المدرسة النفسية ترجع كل السلوكيات المتطرفة إلى أسباب نفسية خالصة، كثيراً ما تكمن في العقل الباطن أو اللاشعور، وبخاصة مدرسة التحليل النفسي. فعلى سبيل المثال، ذهب بعض أصحاب التحليل النفسي على أنه كالعدوان الذي يظهره الفرد على شكل طاقة انفعالية لابد لها من متنفس، ويتخذ لذلك موضوعاً معيناً تفرغ فيه الشحنة الزائدة، وإذا لم يتمكن العدوان من أن يصل إلى مصدر، فإنه يلتمس مصدراً. ويرى بعض الباحثين من أن التعصب هو اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك فرداً معيناً أو جماعة معينة أو موضوعاً معينا إدراكاً إيجابياً محباً أو سلبياً كارهاً دون أن يكون لذلك ما يبرره من المنطق أو الشواهد التجريبية.
ويرى مصطفى زيور عالم النفس المصري: أن التعصب ظاهرة اجتماعية لها بواعثها النفسية، وهي تنشأ أولا وقبل كل شيء من بواعث نفسية لا علاقة لها في الأصل بالعقيدة الدينية.
أما المدرسة الاجتماعية ترد كل شيء إلى تأثير المجتمع وأوضاعه وتقاليده، وما المرء إلا دمية يحرك خيوطها المجتمع كما يقول "دور كايم"!
في حين أن المدرسة المادية التاريخية: تضع الاعتبارات المادية كأساس لتفسير الظاهرة. فمثلاً ترى أن الدوافع الاقتصادية، هي التي تصنع الأحداث، وتغير التاريخ.
لكن الحقيقة هي أن التعصب يجب أن ينظر له نظرةً شاملة، وهذه النظرة الشاملة ترجع أن الأسباب المؤدية للتعصب والتطرف الفكري والسلوكي في حقيقتها أسباب متشابكة ومتداخلة، وكلها تعمل بأقدار متفاوتة، مؤثرة آثاراً مختلفة، قد يقوى أثرها في شخص.
الظاهرة التي بين أيدينا ظاهرة مركبة، معقدة، وأسبابها كثيرة ومتنوعة، ومتداخلة، فمن هذه الأسباب ما هو ديني، ومنها ما هو سياسي، منها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو اقتصادي، ومنها ما هو نفسي، ومنها ما هو فكري، ومنها ما هو خليط من هذا كله أو بعضه.
إن العوامل التي تؤدي للتطرف والتعصب متداخلة ولكننا نوجزها على سبيل المثال لا الحصر بالتالي:
ضعف البصيرة بحقيقة الدين
يجب التنبيه هنا من أننا لا نقصد بهذا السبب الجهل الكامل بحقيقة الدين، لأن ذلك سيؤدي غالباً للتفريط و التسيب، ولكننا نقصد هنا هو ادعاء العلم وظهور أنصاف المتعلمين، الذي يظن صاحبه به أنه أعلم الخلق، وهو يجهل الكثير والكثير، فهو يهرف بما لا يعرف قال صلى الله عليه وسلم: "لا يقبض الله العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا "وأضلوا" (الحديث في الصحيحين من رواية عبد الله عمرو رضي الله عنهما)
وتذكر كتب السير والحديث من أنه نقل عن الإمام مالك بن أنس، أنه قال بكى ربيعة يوماً بكاء شديداً، فقيل له: مصيبة نزلت بك؟ فقال: لا .. ولكن اُستفتي من لا علم عنده! ). وذكر عن الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله، أنه قال: "آفة الدين في ثلاث جاهل به ومغال فيه وشخص امتزج حبه بقلبه ولكن ضاقت سعة عقله عن تصريفه تصريف الأنبياء له".
إن غياب العلم الشرعي المعتدل قد قاد إلى غياب الوعي الديني والفهم العميق للنصوص الشرعية، وتلقي الفتوى من غير المتخصصين والملتزمين سلوكاً وقولاً أدى إلى الخلط والفوضى في المفاهيم، وبالتالي انعدم الوسط الثقافي الديني السليم في المجتمع، كل ذلك أدى إلى خلق وسط بديل للشباب، يشبعون فيه أهواءهم ونزواتهم.
2-الخلل النفسي والاضطراب في التركيبة الشخصية:
القسم الأول: مفهوم اضطرابات الشخصية
تعرف الشخصية Personalityعلى أنها مجموعة شاملة من السمات الانفعالية Emotional والسلوكية Behavioral التي يوصف بها الفرد ويتميز بها عن غيره، وتظهر من خلال مواقف الحياة المختلفة التي يمر بها ، وهي ثابتة نسبياً وقابلة للتنبؤ، كما أن الشخصية تعد حصيلة تفاعل تلك السمات مع بعضها بعضًا. وعندما تصبح هذه السمات غير مرنة Inflexible، وسيئة التكيف Maladaptive وتسبب عجزاً وظيفياً ظاهرًا فإنها تؤدي إلى وجود اضطرابات في الشخصية(Kaplan et al., 1996, p.731) .
وتشخص اضطرابات الشخصية عندما تتداخل هذه السمات المختلة مع أفعال غير سوية بشكل واضح ، وتعد سمات ضمنية مبالغ فيها مشوهة ومرضية ، وبهذا فإن كل اضطراب في الشخصية يكون مسبوقًا بمجموعة من السمات المَرَضية التي تظهر على الفرد من خلال تفاعله مع ذاته والبيئة المحيطة (Paris, 1994, p.11).
وتعتبر اضطرابات الشخصية نموذجاً من السلوك الشامل والثابت نسبيا، والذي يظهر في مرحله المراهقة ويستمر في الرشد، ويسبب خللا واضحا في الجوانب المعرفية والوجدانية والانفعالية والتفاعلية، ويؤثر على حياة الفرد من الناحية الوظيفية والاجتماعية والمهنية ويبقى مع الفرد طوال الوقت. وعلى الرغم من أن معظم اضطرابات الشخصية تنخفض شدتها خلال مراحل العمر المتقدمة، وفقا للتغيرات البيولوجية والتوافق التدريجي مع الضغوط البيئية، إلا أنها تعتبر من أصعب الاضطرابات النفسية علاجاً (Kazdin, 2000, p.120).
وقد يستدل على اضطرابات الشخصية خلال فترة الطفولة، كما يمكن ملاحظتها قبل عمر الثامنة عشر، إلا أن هذه الاضطرابات لا تشخص عادة إلا عند بلوغ الفرد مرحلة الرشد المبكر باعتبارها سمة من سمات الشخصية.
تم تصنيف اضطرابات الشخصية ضمن المحور الثاني axis-11 في الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للأمراض العقلية، حيث تم تقسيمها إلى ثلاث مجموعات رئيسية ، تتضمن كل مجموعة عدداً من الاضطرابات التي تتشابه في الطابع العام.
فالمجموعة الأولى وصفت بالسلوكيات الشاذة Odd، وتتضمن ما يلي:
1-اضطراب الشخصية البارانويدية (PPD) Paranoid personality disorder
2-اضطراب الشخصية شبه الفصامية Schizoid personality disorder(SPD)
3-اضطراب الشخصية ذات النمط الفصامي (STPD)Schizotypal personality disorder
المجموعة الثانية التي توصف بالسلوك الدراماتيكي المسرحي Dramatic أو العاطفي الانفعالي فإنها تتضمن ما يلي:
1-اضطراب الشخصية المناهضة للمجتمع Antisocial personality disorder(APD)
2-اضطراب الشخصية الحدية Borderline personality disorder(BPD)
3-اضطراب الشخصية الهستيرية Histrionic personality disorder(HPD)
4-اضطراب الشخصية النرجسية Narcissistic personality disorder (NPD)

المجموعة الثالثة تتضمن ثلاث فئات توصف بالقلق والخوف ، وهي:
1-اضطراب الشخصية التجنبية Avoidant personality disorder(APD)
2-اضطراب الشخصية الاعتمادية Dependent personality disorder(DPD)
3-اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية Obsessive compulsive personality disorder(OCPD
)