والممارسات التي تجد الفيروسات والميكروبات من خلالها منفذًا لها إلى أجهزة جسم الإنسان.


ولذلك يشدد جميع الأطباء والمختصين على الحجاج بضرورة اتباع العديد من النصائح العامة، التي قد تكون سببًا رئيسيًّا في منع الإصابة بالأمراض لظروف تفرضها طبيعة هذه الفريضة وبيئتها، من أبرزها: عدم التعرض للإجهاد الشديد أيًّا كان شكله، طالما أن البدائل متوفرة، إضافةً إلى ضرورة اتباع قواعد النظافة الشخصية في المكان والطعام والشراب، ومراعاة التخلص من الفضلات وقضاء الحاجة. وهنا نذّكر الجميع بالمبدأ الصحي المعروف "الوقاية خير من العلاج".


الحجاج والأمراض المزمنة
وفي مقابل ذلك، فإن الأمر قد يبدو مختلفًا لبعض الحجاج المصابين بأمراض مزمنة، مثل: السكري، الضغط، القلب، الحساسية، وهؤلاء مطالبون بضرورة التقيد بالاشتراطات الصحية الأساسية، والتي من أبرزها: الاستمرار في المواظبة على روشتة العلاج الموصوفة للحاج في بلاده، وعدم إهمالها بأي حال من الأحوال.


قال الدكتور عبد اللطيف خوجة، استشاري أمراض القلب في مستشفى الملك فهد العام في جُدَّة: إن الحاج المصاب بضغط الدم مطالب بتجنب الإجهاد الجسدي قدر الإمكان، فعليه مثلاً الابتعاد عن الأماكن المزدحمة وحمل الأغراض الثقيلة، مشددًا على ضرورة تناول العلاج الموصوف تحت أي ظرف كان. وإضافة إلى ذلك -والحديث للخوجة- فإن مريض ضغط الدم مطالب بالتأكد من أن ضغطه ضمن الحدود الطبيعية عبر جهاز خاص ينبغي له حمله وشراؤه والتدرب عليه، أو تدريب أحد الأقارب على استخدامه.


كما أن المريض ينبغي له إدراك العديد من الأمور الأساسية لخروج ضغطه عن المسار الطبيعي، مثل: الشعور بالصداع، عدم وضوح الرؤية (الزغللة في العين)، صعوبة التنفس، وفي هذه الحالة عليه التوجه لأقرب مركز صحي في المنطقة التي يسكنها، سواء كانت داخل مكة المكرمة أو المدينة المنورة أو في المشاعر المقدسة. فيما يبدو الأمر مختلفًا بالنسبة للحجاج الذين يعانون من انخفاض في ضغط الدم، فهم هنا -حسب ما يوضح الدكتور خوجة- مطالبون بعدم التعرض لأشعة الشمس مباشرة، واختيار الأماكن المظللة والجيدة التهوية. كما ينصح أيضًا بزيادة كمية السوائل، وبخاصة العصيرات الحمضية التي يمكن لها أن تعويض الجسم كمية السوائل والأملاح المفقودة بفعل الحركة المستمرة.


وفي الجانب الآخر، تبرز إصابات الحجاج المصابين بقصور في أداء وظيفة القلب، وهؤلاء مطالبون بحرص أشد في الحركة، وعدم التعرض للإجهاد البدني؛ إذ يشدد الدكتور أحمد مبروك استشاري أمراض القلب في مستشفى الدكتور سليمان فقيه، على ضرورة أن يلتزم الحاج قدر الإمكان بعدم تعريض نفسه للإجهاد، خصوصًا لدى أداء شعيرتي الطواف ورمي الجمرات، بهدف التخفيف قدر الإمكان من العبء على القلب والجهاز الدوري الدموي. ويرى هنا الدكتور (الخوجة) أن الحاج مطالب أيضًا بالتخفيف من تناول ملح الطعام.


أخطاء الحجاجالحساسية والربو في الحج
يمكن اعتبار الجهاز التنفسي أبرز الأجهزة في جسم الإنسان تعرضًا لهجوم الفيروسات المسببة للأمراض خلال موسم الحج؛ إذ تُعتبر أجزاؤه -الأنف والحنجرة- مكشوفة تمامًا لتيارات الهواء، ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى الممارسات والسلوكيات في الحج؛ حيث إن التجمع البشري لنحو مليوني حاج قادمين من بيئات مختلفة، واحتكاكهم القريب والمباشر قد يكون سببًا في الإصابة بالعديد من أمراض هذا الجهاز.


وفي هذا الإطار يطرح البروفيسور حسن مسعود -كبير أطباء الأمراض الصدرية في سلسلة مراكز علاج في السعودية، ورئيس قسم أمراض الصدرية والحساسية في كلية طب القصر العيني المصرية- نحو ستة احتمالات رئيسية لزيادة نوبات الحساسية والربو الشعبي لدى الحجاج. فهو يرى أولاً أن الحجاج القادمين من مناطق بعيدة يكون فارق التوقيت بينها وبين السعودية في حدود 10 - 12 ساعة تقريبًا، مثل حجاج دول جنوب شرقي آسيا وإفريقيا والقارة الأمريكية، قد يتعرضون لنوبات ربو غير عادية أثناء فترة النهار في الأيام الأولى من وصولهم؛ بسبب الخلل الذي يصيب الساعة البيولوجية، ويؤدي هذا إلى نقص نسبة الكورتيزون في الدم، مما ينسحب أخيرًا على إثارة نوبات ربو مفاجئة.


في حين أن الحجاج القادمين عبر الموانئ البرية والبحرية يكونون معرضين أيضًا لنوبات الربو، نتيجة تناولهم وجبات غذائية معلبة تحتوي على مواد حافظة، وتكون سببًا رئيسيًّا في إثارة الحساسية عند مرضى الصدر والأنف.


كما أن من بين الاحتمالات الأخرى هو التعرض للمراوح الهوائية السقفية في غرفة "سيئة التهوية"، حيث بإمكان هذه المراوح نقل الميكروبات بين الحجاج، عن طريق رذاذ الزفير، مما ينتج عنه أخيرًا نزلات شعبية تزيد من الحساسية الصدرية، تسمى "نزلات ربوية شعبية حادة"، وهذا الأمر خطير جدًّا بالنسبة لمن يعانون من مرض الربو الشعبي المزمن، كما ينطوي تحت هذا الاحتمال استعمال أجهزة التكييف دون وجود فتحات تهوية خاصة؛ مما يؤدي للإصابة بمرض "الليجيوتيلا".


وأخيرًا فإن اختلاط الحجاج -وهم بالطبع من أجناس مختلفة، وفي أماكن متقاربة أبان تأدية شعائر السعي أو الطواف ورمي الجمرات- يسهِّل عملية انتقال الميكروبات الفيروسية من مريض إلى آخر، ومن أبرزها: فيروس النزلات البردية، وفيروس الإنفلونزا. وتبعًا لذلك كله، ينصح البروفيسور مسعود جميع الحجاج بعدم التعرض للمجهود الشاق طالما أن البدائل متوافرة، وعدم التزاحم مع الآخرين، والابتعاد عن الأماكن المغلقة سيئة التهوية. كما أنهم مطالبون -أي الحجاج- بعدم التعرض للتيارات الهوائية لمدة طويلة، أو النوم تحت مروحة سقفية أو وضعها أمام أو خلف الجسد. وكذلك الابتعاد عن التيارات الهوائية المصحوبة بالغبار أو الدخان، ومنها مواقد الكيروسين التي تسبب هيجان الأنف والقصبة الهوائية، أما الاستحمام اليومي فهو مطلوب للتخفيف من التهيج الجلدي الناتج عن العرق.


التهابات العيون في الحج
مبدئيًّا تعدّ مسألة انتشار بعض أمراض العيون والالتهابات والإصابات العارضة أمرًا متوقعًا حدوثه أثناء أداء فريضة الحج، كما يقول الدكتور حازم الحمزاوي استشاري طب وجراحة العيون بمستشفى المغربي للعيون والأذن في جدة؛ حيث إن الحاج مطالب بتوخي الحذر من إصابات العين المفاجئة نتيجة التزاحم، فعليه مثلاً عدم الاستدارة للخلف عند رمي الجمرات تفاديًا للإصابة بجمرة خاطئة، وهو يؤكد هنا أن إصابة العين بالعمى أمر وارد إذا ما استدار الحاج إلى الخلف عند رمي الجمرات، وهناك حوادث وقعت بالفعل نتيجة لذلك.


وكإجراء طبيعي ينصح بضرورة توخي الحذر من خلال ارتداء نظارات شمسية أو طبية للوقاية من أشعة الشمس. وعن أمراض العيون التي تنتشر أثناء موسم الحج، يوضح أن أكثرها شيوعًا، كنتيجة حتمية للزحام، هو التهابات (ملتحمة العين)، التي يسببها فيروس "الأدينوفيروس". مشددًا على أن خطورة هذا المرض تكمن في سهولة انتقالها من حاج إلى آخر، حيث تنتقل بالاتصال المباشر عن طريق لمس العين ثم مصافحة الآخر بنفس اليد، أو عن طريق استعمال منشفة استعملها حاج آخر مصاب بالتهاب الملتحمة، وهذا النوع من العدوى ينتقل سريعًا.


وتتمثل أعراض الملتحمة حسب الدكتور الحمزاوي، في احمرار العين وحدوث بعض الإفرازات، مع شعور الشخص المصاب بألم في العين، قد يصاحبه زغللة في حالات التورم الحاد بالغدد الليمفاوية التي تقع أمام الأذن. وينصح الحمزاوي بضرورة تجنب أسباب الإصابة بالعدوى، وكذلك استعمال الكمادات في الحالات البسيطة، وبعض القطرات الخاصة التي يصفها له الطبيب المختص في الحالات الشديدة، بهدف تقليل الألم أو احمرار العين، وقد تستمر الإصابة بهذا النوع من الفيروسات لمدة أسبوعين، وإن كانت لا تسبب أية مضاعفات. كما يجب على المريض أن يحاول قدر الإمكان عدم الاتصال المباشر مع الآخرين، وعدم استعمال المناشف الخاصة بغيره؛ تجنبًا لنقل العدوى. وحذر (الحمزاوي) الحجاج من نتائج التعرض للإصابات المباشرة بالعين من أطراف المظلات أو التعرض لعدوى أمراض العيون، وعدم توخي الحيطة والحذر، وخاصة في مواطن الزحام وأوقات الحر الشديد.


ضربات الشمس في الحج
تُعَدّ ضربات الشمس التي يتعرض لها الحاج من أخطر الإصابات التي قد تودي بحياته أثناء تأديته لمناسك الحج، نتيجة ما قد يصيب خلايا الكبد، أو الكُلَى، أو الدماغ من تلف. وفي هذا الصدد يقول الدكتور سعيد الغامدي استشاري أمراض الكلى بمستشفى جامعة الملك عبدالعزيز في جدة: إن الحاج مطالب بالتوقف لفترات طويلة في المناطق الباردة أو المظللة، مع شرب أكبر كمية ممكنة من السوائل، متى ما شعر بأحد عوارض ضربات الشمس، التي تتمثل في الإعياء الشديد، التعب، الدوّار، الغثيان، الصداع، وقد يتطور الأمر إلى ارتفاع شديد في درجة حرارة الجسم، يؤدي إلى اضطراب منطقة الجسم الداخلية، ينتج عنها تلف خلايا الكبد، والكليتين، والدماغ، مما يعني الإصابة إما بفشل كلوي، أو كبدي، مع اضطراب في عوامل تخثر الدم. ولذلك ينصح الدكتور الغامدي جميع الحجاج، بضرورة أخذ الحيطة والحذر عند تأديتهم مناسك الحج، والابتعاد قدر الإمكان عن أماكن التجمعات، والبقاء لفترات طويلة في مناطق مظللة، مع شرب كميات متواصلة وكبيرة من السوائل، مما يساهم في تخفيف درجة حرارة الجسم الداخلية، وبالتالي وقاية الحاج من الإصابة بضربة شمس.


وأكد في الوقت نفسه، أن التشخيص السريع للحالات المصابة من قبل الفريق الطبي المتواجد في مكة المكرمة أو المدينة المنورة أو المشاعر المقدسة، قد يساعد في إنقاذ مصاب من مضاعفات خطيرة، أقلها غيبوبة دائمة، أو فشل كلوي، أو كبدي، إن لم تكن الوفاة هي النتيجة النهائية. مع ضرورة إجراء التحاليل الأولية للمصاب، ومن ثَمَّ وضعه داخل مغاطس التبريد، التي تساهم في خفض درجة حرارة الجسم إلى معدلاتها الطبيعية، قبل نقله إلى غرف الإفاقة.


أمراض الجهاز الهضمي في الحج
يمكن اعتبار الجهاز الهضمي أحد أجهزة الجسم المعرضة للإصابة، إذا ما انعدمت النظافة المحيطة بالحاج خلال موسم الحج؛ حيث إن إلقاء المهملات في الشوارع، وقضاء الحاجة في الأماكن العامة، مع الاحتكاك المباشر للحجاج، قد يكون سببًا مباشرًا في الإصابة بالعديد من أمراض هذا الجهاز. يأتي في مقدمة هذه الأعراض، بناءً للدكتور عباس رضوان استشاري الأمراض المعدية والجهاز الهضمي في مستشفى الملك فهد العام بجدة، القيء، الإسهال، التغيير في درجة الحرارة، الجفاف، الصدمات العصبية. ولذلك ينصح جميع الحجاج بعدم استخدام أغراض الآخرين، أو الشرب في أوانٍ مشتركة، مع الاهتمام بنظافة الملابس، والخيام، والتأكد من نظافة الأطعمة المتناولة، والابتعاد عمّا يقدمه الباعة المتجولون، وعن الأماكن المحتمل تواجد المكروبات فيها.


الحج والأمراض الجلدية
لا يخلو مكان من النظافة إلا وأصبح مرتعًا للفيروسات والميكروبات، التي قد تخلف أمراضًا جلدية تصيب الشخص المعرض لها، والتي منها "التينا" و"الجرب" وهما يصيبان عادة الأطراف، مما ينتج عنها حكه شديدة قد تؤدي في بعض الأحيان إلى النزيف. ومما يساعد على انتقال هذه الأمراض من شخص مصاب إلى آخر سليم، هو عدم توخي الحيطة عند التعامل مع الآخرين، أو الاستعمال المشترك لبعض الأغراض، أو عدم التأكد من نظافة المراحيض. لذلك ينصح جميع الأطباء الحجاج بعدم استخدام أغراض الغير، أو الشرب في الأواني المشتركة، مع ضرورة الاستحمام المتكرر، والمحافظة على نظافة الجسم، وعدم البقاء بالملابس لفترات طويلة، واستخدام المراحيض البلدية.


شروط صحية صارمة لمنع تسرب الأمراض للحجاج
فرضت السلطات السعودية شروطًا صارمة بالنسبة للاشتراطات الصحية للحجاج القادمين إلى أراضيها، بهدف منع تسرب أي مرض وبائي، مثل: الحمى الصفراء، الحمى الشوكية، الدفتريا إلى الحجاج، إضافة إلى مراقبة الأمراض الوبائية الأخرى والأغذية. ومن هذه الاشتراطات الواجب توفرها في القادمين من عدد من الدول المصنفة -وفقًا لنشرات منظمة الصحة العالمية- بأنها موبوءة، في مقدمتها تقديم شهادة تطعيم ضد الحمى الصفراء سارية المفعول، وشهادة أخرى تفيد بإبادة الحشرات والبعوض على الطائرات القادمة من هذه الدول، وتقديم شهادة تطعيم ضد الحمى المخية الشوكية (بلقاح A/C) بمدة لا تقل عن عشرة أيام ولا تزيد على ثلاث سنوات.


كما تشمل إجراءات الدخول عبر المنافذ التأكد من أن جميع القادمين من تلك الدول يحملون شهادات تطعيم، مع ضرورة اكتشاف الحالات المشتبه فيها وعزلها، وعمل الإجراءات الوقائية اللازمة لها، إضافة إلى إعادة التطعيم في حالة الشك في مصداقية الشهادة، وإعطاء الجرعات الوقائية لجميع القادمين من تلك الدول؛ بهدف خفض معدل حمل الميكروب المحتمل بينهم. أما إجراءات مرض "الخناق أو الدفتريا" فإن الحجاج والمعتمرين القادمين من دول الاتحاد السوفيتي سابقًا مطالبون بتقديم شهادة تفيد تطعيمهم ضد الخناق، على أن تكون جميع هذه الشهادات صادرة باللغات العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية، مع جواز إضافة اللغة الرسمية للبلد التي يصدرها.


وفيما يتعلق بالأغذية فتمنع السلطات السعودية دخول المواد الغذائية التي يحضرها الحجاج للحج، أما المواد الغذائية الواردة للأغراض التجارية فيطبق بشأنها ما يطبق على البضائع التجارية.