يا مؤمن عٌد ربك في إنتظارك

أحد أهم الأسباب التي تجعل المخطئين يتمادون في أخطائهم، أنهم يقنطون من رحمة الله وعفوه، ويعتقدون- خطأً- أن ليس لهم توبة، وأنهم مهما

صنعوا من معروف فلن يقبل الله منهم شيئًا.. وهذا مخالف لحقيقة الإسلام، ومنافٍ لطبيعة البشر التي رُكِّب فيها الشر كما رُكِّب فيها الخير.



وللأسف فإن الشيطان ينتهز تلك اللحظات، فيعد ويمنِّي، ويأمر بالفحشاء، ويباعد بين الإنسان والتوبة، ويزرع في نفسه اليأس من قبول الله له،

فيتمادى المذنب في ذنوبه، وينسى ربه الذي يغفر الذنب ويقبل التوب ويتجاوز عن العصاة المسرفين.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي

بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم" (مسلم).



لا بد أن يدرك المسلم أن كل بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون، وأن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، فإذا ما وقع- لا قدر الله- في ذنب، عاد

إلى ربه سريعًا، مستغفرًا من ذنبه، طالبًا العفو والصفح، راجيًا من الله أن يبدل سيئاته حسنات، والله عز وجل لا يرد تائبًا، ولا يغلق أبواب الغفران في

وجوه الطارقين، بل إنه ليفرح بعودة عبده التائب، وإنه لينقي صفحته حتى تصير بيضاء لا شيةَ فيها.. يقول الله تعالى: (قٍلً يا عٌبّادٌي الّذٌينّ أّسًرّفٍوا

" أّنفٍسٌهٌمً لا تّقًنّطٍوا مٌن رَّحًمّةٌ اللَّهٌ إنَّ اللَّهّ يغًفٌرٍ الذٍَنٍوبّ جّمٌيعْا إنَّهٍ هٍوّ الغّفٍورٍ الرَّحٌيمٍ (53)) (الزمر)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز

وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، واللهِ للهُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرّب إلي شبرًا تقرّبت إليه ذراعًا،

ومن تقرّب إلى ذراعًا تقرّبت إليه باعًا، وإذا أقبل يمشي أقبلت إليه أهرول" (مسلم).




إن التائب من الذنب كمن لا ذنب له- كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ورب توبة أورثت ذلاًّ وانكسارًا، فصار صاحبها قريبًا من الله، حبيبًا إليه، ذاق

طعم الطاعة إثر المعصية فثبت عليها وخالف هوى نفسه وشيطانه، فمثله كمثل رجل كلما أحدث حدثًا لجأ إلى ربه مستغيثًا به طالبًا مغفرته، وفي كل

مرة يغفر الله ذنبه؛ لمخالفته الشيطان ولعلمه أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به..



يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عبدًا أصاب ذنبًا فقال: يا رب إني أذنبت ذنبًا فاغفره، فقال له ربه: علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به،

فغفر له، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبًا آخر- وربما قال: ثم أذنب ذنبًا آخر- فقال: يا رب، إني أذنبت ذنبًا آخر فاغفره لي، قال ربه: علم عبدي أن له

ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به، فغفر له، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبًا آخر- وربما قال: ثم أذنب ذنبًا آخر- فقال: يا رب إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي، قال

ربه: علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به، فقال ربه: غفرت لعبدي فليعمل ما شاء" (البخاري ومسلم).


وليس من حق أحد، كائنًا من كان، أن يفتي بعدم قبول الله توبة أحد من الناس، مهما كان ذنبه ومهما كانت معاصيه.. (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ

عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)) (التوبة)؛ لأن هذا حق الله وحده، فهو- سبحانه- يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار،

ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها؛ فكيف يأتي بعد ذلك من يدَّعي أن الله لا يقبل توب التائبين، مغلقًا بذلك بابًا من

أبواب الخير يلج منه العباد إلى حظيرة الإيمان وإلى حمى الله العزيز الغفار؟!..



عن ابن مسعود رضي الله عنه: "جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني وجدت امرأة في بستان، ففعلتُ بها كل شيء، غير

أني لم أجامعها، قبّلتها ولزمتها، ولم أفعل غير ذلك، فافعل ْبي ما شئتَ. فلم يقلْ الرسول صلى الله عليه وسلم شيئًا، فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر

الله عليه لو ستر نفسه، فاتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره، ثم قال: "ردوه عليَّ"، فردوه فقرأ عليه: { وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ

اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} (هود)، فقال معاذ: يا رسول الله، أله وحده أم للناس كافة؟ فقال صلى الله عليه وسلم:

بل للناس كافة" (مسلم).

يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ

الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70))

(الفرقان)؛ لتظل العلاقة بين العبد وربه قائمة على الثقة والإخلاص، ودعم إرادة الإنسان وعزيمته، فيصير صلبًا في مواجهة نفسه والشيطان.



لا تقنطوا من رحمةالله.. ولا تستبعدوا مغفرته