"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" تعد هذه الآية الكريمة المنهج الأساسي لشريعة الإسلام، فالله تعالى جعل الدين الإسلامي يسر وليس عسرا، ولم يكلف أحدا بأداء فريضة أو عبادة رغم عدم قدرته، فمع أن الصيام فريضة عظمى فرضها الله تعالى على المسلمين، إلا أنه استثنى بعض الفئات الغير قادرة من هذا الحكم.
وفي الفترة الأخيرة أثير جدل حول حكم إفطار بعض المهن الشاقة، فبعض الفقهاء أباح لهم الإفطار وذلك لأن الصيام يتوقف على القدرة الجسدية والحاجة، وأصحاب المهن الشاقة ومن يتعرضون لعمل صعب يجوز لهم الإفطار، وعليهم إطعام مسكين أو فقير، مستشهدًا بقوله الله تعالى: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون".
أما البعض الآخر فرفض فكرة افطارهم واعتبرها إفطار يوم من رمضان بدون عذر، مؤكدين ان الفاطر منهم قد ارتكب إثماً عظيماً وذنباً كبيراً بانتهاكه حرمة رمضان، وذلك لأن الصيام ركن من أركان الاسلام والافطار فيه مباح ولكن لحالات معينة ليس منها أصحاب العمل الشاق.
إلى أن جاءت دار الإفتاء المصرية، وحسمت هذا الخلاف بإجازة الإفطار في نهار رمضان لأصحاب المهن الشاقة كالزارع والحمالين والبنائين، والذين يبذلون مجهودًا شاقًا، خاصة إذا جاء رمضان في فصل الصيف، وأن يكون هذا العمل هو مصدر رزقه الوحيد.
وأضافت دار الإفتاء، أنه من المقرر شرعًا أن من شرائط وجوب الصيام القدرة عليه، والقدرة التي هي شرط في وجوب الصيام كما تكون حسية تكون شرعية، فالقدرة الشرعية تعني الخلو من الموانع الشرعية للصيام، وهي الحيض والنفاس، وأما القدرة الحسية فهي طاقة المكلف للصيام بدنيًا، بألا يكون مريضًا مرضًا يشق معه الصيام مشقة شديدة، أو لا يكون كبير السن بدرجة تجعله منزلة المريض العاجز عن الصوم، أو لا يكون مسافرًا، فإن السفر مظنة المشقة، كما قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم "السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه" رواه الشيخان.
وتابعت الإفتاء : "فالسفر مانع من وجوب الصيام وإن لم تكن هناك مشقة بالفعل، وهذا من رحمة الله تعالى بالمكلفين، ومن يسر هذه الشريعة الغراء".
وأضافت: "ومن القدرة الحسية أيضًا ألا يكون المكلف يعمل عملًا شاقًا لا يستطيع التخلي عنه في نهار رمضان، لحاجته أو لحاجة من يعول؛ فإن كان المكلف لا يتسنى له تأجيل عمله الشاق لما بعد رمضان، أو جعله في لياليه فإن الصيام لا يجب عليه في أيام رمضان التي يحتاج فيها إلى أن يعمل هذا العمل الشاق في نهاره؛ من حيث كونه محتاجًا إليه في القيام بنفقة نفسه أو نفقة من عليه نفقتهم، كعمل البنائين والحمالين وأمثالهم، وخاصة من يعملون في الحر الشديد، أو لساعات طويلة".
وأكدت دار الإفتاء: "ولكن هؤلاء يجب عليهم تبييت النية من الليل، ولا يفطرون إلا في اليوم الذي يغلب على ظنهم فيه أنهم سيزاولون هذا العمل الشاق الذي يعلمون بالتجربة السابقة أنهم لا يستطيعون معه الصيام؛ تنزيلًا للمظنة منزلة المئنة؛ يقول الشيخ البيجوري في حاشيته على فتح القريب لابن قاسم شرح متن أبي شجاع 1/314: وللمريض إن كان مرضه مطبقًا ترك النية من الليل، وإن لم يكن مطبًقا كما لو كان يحم وقتًا دون وقت النية، ومثله الحصادون والزراع والدارسون ونحوهم، فتجب عليهم النية ليلًا ثم أن احتاجوا للفطر أفطروا وإلا فلا، ولا يجوز لهم ترك النية من أصلها كما يفعله بعض الجهلة (فإن عادت الحمى واحتاج للفطر أفطر)".
وقالت: "يجوز للمزارعين في بلدكم الذين يزرعون في الحر الشديد أو في اليوم الطويل بحيث لا يستطيعون الصيام إلا بمشقة شديدة، ولا يمكنهم تأجيل عملهم لليل أو لما بعد رمضان أن يفطروا، مع وجوب إيقاعهم نية الصيام من الليل ثم إن شاءوا أفطروا في اليوم الذي يغلب على ظنهم فيه أنهم سيزاولون العمل الذي يعسر معه الصيام، وعليهم القضاء بعد رمضان وقبل حلول رمضان التالي أن أمكنهم ذلك".