التعريف بالإرث، وبيان أركانه، وشروطه، وأسبابه،
وموانعه، وأنواعه، ومن يرث بكل منها.

التعريف بالإرث.
الإرث، ويسمى الميراث والوراثة والتراث. وهو لغة: انتقال قنية ([1]) من شخص لآخر، من غير عقد ولا ما يجري مجرى العقد ([2]).

واصطلاحاً: ما ينتقل جبراً بالموت إلى الوارث من تركة مورثه، بحدود شرعية([3]). شرح التعريف:
(ما ينتقل جبراً بالموت إلى الوارث من تركة مورثه) أي يثبت ملك الوارث بلا اختيار منه لما ورثه من مورثه من حين موته. فأخرج ما يتعلق بالتركة من سائر الحقوق غير الإرث، وما ينتقل إلى الوارث من تركة مورثه باختياره كدين له على مورثه، أو كان باختياره ورضا الورثة، فوصية له من مورثه.

(بحدود شرعية) هي تحقيق شروط الإرث، وأحد أسبابه، وانتفاء موانعه وإيفاء التركة للإرث وسائر الحقوق المتعلقة بها.

أركان الإرث:
للإرث ثلاثة أركان، هي:

الركن الأول:مورث، وهو المتوفى، فلو طلب أولاد إرثهم من والدهم في حياته، لم يجابوا إلى ذلك، لعدم وجود المورث، فإن وافق والدهم على ذلك، لم يكن ما أعطاهم إرثاً، وإنما هدية.

الركن الثاني:وارث، وهو من يعقب المورث بعد موته ويرثه، كابن الميت وزوج الميت.

الركن الثالث: موروث، وهو ما يرثه الورثة من تركة مورثهم. فإن لم تكن للميت تركة، أو لم تف تركته بحق الورثة، لم يحصل الإرث ([4]).

شروط الإرث.
للإرث ثلاثة شروط، أحدها متعلق بالمورث، وثانيها بالوارث، وثالثها بقاسم التركة، وهذه الشروط هي:

الشرط الأول: ثبوت موت المورث حقيقة أو حكماً.

يثبت موت المورث حقيقة، إما برؤيته ميتاً، وإما باستفاضة خبر موته بين الناس.

ويثبت موته حكماً، بحكم القاضي بالموت على المفقود، فإن موته احتمالي، لاحتمال كونه حياً وكونه ميتاً، لكن بحكم القاضي، اعتبر ميتاً وورثت تركته([5]).
ودليل هذا الشرط قول الله تعالى: }إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ{ [النساء:176] فقد علق الإرث على الهلاك([6]).

الشرط الثاني: ثبوت حياة الوارث بعد موت مورثه ولو لحظة، حقيقة أو حكماً.

وتثبت حياة الوارث بعد موت مورثه حقيقة، إما برؤيته حياً وإما باستفاضة حياته بين الناس.

وتثبت حياته حكماً، في الحمل إذا مات مورثه، فإن الحمل يعتبر حيا حكماً، لاحتمال ولادته حياً أو ميتاً ([7]).

ودليل هذا الشرط قول الله تعالى: }يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ...{الآية [النساء:11]. فقد ذكر استحقاق الإرث باللام الدالة على التمليك، وهي للحي لا للميت([8]).

الشرط الثالث: العلم بالمقتضى للإرث. أي يشترط في قاسم التركة أن يعلم بسبب إرث الوارث وجهته، وانتفاء الموانع عنه ([9]).

ودليله ما جاء من نصوص الشرع في وجوب القضاء والإفتاء عن علم([10]).
أسباب الإرث والوارثون بها.
المتوفى يحيط به غالباً أقارب وأصهار وجيران وأصحاب. ورب صديق أوفى من قريب، لكن اقتضى حكم الله تعالى أن يخص الإرث بمن له بالميت سبب خاص من قرابة وزواج وعتق.

ولم ينظر الإسلام في التوارث إلى الصداقة ولا الجواز ونحوهما، لضعف العلاقة بها إذا ما قورنت بالعلاقة التي في أسباب الإرث، وأسباب الإرث من حيث أثرها في التوارث، قسمان:

القسم الأول: أسباب الإرث المتفق عليها. للإرث ثلاثة أسباب متفق عليها وهي: النسب، والنكاح، والولاء ([1]). فمن وجد فيه سبب منها، وانتفت عنه موانع الإرث ([2]), وذلك بعد تحقق شروط الإرث، فهو الوارث. وتفصيل هذه الأسباب، وبيان من يرث بها، هو:

السبب الأول: النسبالنسب في اللغة: مطلق القرابة ([3]).

واصطلاحاً:قرابة للميت مخصوصة من أصوله وفروعه وحواشيه. ودليل هذا السبب قول الله تعالى: }لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا{[النساء[ فإنها خصت الإرث بقرابة الميت، هذه القرابة بينتها نصوص أخرى، وتسمى الوراثة بها وراثة بالنسب.

الوارثون بالنسب.
قرابة الميت ثلاث طبقات، هي:

الطبقة الأولى: الأصولالأصل من النسب: من تسبب في إيجاد الميت مباشرة أو بواسطة. فبالمباشرة: أبو الميت، وأم الميت، وبالواسطة: أجداد الميت وجداته، وإن علوا. ويرث بسبب النسب من هؤلاء بعضهم، وهم:

الأصول الوارثون بالنسب.
يرث بالنسب من أصول الميت ستة، هم: 1- الأب. 2- الجد أبو الأب وآباؤه بمحض ([4]) الذكور. ويطلق على الجميع: الأصل الوارث الذكر. 3- الأم. 4- الجدات، أم الأم وأمهاتها بمحض الإناث. مثل: (أم أم أم). 5- الجدات، أم الأب وأمهاتها بمحض الإناث. نحو: (أم أب، أم أم أب). 6- الجدات، أمهات آباء الأب بمحض الإناث، نحو: (أم أب أب) و (أم أم أب أب) وبين الفقهاء خلاف في توريث أمهات آباء الآباء وإن علون. ويأتي في إرث الجدات. ويطلق عليهن جميعاً: الأصل الوارث الأنثى. ومعنى محض الإناث أي لا يتخللهن ذكر (أب)، ومحض الذكور أي لا تخللهم أنثى (أم). فخرج الجد أبو الأم، وكل جد أو جدة وإن علا في سلسلته غلى الميت (أب أم) فلا يرث بالنسب إجماعاً، وإنما بالرحم ([5]) مثل (أم أم أب أم) فلا ترث هذه بالنسب، لأن في واسطتها (أب أم) وهو ممن لا يرث بالنسب، فلا يرث من أدلى به أيضا بالنسب.

الطبقة الثانية: الفروع:
الفرع من النسب: من تسبب الميت في إيجاده مباشرة أو بواسطة. فبالمباشرة: ابن الميت، وبنت الميت. وبالواسطة: أولادهما وإن نزلوا. ويرث بسبب النسب من هؤلاء بعضهم، وهم:
الفروع الوارثون بالنسب.
يرث بالنسب من فروع الميت أربعة، هم: 1- الابن. 2- ابن الابن وإن نزل بمحض الذكور - أي لا تتخللهم (بنت) - مثل: (ابن ابن) و (ابن ابن ابن ابن). ويطلق على هؤلاء: فرع وارث ذكر. 3- البنت. 4- بنت الابن وإن نزل أبوها بمحض الذكور، مثل: (بنت ابن) (بنت ابن ابن). ويطلق عليهن: فرع وارث أنثى. فخرج أولاد البنات، وأولاد بنات الأبناء، فلا يرثون بالنسب وغنما بالرحم([6]).

الطبقة الثالثة: الحواشي.
الحواشي: قرابة الميت من غير أصوله وفروعه. وهم إخوة الميت وأخواته وأولادهم، وأعمامه وأخواله وأولادهم، ويرث بسبب النسب من هؤلاء بعضهم، وهم:

الحواشي الوارثون بالنسب.
يرث بالنسب من حواشي الميت، أربع جهات، هي:

الجهة الأولى:الأخوة - أخوة الميت - ويرث بها ستة، هم: 1- الأخ ش. 2- الأخت ش. وهما: إخوة الميت من جهة أبيه وأمه. 3- الأخ لأب. 4- الأخت لأب. وهما: إخوة الميت من جهة أبيه. 5- الأخ لأم. 6- الأخت لأم. وهما: إخوة الميت من جهة أمه ويطلق عليهم أيضا أولاد الأم.

الجهة الثانية: بنو الأخوة أبناء إخوة الميت - ويرث بها أربعة هم: 1- ابن الأخ الشقيق. وهو ابن أخي الميت من جهة أبيه وأمه. 2- ابن الأخ لأب. وهو ابن أخي الميت من جهة أبيه. 3- ابن ابن الأخ ش وإن نزل أبوه بمحض الذكور. 4- ابن ابن الأخ لأب وإن نزل أبوه بمحض الذكور ([1]). فخرج من جهة بني الإخوة، بنات الإخوة جميعاً، وأبناء الإخوة لأم، وأولاد جميع الأخوات. فلا يرثون بالنسب وإنما بالرحم.

الجهة الثالثة: العمومة - أعمام الميت - ويرث بها أربعة، وهم: 1- العم الشقيق: وهو: أخو أبي الميت من جهة أبيه وأمه. 2- العم لأب. وهو: أخو أبي الميت من جهة أبيه. 3- عم الأب ش. وهو: العم الشقيق لأبي الميت، فيرث وإن علا بمحض الذكور، نحو: عم أب أب ش. 4- عم الأب لأب، وهو: العم لأب لأبي الميت، فيرث وإن علا بمحض الذكور، نحو: عم أب أب لأب. فخرج العم لأم، وهو أخو أبي الميت من جهة أمه، وعمات الميت من جميع الجهات، فلا يرثون بالنسب وإنما بالرحم.

الجهة الرابعة: أبناء العمومة - أبناء عم الميت - ويرث بها أربعة، هم: 1- ابن العم الشقيق وهو: ابن أخي أبي الميت من جهة أبيه وأمه. 2- ابن العم لأب وهو: ابن أخي أبي الميت من جهة أبيه. 3- ابن ابن العم الشقيق وإن نزل أبوه بمحض الذكور. 4- ابن ابن العم لأب وإن نزل أبوه ([2]) بمحض الذكور. فخرج أبناء العم لأم وأولادهم، وبنات الأعمام وأولادهن من جميع الجهات، والعمات وأولادهن من جميع الجهات، فلا يرثون بالنسب وإنما بالرحم.

السبب الثاني: النكاح.

النكاح لغة الضم والتداخل ([3]).

واصطلاحاً: عقد الزوجية الصحيح، ما لم يُحل بطلاق بائن، أو لعان ([4]).

شرح التعريف.
(عقد الزوجية) أي يحصل التوارث بين الزوجين بمجرد عقد النكاح وإن لم تحصل بعده خلوة ولا وطء. فلو عقد رجل على امرأة، وقبل دخوله بها مات أحدهما، ثبت التوارث بينهما.

(الصحيح) عقد النكاح الصحيح: ما توفرت أركانه وشروطه. وهذا قيد أخرج النكاح بعقد غير صحيح، فلا توارث به، كمن عقد بامرأة فمات أحدهما، ثم تبين أنها أخته من الرضاع، أو كان عقده بها، عقد متعة.

(ما لم يحل بطلاق بائن، أو لعان) أي يثبت التوارث بين الزوجين ما لم يحل عقد نكاحها بلعان أو طلاق بائن، فلا توارث بينهما حينئذ. والطلاق البائن قسمان:

القسم الأول: بينونة صغرى، وهي: من يصح بعدها للمطلق أن يعقد على مطلقته دون أن تنكح زوجاً غيره. ومما تحصل به هذه البينونة: انتهاء العدة في الطلاق الرجعي، وتطليق غير المدخول بها.

والطلاق الرجعي، هو: ما كان بطلقة أو طلقتين ولم تنته العدة. وهو لا يحل عقد الزوجية، فلو مات أحد الزوجين أثناءه، ورثه الآخر، وللزوج فيه مراجعة مطلقته بلا رضاها وبلا مهر ولا عقد([5]).

القسم الثاني: بينونة كبرى. وهي: من لا يصح بعدها للمطلق أن يعقد على مطلقته إلا بعد نكاحها زوجا غيره. وتكون بثلاث تطليقات مبينات. ولا توارث فيه بين الزوجين لا في العدة ولا بعدها بالإجماع ([6]). إلا أن يكون الطلاق في مرض الموت المخوف للزوج المتهم في طلاقه هذا بحرمان مطلقته من الإرث، فللفقهاء في توريثها منه أربعة أقوال ([7]).

القول الأول: ترثه إن مات في عدة طلاقها. وإليه ذهب الحنفية([8]). القول الثاني: ترثه مطلقاً، مات في العدة أو بعدها وإن تزوجت بغيره، وإليه ذهب المالكية ([9]). القول الثالث: لا ترثه مطلقاً لا في العدة ولا بعدها. وإليه ذهب الشافعية ([10]). القول الرابع:ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج. وإليه ذهب الحنابلة ([11]). الوارثون بسبب النكاح. يرث بسبب النكاح اثنان هما: الزوجان، فمن سبق موته منهما ورثه الآخر. والأصل في هذا السبب قول الله تعالى: }وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ ...{الآية [النساء:12] فإنها ذكرت ميراث كل من الزوجين للآخر.

السبب الثالث: الولاء.
الولاء لغة: النصرة، والصداقة، والقرابة ([1]). واصطلاحاً:عصوبة سببها نعمة المعتق على عتيقه بالعتق ([2]). ومعناه: أن المعتق يرث عتيقه إرثاً بالتعصيب، وذلك بسبب إنعامه عليه بالعتق، ما لم يمنع المعتق من الإرث مانع ([3]). والأصل فيه حديث بريرة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الولاء لمن أعتق»([4]).

وهذا مما يدل على رغبة الإسلام في العتق، فقد أمر الشارع الحكيم بعتق العبيد، وحث عليه، وجعله أول غالب الكفارات، ولم يجعل الاسترقاق مقصدا، بل جعله الوسيلة الأخيرة للدخول في الإسلام، فلا يقاتل المسلمون الكفار غلا بعد تخييرهم بين ثلاثة أمور: أولها: الأمر بالدخول في الإسلام، وثانيها: دفع الجزية مع البقاء على الكفر، وثالثها: القتال، وهو الذي يؤول بالكفار أن يصيروا عبيداً إذا انتصر المسلمون عليهم.

ولم يكن الرق من خصائص الإسلام، فإنه معروف عند غير المسلمين قبل الإسلام وبعده، وإنما الإسلام اقره مع ترغيبه في عدمه، وأكد الإحسان إلى العبيد. وهذا كله يرد ويبطل دعوى أن الإسلام يرغب في الرق ويدعو إليه.

الوارثون بالولاء.
يرث بالولاء اثنان: 1- المعتق (ذكراً كان أو أنثى). 2- عصبتهما بالنفس، وهم ضربان:

الضرب الأول: الذكور الوارثون بالنسب عدا الأخ لأم وهم: أبو المعتق وآباؤه بمحض الذكور، وابن المعتق وأبناؤه بمحض الذكور، وإخوة المعتق الأشقاء ولأب وأبناؤهم، وأعمام المعتق الأشقاء ولأب وأبناؤهم.

الضرب الثاني: معتق المعتق وعصبته بالنفس. وهكذا كما في الضرب الأول.

القسم الثاني: أسباب الإرث المختلف فيها ([5]).
اختلف الفقهاء في أربعة أسباب للإرث، هي: جهة الإسلام، والإسلام على يد، والالتقاط، والموالاة والمعاقدة. وتفصيل الكلام عليها هو:

السبب الأول: جهة الإسلام - بيت مال المسلمين-
هو أن يرث المسلمون عن طريق بين المال من يموت من المسلمين ممن ليس له وارث بنسب ولا ولاء.

فسبب هذا الإرث هو الإسلام، لأنه الذي جمع بين الميت وسائر المسلمين. وهذا السبب متفق عليه عند عدم الوارث بالنسب، والولاء، وبالرحم وسائر الأسباب المختلف فيها ([6]).
أما إذا وجد وارث للميت بالنسب، وورثة بالفرض وبقي بعد الفرض باق، أو وجد للميت وارث بالرحم، فللفقهاء في التوريث بجهة الإسلام دون هذين الوارثين ثلاثة أقوال:

القول الأول: عدم التوريث بجهة الإسلام، فإن وجد للميت وارث بالنسب، رد عليه ما بقي بعد الفرض، وإن لم يوجد، ورث ذو الرحم جميع المال. وإليه ذهب الحنفية ([7])، والحنابلة ([8]).

القول الثاني: الوريث لذلك بجهة الإسلام مطلقاً. وإليه ذهب المالكية ([9]).

القول الثالث: التوريث لذلك بجهة الإسلام إن انتظم بيت المال، و إلا فالباقي بعد الفرض يرد للوارث بالنسب، فإن عدم، فيرث المال ذو الرحم. وإليه ذهب الشافعية ([10]).

السبب الثاني: الإسلام على اليد.
إذا أسلم كافر على يد مسلم وليس لهذا الذي أسلم وارث بنسب ولا ولاء ولا رحم، فهل يرثه هذا المسلم المتسبب في إسلامه أو بيت المال؟. اختلف الفقهاء فيه علي قولين:

القول الأول: يرثه بيت المال. وإليه ذهب الحنفية ([11])، والمالكية ([12])، والشافعية ([13])، والحنابلة ([14]).
القول الثاني: يرثه من أسلم على يده - بشروط خاصة - وإليه ذهب الحنابلة في رواية وهو قول لبعض التابعين ([15]).