تاريخ الصراع السري بين أشهر 4 «حيتان» في عالم الإنترنت: «جوجل» الأولى






منذ نهاية القرن السابق والتكنولوجيا أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة مليارات البشر، ورسمت حدودًا جديدة لما بوسعهم أن يفعلوه، وما يسع أكفّهم أن تلمسه، ووهبت براحًا جديدًا لحُرية المعرفة والتواصل مع زُملاء الإنسانيّة، لتضُم الشبكة العنكبوتيّة بين جنباتها الواهِنة العالم في خِفة وتختزله إلى نقاطٍ افتراضية سهلة المنال.


غير أن خلف هذه التكنولوجيا التي قربت العالم عوالم ومجرّات شاسعة من المُبرمجين والمُطورين ورُواد الأعمال وأصحاب الأفكار التي لا تنضَب، والتي تحلم طوال الوقت أن تثقُب لها في العالمية «ثغرة» تنفُذ منها إلى حياة مليارات المُستخدمين حول العالم، مُنتظري كل جديد تنجبه التكنولوجيا كُل لحظة، عبر فُرصةٍ قد تنفذها إياهُم شركة من حيتان التكنولوجيا، فتقرر الاستحواذ على شركاتهم الناشئة.
على الجانب الآخر من المُعادلة، تقبع الشركات العملاقة أمثال «جوجل» و«فيس بوك» و«مايكروسوفت» و«آبل»، لتقوم بعملية الاستحواذ في مرّات من أجل تدشين عالم خاصٍ بها لا يستطيع المُستخدم أن يفر منه لغرض واحد، ومرات تعمل ككشافٍ للمواهب والعقليات النيّرة، ومرّات لتطوير الخدمات التي تقدمها لمُستخدميها، أو إخلاء الأسواق من منافسين مُستقبليين مُحتملين.
ويرصد «المصري اليوم» في هذا التقرير أربع شركات من عمالقة عالم التكنولوجيا عالية التقنية، وطائفة من أشهر استحواذتهم.
4. جوجَل «عملاق ماونتن فيو»

على الأرجح، لم يدُر بخُلد طالبيّ الدكتوراة من جامعة «ستانفورد» بكاليفورنيا: «لاري بيدج» و«سيرجي برين» وهُما يُطوّران مشروعهما البحثيّ عام 1996، أنه سيُصبح مُحرّك البحث الأشهر على الإطلاق، وأن واجهة المُستخدم خاصتهما ستُصبِح علامة تجاريّة لأهم شركات التكنولوجيا عالية التقنيّة على مستوى العالم.
أطل «جوجل» بواجهته البسيطة عام 1998 على جمهور المُستخدمين أول مرّة، ليمتلك الشريكان أول مقر لشركتهما في «جراج» أحد الأصدقاء برأس مال مبدأي 1.1 مليون دولار، قبل أن يترقيّا بمقرهما فيما بعد حتى يصلا أخيرًا إلى أن يكونا من سكان «ماونتن فيو».
ورغم عدم وجود تعارض بين سلوك شركة «جوجل» الاستحواذي على الشركات الناشئة، لضمها إلى أسطول محرّك البحث الجرّار، وبين شعاره غير الرسمي «لا تكُن شريرًا» إلا أن «جورج جيس» الذي تعرّض لكافة استحواذات جوجل بالدراسة، وتعرّض بالتنظير إلى استراتيجيّة جوجل في استحواذاتها الكُبرى في كتابه «النمو شبه التلقائي»، يرى أنها على الأرجح أحد أحلام بعض الشركات الصُغرى التي تقتحم سوق التكنولوجيا عالية التقنية أن يتم ضمّها أخيرًا لعالم «جوجل».
وعمّا مَن أمر «جوجل» نفسها، فحسب تحقيق أجرته «التايمز» الإنجليزيّة، فإن الأمر على الأرجح ينطوي على فقرة اكتشاف المواهِب وشرائها من قبل المؤسسة الكُبرى، فبتصفُح «التايمز» لحسابات «لينكِد- إن» لمؤسسي الشركات الناشئة، اكتشفت أن ثلثي أصحاب الشركات الناشئة تم ضمّهم إلى فريق عمل «جوجل» بين 2006 و2014 ليستمروا هُنالِك.

وبمُطالعة دفتر مُشتروات «جوجل» وصفقاته الكُبرى من بداية تاريخه، نجِد أنه حافل باستحواذات عُظمى مُتعددة، لعل أشهرها صفقة منصة تداول المقاطع المُصوّرة «يوتيوب»، الذي ما لبِث أن اشترى له مؤسسوه الثلاثة www.youtube.com كاسم نطاق عام 2005، حتى تحوّل لملكيّة «جوجل» أواخر 2006 في صفقة مُثيرة للجدل دفعت فيها «جوجل» 1.6 مليار دولار.
غير أن هذه الصفقة ليست وحدها بالطبع، فمن بين أشهر صفقات «جوجل» صفقة شراء نظام التشغيل «أندرويد» عام 2006، والذي كان وقتها تطبيقا عمره أقل من عامين مقابل 50 مليون دولار، اعتبرهُا مسؤول صففقات «جوجل» وقتها المُهندس «ديفيد لاوي» أفضل الصفقات على الإطلاق ليحِل في وقت لاحق نظام التشغيل ضيفًا على ملايين الأجهزة الذكية على مستوى العالم.
وإلى جوار هؤلاء في دفتر المُشتروات تقبع صفقات لشركة إعلان إلكتروني هي «دوبل كليك» عام 2008، بما يُقدّر بـ 3 مليارات دولار، اعتبرها «ديفيد سميث» الكاتب في موقع «بيزنس إنسيدر» بقرة حلوب تدِر على جوجل في كُل دقيقة مبالغ طائلة، إلى جوار معامل شركة «نيست» التي حازتها جوجل لتدخُل بها دائرة عالم تصنيع الأجهزة المنزلية الذكية بما يقدر بـ 3.2 مليار دولار، وشركة «بوستون دايناميكس» التي اعتادت أن تُصنع الروبوتات الآلية للبحرية الأمريكية، وعشرات التطبيقات الناشئة التي سارعت الشركة بالاستحواذ عليها وضم مطوريها إلى طاقمها.

وتُسهم عملية الاستحواذات تِلك في تأسيس عالم «جوجل» لمرتاديه من عالم التواصل الاجتماعي، فجوجل حاضرة في كُل تفصيلات حياتك، بداية من البريد الإلكتروني لجوجل، وخرائط جوجل، ودردشة الفيديو الجماعية Hangouts، و«جوجل بلاس» كموقِع تواصل اجتماعي لا يستطيع المُنافسة تمامًا مع «فيس بوك» و«تويتر»، الأمر الذي يُنذر بصفقة تلوح في أفق جوجل لشراء تويتر كمنصة للتدوين المُصغّر بما يُقدر بـ 33 مليار دولار، المبلغ الذي يُعد عملاقا نوعًا ما، بيد أن جوجل مُستعدة لذلك لأجل دخول عالم التواصل الاجتماعي من بابه الملكيّ بدلاً من «جوجل بلس» الذي لا يقضي عليه مُستخدموه عُشر وقت ما يقضونه على «فيس بوك».
3. «فيس بوك»: «استحواذات فتى هارفارد»

كان الأوكراني «كان كوم» مؤسس تطبيق «واتس آب» يُطالع بريده الإلكتروني عندما فوجئ برسالة من أحدث أعضاء نادي مليارديرات التكنولوجيا عالية التقنية، فتى هارفارد «مارك زوكربرج» الذي صنع شُهرته وثروته من التواصُل الاجتماعي، والذي أبدى ولعًا خاصًا بضم شركات التكنولوجيا الناشئة إلى أسطوله الجرّار، ليُلبي «كوم» الداعي، ويدرس الأمر، ويقرر أخيرًا مع زميله «برايان أكتون» قبول عرض زوكربرج بعدما كانا قبل تطوير التطبيق ضمن أعضاء نادي المرفوضين للتعيين من قِبل «فيس بوك»، مقابل 19 مليار دولار أمريكي، في صفقة رآها خُبراء أنه مُبالغٌ فيها لشركة حتى لا تملك لافتة تشير إلى مقر الشركة الكائن في «ماونتن فيو»، غير أن «زوكربرج» كان له رأي آخر بشأن أكثر تطبيقات المراسلة الفورية شعبية وأسرعها انتشارًا، ليتم تسجيلها كأحد أغلى الصفقات في تاريخ استحواذات شركات التكنولوجيا عالية التقنية.

بيد أن استحواذ «واتس آب» لم يكُن الأول من نوعه في تاريخ «فيس بوك»، فمنشور لمارك زوكربرج أواخِر عام 2012 أعلن عن نقطة الحسم في صفقة من «فيس بوك» على تطبيق «انستجرام» لمُشاركة الصور، مُقابِل مليار دولار دفعها «فيس بوك»، ضمن عملية استحواذ وصفها مارك بأنها «الأولى من نوعها، ولعلها الأخيرة»؛ لأن الهدف الأول من ورائها كان تزويد مُستخدميه بتجربة مُشاركة للصور مميزة يؤمنها تطبيق «انستجرام» بعدما تحصّل التطبيق على 30 مليون مُستخدم في ظرف 18 شهرا فحسب، ولقب «تطبيق آيفون» لعام 2011.

وبالرغم من أن الاستحواذ على «واتس آب» و«إنستجرام» كان على تطبيقين عُرفا للمُستخدمين قبل ضمهما لـ«فيس بوك»، إلا أن استراتيجية «فيس بوك» في هذا الصدد تأتي على لسان مارك زوكربرج في فيديو سجّله ليُبث على «يوتيوب» ضمن إجابة عن سؤال: «لماذا يشتري (فيس بوك) الشركات الناشئة؟»، ليرُد مؤسسه: «نحنُ لا نشتري الشركات من أجل الشركات، وإنما من أجل المواهب، فعن طريق اختيار أشخاص لديهم تجربة في ريادة الأعمال، نصبح مُتأكدين من أننا نختار أفضل الموظفين». وبناءً على هذه الاستراتيجية يحفل سجل مُشتروات واستحواذات «فيس بوك» منذ نشأته بما يزيد على 50 استحواذًا، لعلّ من أشهرها وأقربها الاستحواذ على تكنولوجيا «برايفت-كور» لتأمين وحماية المواقع الإلكترونية، والتي لم يُعلن عن قيمتها. ومن بينها أيضًا ما خرج عن حدود الولايات المُتحدة مثل الاستحواذ على تطبيق «أوكتازِن» لاستيراد جهات الاتصال أوائل عام 2010 ماليزيّ الجنسيّة.
2. مايكروسوفت «جوجل تسحب البِساط»

بمُطالعة صفحة «تاريخ الاستحواذات» على الموقِع الرسمي لـ«مايكروسوفت»، ستجِد أنك بصدد سجِل تاريخيّ للاستحواذ يرجع تاريخه لعام 1987، بعد عام واحِد من طرح الشركة التي تأسست قبل عشرة أعوام لتنافس في مجال تطوير أنظمة تشغيل الحواسب للاكتتاب العام، لتُقدم للسوق باكورة مُنتجاتها الأشهر على الإطلاق عبر تاريخها «مايكروسوفت ويندوز» و«مايكروسوفت أوفيس».
وعلى صعيد آخر من ذلك التاريخ المُشرف في تقدِمة سلع إلكترونية للسوق، بدأ نشاطًا موازيًا من الاستحواذ من قِبل مايكروسوفت، يُقدّر بحواليّ 146 شركة استحوذت عليها «مايكروسوفت»، بالإضافة إلى امتلاك حِصص في 61 شركة، وسحب الاستثمارات من 25 آخرين، بمُعدّل استحواذٍ حتى عام 2008 على 6 شركات في العام، والتي ارتفعت إلى 10 شركات، ولتستحوذ في 2006 فقط على 18 شركة.
وتُعد أشهر صفقات الاستحواذ في تاريخ «مايكروسوفت» الأولى من نوعها عام 1987 التي اشترت فيها برنامجًا لعرض المواد تحوّل بعد ذلك إلى «مايكروسوفت باور بوينت» هو «فور-ثوت»، بالإضافة إلى الاستحواذ عام 1997 على «هوتميل» وضمّه إلى مجموعة خدمات «إم إس إن»، بعد عامٍ واحد من تأسيسه تحصّل فيه على ما يزيد على ثمانية ونصف مليون مشترك، وأصبح شبه ضرورة للمواقع الأكثر شعبية أن تلحق خدماتها بخدمة بريد مجاني، خاصة بعدما امتلك «ياهو» في ذلك الوقت البريد الإلكتروني خاصته.

كذلك من بين أشهر الشركات التي وضعت «مايكروسوفت» عليها في تاريخها «سكايب» عام 2011، وقطاع الأجهزة في شركة«نوكيا» عام 2013، في صفقات تحرِص مايكروسوفت على الأغلب ألا يتم الإعلان عن قيمتها.
وبالرغم من سجل مشتروات «مايكروسوفت» الحافل، إلا أن عملاقًا آخر يقُض مضجع الشركة العملاقة ويسحب البساط الممدود تحت قدميها من قديم الأزل هو «جوجل»، والذي قالت «رويترز» أنما تقدّمت «مايكروسوفت» بشكوى سريّة لإضعاف هيمنة «جوجل» للاتحاد الأوروبي، بينما أنكرت «مايكروسوفت» ذلك أواخر عام 2012، ليُصوت الاتحاد الأوروبي أخيرًا عام 2014 على إضعاف هيمنة جوجل في نتائج البحث، وإفساح المجال لـ«مايكروسوفت».
1. آبل «استراتيجيّة الاستحواذ المُوحّدة»

على عكس «جوجل» و«فيس بوك» اللذين تنطوي سياستهُما في الاستحواذ على شق استيراد المواهب والعقول، وكذلك تدعيم عالمهم بالتطبيقات ذات الشعبية، إلا أن الشركة التي طالما أدارها الحالم الراحل «ستيف جوبز» احتفظت باستراتيجيّة موحدة بداية من تدشين «آبل» عام 1975، وتقديمه للأسواق سلسلة أجهزة «ماكينتوش» الشخصية، و«آي-باد» للأجهزة اللوحية و«آيفون» للهواتف الذكية و«آي-بود» لأجهزة تشغيل الموسيقى. وتعتمد سياسة آبل في الاستحواذ على شرطٍ مُحدد وهو شرط «القابلية للاندماج والتكامل» مع «آبل – المحدودة».

ومن أمثلة اختيارات «آبل» التي تتم لكي يتم دمجها مع مشروعات أخرى، الاستحواذ على شركة «إي- ماجيك» ووضع يد «آبل» على برمجيتها «لوجيك برو» عام 2002 التي أسست لظهور تطبيق «جراج- باند» الشهير ضمن متجر «آبل» لعزف الموسيقى عن طريق أجهزة «آبل».
وبالرغم من أن سياسة «آبل» في الاستحواذ تشتمل على عدم الإعلان عن قيمة الصفقات، والتي بلغ عددها ما يقارب السبعين صفقة منذ تاريخ «آبل»، إلا أن صفقة بعينها تمت عام 2014 تم الإعلان عن قيمتها لتقدر بأغلى صفقات «آبل»، وهي صفقة استحواذ «آبل» على «بيتس إليكترونيكس»، والتي قُدرت بثلاثة مليارات جُنيه، بعدما كانت الشركة قد تم شراؤها من قبل «إتش تي سي» عام 2006، لتستحوذ عليها «آبل» أخيرًا.