دخلت السلطات الجزائرية على خط صراع الهوية الذي أشعله مقترح وزيرة التربية نورية بن غبريط باعتماد العامية لغة أساسية في المرحلة الابتدائية، وتدور تسريبات حول التقاط المحيطين بالرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لهذه الأزمة وتوظيفها للإفلات من انفجار اجتماعي وشيك بسبب تداعيات تهاوي أسعار النفط، واستشراء الفساد، وانسداد الأفق السياسي.

وقال مراقبون للعرب اللندنية، إن مقترح الوزيرة أخذ أكبر من حجمه، وصارت قضية سياسية بدلا من أن تكون مقترحا تعليميا يحتمل النقاش والأخذ والرد، مما يعكس أسلوبا سيئا في إدارة الملفات الوطنية، لافتين إلى أن كل وزراء التعليم في العالم يقترحون أساليب جديدة لتعزيز الآليات التعليمية دون أن تتحول تلك المقترحات مسرحا للصراع السياسي.

وصار اعتماد اللغات الأخرى أمرا طبيعيا في عدد من دول أوروبا، وكذلك في الجارة المغرب، ويعطى هامش أكبر للغة الإنكليزية في البرامج التعليمية لتسهيل استفادة الطلاب من مختلف البرامج.

وبسبب الفجوة بين اللهجة الدارجة والعربية الفصحى صار الطفل في الجزائر يتعلم اللغة العربية وكأنها لغة أجنبية، بدلا من النجاح في تقريب العربية له، صار يهرب منها إلى الفرنسية باعتبارها حلا وسطا.

وانضمت شخصيات سياسية وإعلامية ووزراء سابقون، إلى مبادرة تدعو لتعليم اللغة الإنكليزية كلغة أجنبية أولى ووقعوا على عريضة أطلقها نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي تطالب باعتماد “اللغة الإنكليزية بدلا من اللغة الفرنسية التي لم تعد لغة علم ولا تجارة”.

ولم تستبعد مصادر متابعة للشأن السياسي بالجزائر في حديث لـ”العرب” أن تلجأ السلطة لتوظيف جميع الأوراق من أجل إنقاذ شعبية الرئيس من الانهيار، وأن تكون مستعدة للتضحية ببعض أجنحتها ورموزها من أجل أن يظهر بوتفليقة بمظهر المتحكم في زمام السلطة.

وأدرجت المصادر تنحية وزير التجارة عمارة بن يونس في التعديل الجزئي للحكومة الذي أجراه بوتفليقة منذ أسابيع، في خانة اللعبة التي تنتهجها السلطة بالتضحية ببعض رموزها من أجل الحفاظ على شعبية الرئيس.

ورغم خدمات التأييد والدعم التي قدمها الوزير المقال لبوتفليقة، وجد نفسه خارج حسابات المنظومة الحاكمة، بعد أن دفع لاتخاذ إجراءات تجارية غير شعبية أثارت استياء الشارع، وجاء قرار التنحية ليظهر قرارات الوزير وكأنها قد اتخذت بشكل منفرد، دون علم الرئيس.

ورجحت المصادر أن يتكرر نفس السيناريو مع وزيرة التربية وأن تتم التضحية بها مع عودة الطلاب إلى المدارس والجامعات، وليبدو بوتفليقة في صورة المدافع عن الهوية.

وواضح أن السلطة في حاجة إلى هدنة سياسية، بعد المخاوف التي تركتها تبعات انهيار أسعار النفط على الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية، وضغط المعارضة من أجل التغيير، وعليه كانت السلطة في حاجة إلى تحويل أنظار الشارع إلى نقاش هامشي يستنفد أشهر الحر الصيفي، ولم تجد غير الجدل المتجدد حول مسألة الهوية واللغة، فأوعزت لوزيرة التربية نورية بن غبريط، بتفجير قنبلة التدريس بالعامية.

وجاء تبرؤ حزبي السلطة (جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي) من مبادرة الوزيرة ليصبّ في خانة التوقعات باقتراب أيام بن غبريط على رأس الوزارة من نهايتها.

وشدد رئيس الكتلة النيابية لجبهة التحرير في البرلمان محمد جميعي، على تمسك حزبه “بهوية الشعب وبقيمه الروحية والحضارية”، وعن رفض مشروع النيل من العامل الرئيس الذي يوحّد الجزائريين وهو اللغة العربية.

واعتبر معارضون لخطة وزيرة التربية، أن الهدف هو ضرب اللغة العربية بواسطة العامية والتمكين التدريجي للغة الفرنسية لتصبح لغة الجزائريين الأولى.

وكشفت مليكة قريفو المتخصصة في علم النفس المدرسي واللغوي في اتصال مع "العرب"، أن إدراج العامية في المراحل التعليمية الأولى، ينطوي على حرب سرية تديرها لوبيات خفية في وزارة التربية بالتنسيق مع رموز الهيمنة السياسية والفكرية في فرنسا، وأن المشروع يخفي صفقات فكرية وأيديولوجية ومالية ضخمة، بما أنه يتطلب إعداد وإنتاج ملايين الكتب ووسائل التعليم لتلاميذ الجزائر.