أحكام الطلاق


الحمدُ لله حمدًا كثيرًا كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لِمَن شكر، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كَرِهَ ذلك مَن أشرك به وكفر، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله سيّد

البشر، الشافع المشفّع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.


أما بعد:


فيا عباد الله، اتلوا كتاب الله حق تلاوته، احفظوه إن استطعتم وتفهّموا معانيه واعملوا بأحكامه وصدّقوا أخباره، وإياكم أن تحيدوا عنه؛ فإنه مَن ضل عن سبيل الله فإن الله تعالى يقول:

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى?} [طه:124].



ولقد كثر في الناس في الآونة الأخيرة، كثر في الناس التهاون في الطلاق فصار الإنسان يطلّق امرأته على أدنى سبب ثم إذا طلَّقها ذهب إلى أعتاب العلماء يسأل كل عالِم لعلَّه يجد

مخرجًا مِمّا وقع فيه من الورطة...



والذي يجب على الإنسان إذا أراد أن يُطلِّق أن يعرف حدود الله تعالى في الطلاق، فالمرأة الحائض لا يَحِل للإنسان أن يطلّقها والمرأة الطاهر إذا كان قد جامَعَها في طهرها بعد حيضها

لا يَحِل له أن يطلّقها والمرأة الحامل يطلّقها الإنسان متى شاء؛ لأن طلاق الحامل ليس فيه بدعة، فإذا طلّق الإنسان امرأته وهي حامل فإن الطلاق يقع، والسنّة في الطلاق إذا أراد الإنسان

أن يطلق وكان آخر شيء يعالج به المشكلة أن يطلّقها طاهرًا من غير جماع أو يطلّقها وهي حامل.



ولقد كثر في الناس أيضًا الحلف بالطلاق: فتجد الرجل يحلف بالطلاق على أدنى سبب، ربما يقول: إن ذهبتُ إلى المكان الفلاني فامرأتي طالق وهو أمر هيِّن لا يحتاج أن يحلف عليه

بالطلاق، فإذا قال هذا وذهب إلى المكان فإن امرأته تطلق عند جماهير الأمة وأئمة المسلمين الأئمة الأربعة: الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، والإمام أبي حنيفة

والعلماء التابعين لهؤلاء كلهم يقولون: إذا قال الإنسان لامرأته إنْ فعلتِ كذا فأنت طالق أو قال: إنْ فعلتُ أنا كذا فامرأتي طالق فإنه إذا فعلت المرأة ذلك أو فعل هو ما حلف عليه فإن

امرأته تطلق.



انتبهوا إلى هذا الأمر العظيم، أكثر الأمة من أئمة وعلماء يقولون: إن الطلاق المعلَّق يقع على كل حال إذا تمَّ الشرط؛ وعليه فإياكم والتهاون في هذا.


وإني لأضرب لكم مثلاً: إذا كان الإنسان قد طلّق زوجته مرَّتين ثم قال: إن فعلتُ كذا فامرأتي طالق ففعله طُلِّقَت الطلقة الثالثة وصارت مُحرّمة عليه عند الأئمة الأربعة وعند عامة

علماء المسلمين، فلو أنه راجعها في هذه الحال لكان يطؤها وطء الزاني، والعياذ بالله.



يرى بعض العلماء أن الطلاق المعلّق إذا قُصد به معنى اليمين فإنه يمين يكفّرها ولا طلاق عليه، ولكنّ هذا الرأي بالنسبة للأمة الإسلامية رأي قليلٍ من العلماء وإن كان المحقّقون يرون

أنه أصح لكنْ الأمر خطير، لا تتهاونوا بهذا، إياكم والتهاون به؛ فإن الأمر صعب جدًّا، وكما قلت لكم: إذا أراد الإنسان أن يطلّق زوجته وكان هو آخر ما يمكن الحل به أنه لا بُدَّ أن

يطلقها وهي حامل أو في طهر لم يجامعها فيه.



فاتَّقوا الله -عباد الله- واعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله وتأدّبوا بآداب الله عزَّ وجل التي أدَّبكم بها؛ فإنه أعلم بمصالحكم وأحكم فيما شرعه لكم، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله،

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، «وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».



وأكْثروا من الصلاة على نبيّكم يعظم الله لكم بها أجرًا؛ فإن مَن صلى عليه مرّة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا.


اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبّته واتّباعه ظاهرًا وباطنًا.


_______________


[1] انظر إلى هذه المقولة في كتاب (الجواب الكافي لِمَن سأل عن الدواء الشافي) المسمى (الداء والدواء) لابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى، الجزء[1] من الصفحة [168] ت م ش.


[2] أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في كتاب (السير والجهاد) باب: فضل رباط يوم في سبيل الله وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، رقم [2678] ت ط ع.


[3] أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في كتاب (تفسير القرآن) باب: قوله تعالى: {وَكَذَ?لِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى? وَهِيَ ظَالِمَةٌ ? إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، رقم [4318] ت ط ع.