" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته "
{ مدخل



وفي الليل . . وفي عالم الأسْحّار أسْرارٌ عِظام
لايعلمها إلا الله الرحمن . .
ودمـوع منسكباتٌ على جِدار الظلام . .
وأنفس ٌ مشتاقةٌ لخالقها . .
وقلوبٌ مُتلهفاتْ لرحماته . .
وأيدٍ مرتفعة تطرق باب السَّمآء
عسى أنْ يُؤذنَ لها ويُفتح . .
عالمُ الأسْحَار قِصَصٌ وأسْرَار . .
ومسرحٌ للقاء المحبين بالمنْان . .
ألسنٌ تترنم ُ بأهازيج السْحَر . .
وأروحٌ تائهةٌ في جَنْانِ الله . .
لبتْ نداءه حينَ دعاها في السْحر . .
وهي تردد . .


من أي بحر غير بحرك نستقي / ولأي باب غير بابك نطرق
أنتَ المُجيبُ لـكُل داعٍ يلتجي / أنتَ المجيرُ لـكُل من يستنجدُ



عالمُ الأسْحَار . . كُله فوائدُ وأثْمَار
وعبرٌ وأسْرار . .

{فضل قيام الليل ..


أولاً: الآيات الواردة في فضل قيام الليل :


1- قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّداً وَقِيَـٰما ﴾ [الفرقان:64] .
قال سعيد بن جبير: «يعني يصلون بالليل» .

وقال ابن جرير: "والذين يبيتون لربهم يصلون لله، يراوحون بين سجودٍ في صلاتهم وقيام" .


وقال السيوطي: "ينتصبون لله على أقدامهم، ويفترشون وجوههم سجداً لربهم، تجري دموعهم على خدودهم خوفاً من ربهم".

قال الحسن: لأمرٍ ما سهر ليلهم، ولأمر ما خشع نهارهم".


2- وقال تعالى: ﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [السجدة:16] .

قال الحسن: "يعني قيام الليل" .

وقال مجاهد: "يقومون يصلون من الليل" .

وقال ابن كثير: "يعني بذلك قيام الليل، وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة" .

3- وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء ٱلَّيْلِ سَـٰجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ [الزمر:9] .
قال ابن عباس: "من أحب أن يهوِّن الله عليه الوقوف يوم القيامة، فليره الله في ظلمة الليل ساجداً أو قائماً يحذر الآخرة، ويرجو رحمة ربه"
وقال ابن كثير: "قال ابن عباس والحسن والسُدّي وابن زيد آناء الليل جوف الليل" .


ثانيًا: الأحاديث الواردة في فضل قيام الليل:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة، بعد الفريضة، صلاة الليل) .

قال النووي: "فيه دليل لما اتفق العلماء عليه أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار".

2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنَّيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت غلاماً شاباً،
وكنت أنامُ في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أُناسٌ قد عرفتهم، فجعلت أقول:
أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك آخر فقال لي: لم تُرَع. فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (نِعْم الرجل عبد الله لو كان يُصلي من الليل، فكان بعدُ لا ينام من الليل إلا قليل) .


قال ابن حجر: "شاهد الترجمة قوله: (نِعْم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل) فمقتضاه أن من كان يصلي من الليل يوصف بكونه نعم الرجل" .

وقال أيضاً: وفي الحديث تنبيه على أن قيام الليل مما يُتقى به النار".


3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقدٍ، يضرب على مكان كل عقدة:
عليك ليلٌ طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدةٌ، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدةٌ، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) .

قال ابن حجر: "والذي يظهر أن في صلاة الليل سراً في طيب النفس وإن لم يستحضر المصلى شيئاً مما ذكر، وكذا عكسه، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيل﴾ [المزمل:6] .

وقد استنبط بعضهم منه أن من فعل ذلك مرةً ثم عاد إلى النوم لا يعود إليه الشيطان بالعقد المذكور ثاني .


ثالثًا: آثار عن بعض الصحابة والسلف في فضل قيام الليل:

1- قال ابن عمر رضي الله عنهما حين حضرته الوفاة: (ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ظمأ الهواجر ومكابدة الليل) .

2- وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (شرف الرجل قيامه بالليل وغناه استغناؤه عما في أيدي الناس) .
3- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية) .

4- وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: (ركعة بالليل أفضل من عشر بالنهار) .



{حال السلف في قيام الليل ..




قال سعيد بن المسيب رحمه الله : إن الرجل ليصلي بالليل

[size=4]، فيجعل الله في وجه نورا يحبه عليه كل مسلم ،

فيراه من لم يره قط فيقول : إن لأحبُ هذا الرجل !! .



قيل للحسن البصري رحمه الله : ما بال المتهجدين بالليل

من أحسن الناس وجوها ؟ فقال لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم من نوره .


صلى سيد التابعين سعيد بن المسيب – رحمه الله – الفجر خمسين

سنة بوضوء العشاء وكان يسرد الصوم.


كان شريح بن هانئ رحمه الله يقول :ما فقد رجل شيئاً أهون

عليه من نعسة تركها !!! ( أي لأجل قيام الليل ) .


قال ثابت البناني رحمه الله : لا يسمى عابد أبداً عابدا

، وإن كان فيه كل خصلة خير حتى تكون فيه هاتان الخصلتان : الصوم
والصلاة ، لأنهما من لحمه ودمه !!



قال طاووس بن كيسان رحمه الله : ألا رجل يقوم بعشر آيات

من الليل ، فيصبح وقد كتبت له مائة حسنة أو أكثر من ذلك .



قال سليمان بن طرخان رحمه الله : إن العين إذا عودتها

النوم اعتادت ، وإذا عودتها السهر اعتادت .


قال يزيد بن أبان الرقاشي رحمه الله : إذا نمت

فاستيقظت ثم عدت في النوم فلا أنام الله عيني .


أخذ الفضيل بن عياض رحمه الله بيد الحسين بن زياد رحم الله ، فقال

له : يا حسين : ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول الرب : كذب من أدعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني ؟!!
أليس كل حبيب يخلو بحبيبه ؟!!

ها أنا ذا مطلع على أحبائي إذا
جنهم الليل ،.....، غداً أقر عيون أحبائي في جناتي .


قال ابن الجوزي رحمه : لما امتلأت أسماع المتهجدين بمعاتبة [ كذب من أدعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني ]

حلفت أجفانهم على جفاء النوم .



قال محمد بن المنكدر رحمه الله : كابدت نفسي أربعين عاماً ( أي جاهدتها وأكرهتها على الطاعات )

حتى استقامت لي !!


كان ثابت البناني يقول كابدت نفسي على القيام

عشرين سنة
!! وتلذذت به عشرين سنة .


كان أحد الصالحين يصلي حتى تتورم قدماه فيضربها ويقول

يا أمّارة بالسوء ما خلقتِ إلا للعبادة .


كان العبد الصالح عبد العزيز بن أبي روّاد رحمه الله يُفرش

له فراشه لينام عليه بالليل ، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه
ثم يقول : ما ألينك !! ولكن فراش الجنة ألين منك !! ثم يقوم إلى صلاته .


قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى : إذا لم تقدر

على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل ،
كبلتك خطيئتك .



قال معمر : صلى إلى جنبي سليمان التميمي رحمه الله بعد العشاء الآخرة فسمعته يقرأ في صلاته :

{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} حتى أتى على هذه الآية
{فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا }



فجعل يرددها حتى خف أهل المسجد وانصرفوا ،

ثم خرجت إلى بيتي ، فما رجعت إلى المسجد لأؤذن الفجر فإذا سليمان
التميمي في مكانه كما تركته البارحة !!

وهو واقف يردد هذه الآية لم يجاوزها {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا }.




قالت امرأة مسروق بن الأجدع : والله ما كان مسروق

يصبح من ليلة من الليالي إلا وساقاه منتفختان من طول القيام !! ....، وكان رحمه الله إذا طال عليه الليل وتعب صلى جالساً
ولا يترك الصلاة، وكان إذا فرغ من صلاته يزحف ( أي إلى فراشه )

كما يزحف البعير !
مخرج . . }





كلما اشتاقت نفسك للجنة


وأريجها. .
واشتاقت نفسك للقاء الله . .
فعرج بالأسحار . .
ويمم نحو السمآء نظرة
واطرق بابه سبحانه . .
وارفع يديك سائلاً . .
حتما لن يردك صفر اليدين . .


فلاتعلم نفس ماأخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ..