السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
توحيد الله حق علي العباد


أن أول ما فرض الله على العبا د تعلمه والعمل به قبل الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الفرائض هو التوحيد قال تعالى: {فاعلم أنه لا اله إلا الله}(محمد: 19).
وأنه سبحانه لم يخلقهم أصلا إلا لتحقيق هذا الأمر العظيم. قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(الذاريات : 56). أي :ليوحدون؛ (يعبدونني وحدي) وهو معنى (لا إله إلا الله) فهي تعني أن لا معبود بحق إلا الله.
وأن ذلك هو الغاية التي بعث من أجلها الرسل أجمعين قال تعال: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} فقوله تعالى:{ أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} هو معنى (لا إله إلا الله )، لأنها تشتمل على النفي والإثبات. فالنفي هو (لا إله) والإثبات وهو: (إلا الله). و(لا إله): تتضمن اجتناب كل ما يعبد من دون الله. وهو الطاغوت إن -كان راض بالعبادة (1) ، و( إلا الله): تتضمن إثبات العبادة لله وحده. ولابد لتحقيق هذه الكلمة العظيمة من الجمع بين النفي والإثبات. فالنفي وحده كفر وتعطيل والإثبات وحده دون النفي لا يكفي لأنه قد يتضمن الإيمان بمعبودات أخرى مع الله، حتى يجمع العبد بين النفي والإثبات، فيعبد الله وحده ويتبرأ وبكفر بكل معبود سواه فعند ذلك فقط يحقق التوحيد الذي جاءت به الرسل أجمعين.
قال تعالى: {ينزل الملائكة من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا اله إلا أنا فاتقون}(النحل: 2).
وقال سبحانه: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}(الأنبياء:25).
وفي السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله) (رواه البخاري).
ومن أجل هذه الغاية العظمى كان النـزاع بين الرسل وأقوامهم وفيها كانت الخصومة والولاء والبراء والحب والبغض والموالاة والمعاداة، ومن أجله قتل كثير من الأنبياء وأوذوا، وله عذب الصحابة وأوذوا في مكة قبل فرض الصلاة والزكاة والحج وسائر الفرائض قال تعالى: {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب}(ص: 4-5).
فقوله تعالى عن المشركين في استنكارهم أعظم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم {أجعل الآلهة إلهاً واحداً} هو معنى: {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} وهو معنى: (لا اله إلا الله).
وهذه هي العروة الوثقى التي ضمن الله لعباده إن هم استمسكوا فيها أن لا تنفصم، فلا تتم النجاة إلا بالاعتصام بها، قال تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها}(البقرة: 256).
فقوله تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت}هو النفي الذي تضمنته ( لا إله ).
وقوله سبحانه: {ويؤمن بالله } هو الإثبات الذي تضمنته ( إلا الله).
فالعروة الوثقى التي لا ينجو المرء إلا بالاعتصام بها هي (لا إله إلا الله).
وذلك أن عرى الإيمان كثيرة والناس تتشبث بها أو ببعضها، فمن متشبث بعروة الصلاة وحدها ومن متشبث بعروة الصدقة وأعمال البر وحدها لكن ذلك كله لا يكفي للنجاة دون العروة الوثقى، فلا نجاة أبدأ إلا أن تكون هذه العروة العظيمة (لا إله إلا الله) متحققة قبل جميع عرى الإيمان الأخرى إذ بدونها لا تقبل تلك العرى. ولذلك فإن فرعون عندما عاين الهلاك وأدركه الغرق لم يتشبث أو يلذ إلا بها.. لكن كان ذلك بعد فوات الأوان. قال تعالى: {حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين} (يونس: 90).
ولعظم شأن التوحيد فقد صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن السماوات والأرض لو وضعت في كفة الميزان ووضعت (لا إله إلا الله) في الكفة الأخرى لرجحت بهن لا إله إلا الله.
ولذلك فليس هناك أعظم في دفع الشدائد من التوحيد، ألا ترى أن دعاء الكرب: (الله ،الله ربي ولا أشرك به أحدا) ولذلك كان الأنبياء وهم أعلم الناس وأفقههم كانوا يلوذون في الشدائد بالتوحيد ويتوسلون إلى الله به، لعلمهم أنه ليس هناك أعظم قدراً عند الله منه، قال تعالى عن نبيه يونس: {فنادى في الظلمات (2) أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين}(الأنبياء: 87-88).
إذا فهمت ما سبق من أهمية التوحيد (لا إله إلا الله) وعظم خطره وقدره وأن معناه توحيد الله بالعبادة، أي: أن لا معبود بحق إلا الله.
فيجب عليك أن تتعلم معنى العبادة لتتمكن من توحيدها كاملة لله وتتجنب عبادة ما سواه سبحانه بأي نوع من أنواع العبادة، وبالتالي تحقق التوحيد كاملا.
وكذلك يجب عليك أن تفهم معنى الشرك الذي هو ضد التوحيد لتتجنبه.
واعلم قبل ذلك أن (لا إله إلا الله) لها شروط لا تصح إلا بها وهي:
الأول : العلم بمعناها نفيا وإثباتا، قال تعالى: {فاعلم أنه لا اله إلا الله}.
الثاني: اليقين المنافي للشك، قال صلى الله عليه وسلم: (.. أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا اله إلا الله (3) خالصا من قلبه أو نفسه). (رواه البخاري).
الثالث: الصدق المنافي للكذب، فهي لا تقبل ممن تلفظ بها كاذبا كالمنافقين. قال تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}.
الرابع: الإخلاص المنافي للشرك قال تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة} وسيأتي بيان الشرك.
الخامس: المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه.
السادس: الانقياد لحقوقها. قال وهب بن منبه: (لا إله إلا الله مفتاح الجنة ولكل مفتاح أسنان فمن جاء بمفتاح له أسنان فتح له، ومن جاء بمفتاح ليس له أسنان لم يفتح له) والأسنان هي حقوق لا إله إلا الله من أركان الإسلام وفرائضه وعرى الإيمان ولوازمه.
السابع: اجتناب نواقضها وهي كثيرة أخطرها الشرك بالله وسيأتي بيان بعض نواقضها.
واعلم أن هنا التوحيد يسميه أهل العلم (توحيد الألوهية) أو (توحيد العبادة) وهناك قسمان آخران يذكرهما العلماء هما:
1 - توحيد الربوبية: وهو اعتقاد أن الله هو الخالق الرازق المدبر، وهذا لا يكفي وحده للنجاة فقد كان كفار قريش يؤمنون به ومع هذا لما يصيروا به مسلمين ولا حقنت دماءهم أو عصمت أموالهم حتى حققوا التوحيد وتبرؤوا من آلهتهم الباطلة قال تعالى عنهم: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله}
2 - توحيد الأسماء والصفات: وهو أن تصف الله بما وصف به نفسه من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تكييف أو تعطيل، وأن لا نصف أحدا غيره بشيء من صفاته.
الشرك: اعلم أن أعظم ذنب عصي الله به هو الشرك قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أعظم الذنوب فقال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك ) وهو محبط لكل الأعمال قال تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك}، والشرك نوعان: أكبر وأصغر.
أما الشرك الأصغر: فهو كيسير الرياء والحلف بغير الله تعالى كمن يحلف بالنبي أو بالكعبة أو الشرف أو نحوه فهذا شرك أصغر إلا أن يعتقد أن الذي يحلف به أعظم من الله فيكون شركا أكبر. ويظهر ذلك من استهانتهم بالحلف بالله ومهابتهم وخوفهم إذا حلفوا بمحبوباتهم الأخرى.
أما الشرك الأكبر: فهو أن يتخذ مع الله معبوداً آخر يشركه معه في نوع من أنواع العبادة فيسجد له أو يصلي أو يدعوه أو يرجوه أو يخافه كما يرجو ويخاف الله أو يحبه كحب الله أو يستغيث به في دفع الضر وجلب النفع فيما لا يقدر عليه إلا الله أو يتابعه ويطيعه في التشريع والتحليل والتحريم فكل ذلك شرك بالله العظيم، ومن هنا تعرف أن الشرك نقيض التوحيد، فقد يكون في (الألوهية) وقد يكون في باب الأسماء والصفات: بأن يصف الله ببعض صفات خلقه فيقول يد الله كأيدي الخلق والله يقول واصفا نفسه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، أو يصف غير الله ببعض صفاته سبحانه أو يشتق له اسما من أسماء الله كما كان المشركون يسمون العزى من العزيز.
وترك الصلاة من ا لأمور التي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها توقع بالشرك فقال: (إن بين الرجل وبين الشرك، والكفر ترك الصلاة). (رواه مسلم في كتاب الإيمان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم).
أسأل الله تعالى أن يعيذنا وإياك من الشرك فقد قال تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة}.
أبو محمد عاصم المقدسي
(1) - وهذا القيد مهم لأنه يخرج من مسمى الطاغوت من عبد وهو غير راض بعبادة المشركين له كالملائكة وعزير والمسيح وغيرهم من الأنبياء والأولياء والصالحين فلا يسمون طواغيت ولا يتبرأ منهم لكن يتبرأ من عبادتهم ومن اعتقاد ألوهيتهم. (2) ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت.
(3) أي نطق بالشهادتين معتقدا صحتهما متبعا أوامر الله تعالى مجتنبا نواهيه عاملا بشرعه مستقيما.
فائدة:
ذهب طوائف من أساطين أهل العلم إلى أن مثل هذه الإطلاقات التي وردت فيمن قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، أو حرم الله عليه النار، ونحو ذلك إنما كان في ابتداء الإسلام، حين كانت الدعوة إلى مجرد الإقرار بالتوحيد، فلما فرضت الفرائض، وحدت الحدود نسخ ذلك، والدلائل على هذا كثيرة متظاهرة، وإلى هذا القول ذهب الضحاك، والزهري، وسفيان الثوري وغيرهم.
وقال طائفة أخرى: لا احتياج إلى ادعاء النسخ في ذلك، فإن كل ما هو من أركان الدين، وفرائض الإسلام هو من لوازم الإقرار بالشهادتين، وتتماته. فإذا أقر ثم امتنع عن شيء من الفرائض جحدا، أو تهاونا على تفصيل الخلاف فيه حكمنا عليه بالكفر، وعدم دخول الجنة، وهذا القول أيضا قريب.
وقالت طائفة أخرى: التلفظ بكلمة التوحيد سبب يقتضي دخول الجنة والنجاة من النار، بشرط أن يأتي بالفرائض، ولم يجتنب الكبائر، فإن لم يأت بالفرائض، ولم يجتنب الكبائر يمنعه المتلفظ بكلمة التوحيد من دخول النار، وهنا قريب مما قبله، أو هو هو والله سبحانه وتعالى أعلم.