في حين يميل بعض المراهقين للوحدة والتقوقع على أنفسهم، يعشق البعض الآخر التواجد وسط الكثير من الناس واكتساب المزيد والمزيد من الأصدقاء الجدد كل يوم.
لكن للأسف قد يلجأ بعض هؤلاء الاجتماعيين أحيانا لادعاء صفات ليست فيهم أو تقليد أشخاص آخرين أكثر جاذبية والتخلي تدريجيا عن شخصيتهم الحقيقية وسماتهم المميزة في سبيل إرضاء الآخرين ولفت انتباههم وكسب صداقتهم.

الكثيرمن المراهقين يعتقدون أن كون الإنسان محبوبا ويحظى بشعبية كبيرة وسط أقرانه أمر لا غنى عنه. فهم يرون أن شعورهم بحب الآخرين وتقبلهم لهم يساعدهم على نسيان معظم مشاكلهم الاجتماعية أو الأسرية ويكفل لهم السعادة. وهنا يكمن الخطأ.

فهذه الرغبة المحمومة في التواجد وسط أكبر مجموعة من الرفاق قد تدفع البعض لمجاراة الآخرين واختيار ملابس قريبة من طرازهم المفضل أو الذهاب لنفس الأماكن التي يحبون ارتيادها وممارسة الأنشطة التي يقبلون على مزاولتها - حتى وإن كانت تتناقض مع المعتقدات الشخصية للفرد -، بل وحتى الإقبال على شراء نفس الأجهزة الإلكترونية التي يمتلكونها. قد تندفع في هذا الطريق دون أن تشعر أنك تفقد شخصيتك وذاتك رويدا رويدا.

لا ترضي بوحدتك وتنعزل عن العالم تماما، ولكن لا تجعل شغلك الشاغل هو التعرف على أشخاص جدد كل يوم وتكوين أكبر عدد ممكن من الصداقات حتى لو كان الثمن أن تخسر نفسك وشخصيتك.
إذا نظرت للأمر بموضوعية، ستجد أن هذا العدد الكبير من الأصدقاء ليس أمرا إيجابيا، ولا تعتقد أن فقدانك لشخصيتك المميزة وأسلوب حياتك المتزن هو ثمن بسيط تدفعه في سبيل التقرب من مجموعة من الناس والإحساس بأنك محبوب ومرغوب اجتماعيا.

تخطىء كثيرا لو ظننت كل هؤلاء أصدقاء حقيقيين. يكفي أن تمرض في أحد الأيام أو تمر بظروف صعبة نفسية أو أسرية لتعرف الحقيقة المرة! سيختفي معظم هؤلاء الذين كانوا يشاركونك المرح والنزهات والتصرفات المتهورة وغير المسئولة والتي كنت تجاريهم فيها حتى لا تخسر صداقتهم، ولن يبقى بجوارك عندئذ سوى عدد قليل جدا ممن يمكنك الاعتماد عليهم بحق، وممن يحبونك لذاتك ولا يطالبونك أبدا بأن تكون شخصا آخر لتنال إعجابهم وصداقتهم.

كون نفسك أولا وأخيرا، ولا تتنازل أبدا عن تفرد شخصيتك أو تفعل ما يناقض معتقداتك أو عادات مجتمعك لمجرد تكوين شبكة من العلاقات الاجتماعية الواهية.
انظر حولك وانتقى فقط الأشخاص الجديرين بصداقتك من جيرانك أو زملاء دراستك حتى إن لم يزيدوا على فردين أو ثلاثة، وابدأ في إلقاء التحية عليهم بابتسامة ودية وتعرفهم بنفسك، والتعرف على مجالات الاهتمام المشترك بينكم، ثم احرص على الانخراط في أنشطة تجمعك بهم سواء في المدرسة أو الجامعة أو النادي، وبشكل يمحنك فرصة أكبر للتعرف عليهم بشكل أعمق والارتباط بهم وتكوين صداقات حقيقية معهم تعيش طويلا وتكون قائمة على أساس ثابت ومتين.

فقلة من الناس يكونون أصدقاء حقيقيين لك يقدرونك كما أنت ويتواجدون معك في السراء والضراء هم أفضل كثيرا من كثرة تفقدك ذاتك وتتخلى عنك بمنتهى السهولة وقت الحاجة.
تميز بأخلاقك الحميدة والتزامك بدينك وتقاليد مجتمعك... تفوق في دراستك ... تألق في إتقانك لإحدى الرياضات أو المهارات الفنية... كون متعاون مع الآخرين ومحب لكل من حولك، وستجد الكثيرين ممن يتهافتون على اكتساب صداقتك إعجابا منهم بشخصيتك الإيجابية وتفردك المحبب. وهنا يبدأ دورك في التأني واختيار الأصدقاء الحقيقيين فقط من بين هؤلاء بعد اختبارهم في مواقف مختلفة.

والآن بعد أن قرأت هذا المقال، تأمل حالك واسأل نفسك: هل أحسست يوما أنك تقدم العديد من التنازلات على مستوى شخصيتك وأفكارك وتفضيلاتك الشخصية في سبيل كسب ود مجموعة من الناس؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فننصحك بأن تبدأ جديا وفورا في إعادة تقييم موقفك ومراجعة تصرفاتك.