الصلاة هي رحلة الشوق والحب


حضرت موسم الحج فلما انقضت المشاعر، وهممنا بالرجوع شعرت بالحزن العميق على فراق أوقات قضيناها في تلك الأماكن المباركة.


ولكن خطر لي أن من نعمة الله على المسلم، ومن رحمته به أن أكرمه بالصلاة، فلعلَّهُ يقضي بها شوقه وحنينه عندما يكون بعيداً عن هذا البيت العتيق.


ففيها يمشي المسلم ملبياً النداء إلى بيت من بيوت الله متذكِّراً تلبية الحاج نداء الله في الحج، وليعلم المسلم أنه بعمله هذا يؤجر كأجر الحاج، يدل على ذلك ما جاء عن أَبي أُمَامَةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "مَنْ مَشَى إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ مَشَى إِلَى سُبْحَةِ الضُّحَى كَانَ لَهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى إِثْرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ".


وفي الصلاة يستقبل القبلة باتجاه الكعبة المشرَّفة متذكِّراً طواف الطائفين حولها في الحج.


وفيها التضرع والمناجاة متذكراً تضرع الحاج ومناجاته لربه في عدد من مناسك الحج.


بل إنَّ من تكريم الله لهذه الأمة أنَّه خصَّ نبيها صلى الله عليه وسلم بأن جعل له الأرض كلَّها مسجداً وطَهوراً، فالمسلم يلبِّي نداء الله في أي بقعة من أرض الله، قال عليه الصلاة والسلام : "أُعْطِيتُ خَمْساً لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي :...وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُوراً، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ..".


وهذا مظهر من مظاهر عالمية رسالته عليه الصلاة والسلام، أليس قد قال الله تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].


خطر لي هذا المعنى في ليلة من ليالي منى، وكنا نقرأ كلمة الأستاذ بديع الزمان النورسي رحمه الله : "هو الذي لعظمته المعنوية صار سطح الأرض مسجده، ومكة محرابه، والمدينة منبره، وهو إمام جميع المؤمنين يأتمون به، صافِّين خلفه، وخطيب جميع البشر يبِّين لهم دساتير سعادتهم، ورئيس جميع الأنبياء يزكيهم ويصدقهم بجامعية دينه لأساسات دينهم...".


فحافظ أيها المسلم على الصلاة فهي رحلة الحب والشوق، والإكرام والإفضال، وفيها القرب والمناجاة.


وأستعير هنا كلمة الإمام الدهلوي في الحج، فأقول : "وربَّما يشتاق الإنسان إلى ربِّه أشدَّ شوق، فيحتاج إلى ما يقضي به شوقه فلا يجده إلا في الصلاة".