شعارات المساواة بين الرجل والمرأة

من أشد ما تبتلى به أمة ألا تتعظ بأخطاء غيرها من الأمم, ولذا حفل القرآن الكريم بقصص الأمم السابقة، فأحد أسباب ارتقاء العنصر البشري مقارنة بغيره من المخلوقات تراكم الخبرات بين الأجيال وانتقالها بين الأمم، لكن كثيرًا ما يتخلى الإنسان عن هذه الميزة من تلقاء نفسه فيكرر أخطاء غيره ويطيل فترة تطوره وتقدمه. ومن الأخطاء التي ما زالت تعاني منها المجتمعات العربية والمسلمة استيراد أنماطا اجتماعية غربية ذات قضايا واهتمامات مختلفة تمامًا عن واقعنا وحاجاتنا. لقد عشنا قرونا عديدة لا نجادل في مسَلَّمة جاءت في كتاب ربنا تقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى}, فلم يكن رجالنا يرون في ذلك مزية لهم ولم تكن نساؤنا يرين فيها إقلالاً من شأنهن أو حطًا من قدرهن بل هي توصيف لواقع وفطرة نراها شاخصة ليس فقط بين بني البشر بل بين كل ذكر وكل أنثى من مخلوقات الله حولنا.
لكن هذا الواقع تغير لا بسبب اكتشاف جديد وضعنا أيدينا عليه أو مشكلة نجمت عن هذه المسلمة بل لأن الغرب سعى لأن يكون عكس ذلك, فجاءت استجاباتنا سريعة ومضحكة: فالمرأة في الغرب تقود الطائرة إذن لا بد أن تفعل ذلك عندنا وتحتفل إحدى البلدان المسلمة بتخريج أول طيارة مقاتلة، ليس مهمًا إن كان هذا البلد لم يخض حربًا ولا يتوقع له أن يفعل ذلك. وإذا كان بين قضاة الغرب نساء فلا بد أن يكون عندنا كذلك .المضحك الآن ـ وشر البلية ما يضحك ـ أن بعض البلدان العربية غالى في الأمر وأصبحت قضية المساواة بين الرجل والمرأة عندهم قضية مصيرية يتربى عليها الأطفال..
المثير أن هذا الأمر أصبح في الغرب نفسه 'موضة قديمة' وغدا عقلاؤهم يتندرون على جهالات وسخافات الخطاب النسوي عندهم في الستينات الذي كان مهووسًا بمسألة المساواة، فبدأنا نسمع عن دعوات لعودة المرأة إلى البيت، وفصل الأولاد عن البنات في المدارس وغيرها من الأمور الفطرية التي ضربوا بها عرض الحائط ثم عادوا إليها بعد أن دفعوا الثمن غاليًا، فهل ينبغي أن ندفع الثمن نفسه قبل أن نعود؟! شهدت الستينات الميلادية في الغرب نموًا ـ بل فورانًا ـ ملحوظًا لحركات الليبرالية والفوضوية والماركسية التي وصلت أفكارها على حد التناقض فيما يتعلق بالطروحات السياسية والاقتصادية, لكن القاسم المشترك بينها كان ما يسمى بالمساواة بين المرأة والرجل حيث ظهرت الحركة النسوية 'فيمنزم' التي راحت تدفع بالمرأة في كل المجالات معتبرة ذلك إنجازًا وتقدمًا يصب في كفة المرأة.
وأن الأسرة كرست نظام الظلم على المرأة لأنها لا تملك حرية نفسها في اختيار من تريد لنفسها, فقد ظلمها الرجل ـ على حد تعبير الفلسفة الماركسية ـ بفرض رجل واحد في حياتها وهو الزوج بغرض معرفة نسب الولد، إذًا فلا بد من الثورة على الأسرة كنمط اجتماعي كرس لظلم المرأة ووأد دورها الاجتماعي والطبيعي لتخرج إلى نطاق الشواذ باسم الحرية والمساواة وضرورة إزالة الملكية الخاصة حتى لا يتحكم الرجل في المرأة بماله. وأنه لا بد من إعادة صياغة وتحدي العلاقات بتغيير كلمة [زوج] إلى كلمة [شريك]، ولهذا ركزت الحركة النسوية في حديثها عن تلك الحقبة على موضوع المساواة ونسب الأولاد والوراثة كحقوق اغتصبها الرجل من المرأة واستقوى بها عليها.
ولكن بدأت النساء يدركن حقيقة التكاليف الاجتماعية الباهظة لعملهن خارج منازلهن، ومزاحمة الرجل في العمل في ظل ارتفاع معدلات البطالة مما قد يؤدي لنتائج سلبية، وأصبح هناك إدراك أكبر لحقيقة دور كل طرف في المجتمع كما خلقه الله ووهب له من قدرات جسمانية وعقلية بما يترتب عليه من اختلاف الأدوار بين الرجل والمرأة، ولكن البعض عندنا لا يزال يتخذ من نساء الغرب مرشدات اجتماعيات ومثلاً، ولا ينظر في تاريخه ليتخذ منه له ومثلاً وقدوة!
والذين يصرون على مساواة المرأة بالرجل يقولون: إن الفروق بينهما إنما هي نتيجة البيئة المحيطة بهما والعادات التي تنشأ وسطها والتربية التي تلقياها في الصغر ويرد عليهم الأستاذ محمد رشيد العويد بقوله: الدراسة والبحث والعلم جميعها تقول غير ذلك, فقد ثبت أن الفروق بين الجنسين فروق عضوية موروثة وليست مكتسبة, ومن ثم فإن محاولة المساواة بينهما محاولة فاشلة لأنها مناقضة لطبيعة كل منهما.
لقد قام فريق من الباحثين بتشكيل معسكر ضم عددًا من الأطفال من الجنسين أشرف على تربيتهم مربون يتبدلون كل فترة زمنية معينة وقد حذقت كملة رجل وامرأة في المعسكر وتم تجنب كل إشارة أو عمل أو سلوك فيه تفريق بين الجنسين من الأطفال الذين ترعرعوا أحرارًا من كل قيد أو صفة يطلقها عليهم المجتمع حتى إنهم تركوهم يمارسون جميع الأعمال دون الأخذ بنوع العمل إذا كان يخص الرجل أم المرأة .. وحين كبر سكان المعسكر وخرجوا يمارسون الحياة العامة آثرت المرأة القيام بدور الأم وربة البيت وآثر الرجل التكفل بتأمين دخل الأسرة المادي ومارس الحياة بشكل عادي جدًا دون تأثير محسوس لذلك المعسكر وما بذل فيه من جهود لمحو الفروق بين الرجل والمرأة, وثبت بذلك أن نمط الحياة التي يختارها كل من الجنسين لنفسه تخضع لتحكم طبيعته الجينية وتكوينه العضوي.