النوم حالة طبيعية تتميز باسترخاء الجسم وقلة حركته وغفلة النائم عما يدور من حوله. ويختلف النوم عن حالات أخرى مشابهة مثل البيات الشتوى أو الغيبوبة فى أنه -على العكس من الأخيرة - يتأثر ويضطرب بالتنبيهات الخارجية البسيطة مثل الضوضاء. ورغم أن الهدف الأساسى من النوم لم يتم كشف النقاب عنه بطريقة قاطعة حتى الآن، إلا أن العلماء أمكنهم معرفة الكثير عن كيفية حدوث النوم فى الإنسان وفى معظم الحيوانات الثديية بالإضافة إلى معرفة الكثير عن أمراض النوم وكيفية التغلب عليها .

ويقيس العلماء النوم بوضع قطب كهربائى معدنى فى الرأس لقياس النشاط الكهربائى للمخ، وتسمى هذه الطريقة EEG وبها يتمكن العلماء من تقييم نشاط المخ فى الأوقات المختلفة من النوم ويستخدمون أيضا أقطاب مشابهة لتسجيل حركة العضلات ومعدل الحركة فى
العين .

وقد تمكن العلماء من تقسيم النوم إلى نوعين رئيسيين :

النوع الأول : هو النوم العميق أو الهادئ ويسمى NREM أو الموجة البطيئة SWS وهو النوم الحقيقى الذى نتوقعه عندما نسمع كلمة النوم حيث تسترخى العضلات وتنبسط ويقل التنفس ، دقات القلب وضغط الدم ودرجة حرارة الجسم نتيجة انخفاض نشاط جميع أجهزة الجسم ، أما فى المخ فتختفى الموجات النشطة التى تحدث أثناء اليقظة ويحل محلها موجات بطيئة . ويشكل هذا النوع من النوم حوالى 70% من وقت النوم عند الشخص البالغ ، وإذا ما تم إيقاظه خلال تلك الفترة فانه لا يذكر أى أحلام . وقد أمكن تقسيم هذه المرحلة إلى أربعة أقسام 4،3،2،1 حيث يكون النوم فى المرحلة (1) ضعيف جدا وهو النوع الذى تلاحظه عندما تغفو أثناء المحاضرات المملة أو فى السينما أو عند قراءة كتاب فى السرير وأنت مجهد...الخ تدخل بعد ذلك بالتدريج فى المراحل التالية إلى أن تصل إلى المرحلة (4) وهى أعمق مستوى من النوم .

النوع الثانى : هو النوم الخفيف أو النشط أو المتناقض Paradoxical sleep ويسمى أيضا بالنوم المصاحب لحركة العين السريعة REM لأن العين تتحرك فى جميع الاتجاهات وكأنها تبحث عن شئ بينما تكون الجفون مغلقة. وهو النوم الخاص بالأحلام، وفيه يزداد توارد الدم إلى المخ ويكون فى حالة نشاط أشبه ما تكون بحالته فى اليقظة. ويبدو أن هذا النوع من النوم يساعد على تطور المخ والذاكرة ولذلك فان الأطفال وصغار الحيوانات يقضون فترات كبيرة من نومهم فى هذا النوع مقارنة بالبالغين. ويقضى معظم البالغين من 20-30% من نومهم فى هذا النوع .

يدخل الإنسان البالغ فى هذه المرحلة بعد 90 دقيقة من استغراقه فى النوم (ينطبق هذا على الأفراد من 20-60 عاماً) وتتكرر كل 90 دقيقة طوال الليل ، وتتراوح عدد مرات REM فى ليلة النوم الطبيعى من 4-6 مرات طبقا لمدة النوم الكلية . فى أول الليل تكون قصيرة (10 دقائق) وتزداد بتقدم الليل حتى تصل الـ 30 دقيقة عند الفجر . أى أن الإنسان يحلم من 10-30 دقيقة كل ساعة ونصف . وأثناء هذا النوع من النوم يتحرك الإنسان وتزداد ضربات القلب والتنفس والعصارة المعدية وهو نوع لا يتسم بالعمق. وحرمان الإنسان من هذا النوع من النوم يعنى حرمانه من الأحلام الأمر الذى يؤدى لإصابته بالهلاوس والهزات النفسية ، فالأحلام هى صمام الأمان الذى يحفظ التوازن النفسى للإنسان على حد قول الدكتور عادل صادق أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس .

كم من النوم تحتاج ؟

تختلف كمية النوم التى يحتاجها الفرد باختلاف العمر. الطفل حديث الولادة ينام حوالى 17-18 ساعة فى اليوم ويقضى من 50-70% من هذه المدة تقريبا فى النوع النشط REM وفى عمر خمس سنوات ينام الطفل 10-12 ساعة يوميا 20% منها من النوع REM أما الشخص البالغ فيحتاج حوالى 8 ساعات من النوم حتى يستطيع العمل بكفاءة وحيوية خلال النهار. إلا أن هناك اختلافات كثيرة بين الأفراد ، بعض الناس تحتاج 5-7 ساعات فقط فى الليلة والبعض الآخر لا يكفيه 9 ساعات . هذه الاختلافات تتوقف على عوامل كثيرة . المرأة مثلا تحتاج من النوم أكثر قليلا من الرجل، والصغار والمراهقون يحتاجون أكثر من الكبار والمسنين ومع ذلك فانهم يذهبون إلى فراشهم متأخرين ويستيقظون مبكرين للذهاب إلى مدارسهم ، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة توترهم وعصبيتهم وقلة تركيزهم .

وفى دراسة أجريت فى الولايات المتحدة فى عام 2002 تحت شعار " النوم فى أمريكا Sleep in America تم استجواب مجموعة عشوائية من البالغين عددهم 1000 شخص من جميع أنحاء الولايات المتحدة تحت إشراف ودعم الهيئة القومية للنوم فوجدوا أن متوسط ساعات النوم لديهم كانت 7 ساعات فى أيام العمل اليومية وتزداد نصف ساعة فى عطلة نهاية الأسبوع. حوالى ثلث الأفراد قالوا أنهم يحتاجون على الأقل 8 ساعات من النوم ليلا ليتفادوا النعاس فى اليوم التالى .

النوم الضرورى والنوم الممتع :

جيم هورن Jim Horne فى جامعة Loughborough يفرق بين الجزء الأساسى أو الضرورى من النوم أو core sleep قلب النوم كما يسميه وبين الجزء الغير ضرورى أو الإضافى non-essential وهو الجزء الممتع من النوم على حد تعبيره، فكما يستمتع الناس بكثرة الأكل والشرب فانهم يستمتعون أيضا بكثرة النوم ويضيف أن بعض الناس تنام
9 ساعات أو أكثر فى الليلة الواحدة رغم أن 7 ساعات من النوم المتواصل تعتبر كافية جدا والمهم هو نوعية النوم وليست كميتة .

هل الغفوة nap أثناء النهار مفيدة ؟

كثير من المشاهير أمثال نابليون وإديسون وتشيرشل المعروف عنهم قلة النوم اكتسبوا هذه الصفة (قلة النوم) بسبب قدرتهم على اغتنام أى فرصة متاحة للإغفاء ولو قليلا. وكثير من الناس فى الدول العربية والشرقية وفى أمريكا اللاتينية-البلاد الحارة عموما- مازالوا يأخذون هذه الغفوة فى فترة القيلولة وقد صور القرآن الكريم أهمية الراحة فى فترة الظهيرة " الوقت من الظهر إلى العصر" فى آية الاستئذان بقوله تعالى "ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم". النور58). لقد سبقت هذه الآية الكريمة بمضمونها ما ذهبت إليه الدراسات العلمية الحديثة فى الحركة الإيقاعية الثلاثية للإنسان : الاستيقاظ صباحاً، والراحة ظهراً والنوم ليلاً (2) يقول علماء النوم إن فترة الإغفاء القوية والقصيرة فى نفس الوقت يمكن أن تجدد النشاط واليقظة بدرجة كبيرة خاصة بالنسبة لمن يعملون فى الورديات الليلية night shifts ويعانون من نقص النوم.ويتفق معظم الباحثون على أن الغفوات يجب أن تكون قصيرة - نصف ساعة مثلا- حتى تكون مؤثرة وفعالة ، أما إذا ما استمرت أكثر من ذلك فان الشخص يدخل فى مرحلة النوم العميق وبالتالى يحتاج إلى مدة أطول لكى يفيق ثانية. ورغم أن النوم فى العمل يترك انطباعا سيئا لدى الرؤساء ، إلا أن بعض الشركات الأمريكية واليابانية لجأت مؤخرا إلى توفير حجرات نوم للموظفين لأخذ غفوة أثناء العمل أملاً فى زيادة إنتاجيتهم فيما بعد .