الجزاء من جنس العمل

إن الله عز وجل قد أودع هذا الكون سننا ثابتة لا تتغير ولا تتبدل

يُنسج على منوالها نظام هذه الحياة

ومن هذه القواعد والسنن العظيمة أن الجزاء من جنس العمل.

فجزاء العامل من جنس عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر

إن العلم بهذه القاعدة هو في المقام الأول دافع للأعمال الصالحة ، ناه عن الظلم

زاجر للظالمين ومواس للمظلومين.

فلو استحضر الظالم الباغي عاقبة ظلمه وأن الله عز وجل سيسقيه من نفس الكأس عاجلا أو آجلا لكف عن ظلمه

وتاب إلى الله وأناب ، ولعل هذا المعنى هو ما أشار إليه سعيد بن جبير رحمه الله حين قال له الحجاج :

[اختر لنفسك أي قتلة تريد أن أقتلك ، فقال : بل اختر أنت لنفسك يا حجاج ؛ فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها

يوم القيامة].

لا تزال وقائع الأيام.. تحكي ما للمعاصي والظلم من آلام.. وما للطاعة والإحسان من ثمراتٍٍِ عظام! ?فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ?.

ومن تتبع نصوص الشريعة وجدها تؤكِّد هذا المعنى تأكيدًا مطلقًا؛ فما من معروف يعمله المؤمن إلا ويجد ثوابه حاصلاً من جنسه في الدنيا ولا بد.. ولذلك لما كان الجزاء من جنس العمل فقد جعل الله جلّ وعلا للمؤمن الحريص على العمل الصالح إحسانًا يليق بإيمانه وأعماله الصالحة في الدنيا والآخرة.. فقال تعالى: ?مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ?.
فها هنا جزاءان:
أحدهما في الدنيا: وهي الحياة السعيدة الطيبة.
والثاني: في الآخرة وهو الجنة.
ولكن هذا الجزاء لا يكون إلا لمؤمن صادق الإيمان في عباداته وإحسانه في تعامله مع الناس.


ان الجزاء من جنس العمل فهذه سنة الله في شرعه وقدره،
ولكن هذا لا يقال إنه مطرد في كل شيء، لكن هذا هو الغالب أن الجزاء يكون من جنس العمل كما قال –تعالى-:" ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون" [النمل:50]،


قال –سبحانه وتعالى-:"وجزاء سيئة سيئة مثلها" [الشورى:40]، وقال –تعالى-:"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" [البقرة:194] وكذلك في الإحسان من عفا عفا الله عنه، ومن أحسن أحسن الله إليه، قال –تعالى-:"هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"


لذلك كان الجزاء مماثلا للعمل من جنسه في الخير والشر فمن ستر مسلما ستره الله
ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة
ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة
من كرب يوم القيامة
ومن أقال نادما أقال الله عثرته يوم القيامة

ومن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن ضار مسلما ضار الله به
ومن شاق شاق الله عليه ومن خذل مسلما في موضع يجب نصرته فيه خذله الله في موضع يجب نصرته فيه

ومن سمح سمح الله له والراحمون يرحمهم الرحمن وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ومن أنفق أنفق عليه ومن أوعى أوعى عليه

ومن عفا عن حقه عفا الله له عن حقه ومن تجاوز تجاوز الله عنه ومن استقصى استقصى الله عليه فهذا شرع الله وقدره ووحيه وثوابه وعقابه كله قائم بهذا الأصل وهو إلحاق النظير بالنظير واعتبار المثل بالمثل .

أن قاعدة الجزاء من جنس العمل لا تستلزم بالضرورة وقوع الجزاء في الدنيا سواء كان ثوابًا أو عقابًا.. كما أن للجزاء موانع تمنعه سواء كان ثوابًا أو عقابًا.
فكثير من الظلمة يؤجِّل الله عقابهم إلى يوم الدين.. وهذا يكون في حقهم من أشد العقاب.. ولذلك فإن عدم جزاء الله لهم في الدنيا هو محض استدراج يمليه الله لهم ليغتروا بأعمالهم.. ويطمئنوا على أحوالهم.. حتى إذا تخبطهم الموت انقلبت أعمالهم حسرات عليهم.. ونالهم أشد العذاب..
كما قال تعالى: ?سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ?.
ولذلك ورد في الحديث القدسي أن الله جلّ وعلا يرد على دعوة المظلوم ويقول: «وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعد حين».