علمت أن المسلمين مأمورون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن هذا من أسباب خيرية هذه الأمة، فما ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وهل يجوز لأي شخص أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟
{كنتم خير أمة أخرجت للناس} هل لأموالنا؟ هل لأجسادنا؟ لأشكالنا؟ لا والله، ولكن لشرف المهمة {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} والآية تشير إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه وبه قوام الدين، وبه قوام هذه الملة، وهو رسالة الأنبياء - عليهم صلاة الله وسلامه - والأمر به من بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - موجّه لكل أفراد الأمة (من رأى منكم منكرًا) الذي يرى المنكر قد يكون رجلاً، قد تكون امرأة، قد يكون كذا، (فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) وزاد في رواية: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل).
إذًا هي الفريضة الضائعة، الفريضة التي ما هانت الأمة إلا لمَّا قصَّرت فيها، وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.




ولكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضًا له ضوابط وله قواعد، فالإنسان إذا أمر بالمعروف، فليكن أمره بالمعروف، لا ينبغي أن يترتب على الأمر بالمعروف معصية أكبر، ينبغي أن يتحرى الحكمة، وأن يختار الوسيلة المناسبة، والوقت المناسب، أن يعرف المنكر، يعرف أساليب تغيير المنكر و بأسلوب اللين والرفق والكلمة الطيب
أما بخصوص تكرارها والإلحاح فيها فهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فرب شخص ينتفع بهذا ولا يضيق به فالأفضل حينئذ تذكيره دائما, ورب شخص يغلب عليه الضجر وضيق الصدر، وربما أدى تكرار النصيحة له إلى زيادة تمرده وطغيانه

ولذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب على كل أحدلذلك لا بد أن نتذكر هذه المهمة، لأن نجاح الأمة ليس في الصلاح، ولكن لا بد من بعد الصلاح أن نكون مُصلحين، صالحين في أنفسنا مصلحين لغيرنا {وما كان ربك مُهلك القرى بظلم} لم يقل وأهلها صالحون، وإنما قال: {وأهلها مُصلحون}، فلذلك لا بد من قائم بهذه الفريضة - فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104] قال ابن كثير - رحمه الله تعالى-: المقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدية للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة الإسلامية كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع، فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)[صحيح مسلم]. والتغيير باليد واجب ولاة الأمور ومن يوكلونه إليه، وإذا تركوه فقد تركوا واجبًا من واجبات الدين، والتغيير باللسان واجب على كل أحد ما لم يخش فتنة يفوق ضررها ضرر ترك الأمر بالمعروف، والتغيير بالقلب واجب على كل أحد، ومن لم يغير ولو بقلبه فليس بمؤمن؛ لأنه جاء في رواية (وليس بعد ذلك من الإيمان مثقال حبة من خردل)، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -، ومن ولاة الأمور كل صاحب أهل وعيال فهو ولي أمر يحاسب على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيمن تحت يديه من الأولاد والنساء والصبيان.




سنن الله الماضية أن يسلط عقوباته على المجتمعات التي تفرّط في شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ] لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ[78] كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ[79][ سورة المائدة.
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ " ، قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وُجُوبُ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فرق مَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، لأَنَّهُ قَالَ : الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَقَالَ : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ

وسئل الحسن عن الولد يحتسب على الوالد؟ قال: يعظه ما لم يغضب، فإن غضب سكت عنه.



ونقل ابن عابدين عن العلماء قولهم: إن الولد ينهى أبويه إذا رآهما يرتكبان المنكر مرة واحدة، فإن انتهيا, وإلا فيسكت إن ساءهما ذلك، ويسأل الله عز وجل أن يهديهما ويغفر ذنبهما.