النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    الصورة الرمزية محمدسالمان
    محمدسالمان غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    12,883

    افتراضي الفرق بين الطبع والعادة؟



    ما الفرق بين الطبع والعادة؟ وهل يـمكن تغيير طباع الإنسان الْخُلُقيِّة وتـهذيبها؟



    والجواب:



    هناك فرق بين الطبع والعادة، فالطبع: هو ما كان في أصل خِلقة الإنسان، وجُبِلَ عليه، أما العادة: فهي (حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية)، وأصل الطبع لغة من طبع السيف، أي: جعله على الصورة الـمخصوصة له من الحديد، ولهذا لنا أن نتصور صعوبة تغييره ومدى ما يحتاجه ذلك من مجاهدة للنفس، ولكن تغييره ليس بالـمستحيل. أما العادة فهي من تكرير الفعل من (عاد يعود)، وقد تكلمنا عنها في موضوع مستقل. فلنخص الكلام هنا عن الطبع الخلقي.



    وطباع الإنسان الْخُلُقيِّة- فيما يراه المرحوم أ/د محمد ضياء الدين الكردي أستاذ ورئيس قسم العقيدة الإسلامية والفلسفة بالأزهر الشريف- يمكن تغييرها بالتهذيب والتربية، والقول بعدم قبول الخلق للتغيير- كما هو مذهب بعض الفلاسفة- يجعل الرسالات والنبوات عبثًا لا فائدة منها، فكيف يرسل الله تعالى رسلا ليغيروا ما لا يقبل التغيير والتبديل.



    والحقيقة أن من لم يذق طعم المجاهدة الخلقية ولم يقدر عليها قال بعدم التغيير، ومن عرف هذه المجاهدة ووقف على طريقها قال بحصول التغيير، ومرجع هذا أن الله خلق نفوسًا تستمرئ أدواءها وشهواتـها، ولا تستطيع الحد من رذائلها، وقد وصف الله تعالى هؤلاء بصفات عدة في القرآن الكريم منها قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:7]، وهذه النفوس تعرف الحق وتكتمه {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[البقرة:146]. وخلق تعالى نفوسًا أخرى تعرف الحق وتحاول أن تعمل به على قدر طاقتها وصلاحيتها واستعدادها، ولـهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نـهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم» [أخرجه مسلم، ح 1337 عن أبي هريرة]، فجعل الـمأمور به ملزمًا على قدر الطاقة البشرية، وما نـهى عنه واجب الكف فلا يُقبل عذر في إتيانه.



    وقد مَثَّلَ صلى الله عليه وسلم لتنوع قابلية الناس لقبول التغيير الخُلُقِي، فقال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا فكان منها نقية (أي طيبة) قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بـها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنـما هي قيعان لا تـمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فَعَلِمَ وعلَّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» [أخرجه البخاري ح 79، عن أبي موسى].



    ومما يدل على ذلك- فيما يحكي الراغب الأصفهاني- قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}[الشمس:9، 10]، ولو لم يكن كذلك لبطلت فائدة المواعظ والوصايا، والوعد والوعيد، والأمر والنهي، ولـما جوَّز العقل أن يقال للمكلَّف: لم فعلت؟ ولم تركت؟ وكيف يكون هذا في الإنسان مـمتنعًا، وهو مـمكن في الحيوانات التي يـمكن تغيير طباعها بالاستنئاس والتدريب.



    لكن الناس في غرائزهم مختلفون، فبعضهم جُبِلُوا جبلةً سريعة القبول، وبعضهم جُبِلُوا جبلةً بطيئة القبول، وبعضهم في الوسط، وكُلٌّ لا ينفك من أثر قبول وإن قَلَّ.



    وأخيرًا فيقول الإمام الغزالي في كتابه العظيم إحياء العلوم الدين: ((اعلم أن بعض من غلبت البطالة عليه استثقل الـمجاهدة والرياضة والاشتغال بتزكية النفس وتـهذيب الأخلاق، فلم تسمح نفسه بأن يكون ذلك لقصوره ونقصه وخبث دخيلته فزعم أن الأخلاق لا يتصور تغييرها فإن الطباع لا تتغير. واستدل فيه بأمرين؛ أحدهما: أن الخُلُقَ هو صورة الباطن كما أن الخلق هو صورة الظاهر. فالخِلقة الظاهرة لا يقدر على تغييرها فالقصير لا يقدر أن يجعل نفسه طويلًا ولا الطويل يقدر أن يجعل نفسه قصيرًا ولا القبيح يقدر على تحسين صورته، فكذلك القبح الباطن يجري هذا الـمجرى. والثاني: أنـهم قالوا حسن الخلق يقمع الشهوة والغضب. وقد جربنا ذلك بطول الـمجاهدة وعرفنا أن ذلك من مقتضى الـمزاج والطبع فإنه قط لا ينقطع عن الآدمي فاشتغاله به تضييع زمان بغير فائدة. فإن الـمطلوب هو قطع التفات القلب إلى الحظوظ العاجلة وذلك محال وجوده. فنقول: لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات،... وكيف يُنْكرُ هذا في حق الآدمي وتغيير خُلُق البهيمة مـمكن إذ ينقل البازي من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل من الصيد إلى التأدب والإمساك والتخلية (يعني أن يخلي الكلبُ الصيدَ ويتركه دون أن يأكل منه) ، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد وكل ذلك تغيير للأخلاق.



    والقول الكاشف للغطاء عن ذلك أن نقول: الموجودات منقسمة إلى:


    1) ما لا مدخل للآدمي واختياره في أصله وتفصيله، كالسماء والكواكب، بل أعضاء البدن داخلا وخارجًا، وسائر أجزاء الحيوانات. وبالجملة كل ما هو حاصل كامل وقع الفراغ من وجوده وكماله.

    2) وإلى ما وُجد وجودًا ناقصًا وجعل فيه قوة لقبول الكمال بعد أن وجد شرطه. وشرطه قد يربط باختيار العبد فإن النواة ليست بتفاح ولا نخل إلا أنـها خُلِقت خِلقةً يـمكن أن تصير نخلة إذا انضافت التربية إليها، ولا تصير تفاحًا أصلًا إلا بالتربية، فإذا صارت النواة متأثرة بالاختيار حتى تقبل بعض الأحوال دون بعض فكذلك الغضب والشهوة لو أردنا قمعهما وقهرهما بالكلية حتى لا يبقى لهما أثر لم نقدر عليه أصلًا، ولو أردنا سلاستهما وقودهما بالرياضة والمجاهدة قدرنا عليه. وقد أمرنا بذلك وصار ذلك سبب نجاتنا ووصولنا إلى الله تعالى.


    نعم الجبلات مختلفة بعضها سريعة القبول وبعضها بطيئة القبول ولاختلافها سببان: أحدهما: قوة الغريزة في أصل الجبلة وامتداد مدة الوجود فإن قوة الشهوة والغضب والتكبر موجودة في الإنسان، ولكن أصعبها أمرًا وأعصاها على التغيير قوة الشهوة، فإنـها أقدم وجودًا، إذ الصبي في مبدأ الفطرة تخلق له الشهوة، ثم بعد سبع سنين ربـما يخلق له الغضب، وبعد ذلك يخلق له قوة التمييز.



    والسبب الثاني: أن الخلق قد يتأكد بكثرة العمل بـمقتضاه والطاعة له وباعتقاد كونه حسنًا ومرضيًا، والناس فيه على أربع مراتب:



    الأولى: وهو الإنسان الغُفل الذي لا يـميز بين الحق والباطل والجميل والقبيح بل بقي كما فطر عليه خاليًا عن جميع الاعتقادات، ولم تستتم شهوته أيضًا باتباع اللذات، فهذا سريع القبول للعلاج جدًّّا فلا يحتاج إلا إلى معلم ومرشد، وإلى باعث من نفسه يحمله على الـمجاهدة فيحسن خلقه في أقرب زمان.



    والثانية: أن يكون قد عرف قبح القبيح، ولكنه لم يتعود العمل الصالح بل زين له سوء عمله فتعاطاه انقيادًا لشهواته وإعراضًا عن صواب رأيه لاستيلاء الشهوة عليه، ولكن علم تقصيره في عمله فأمره أصعب من الأول، إذ قد تضاعفت الوظيفة عليه؛ إذ عليه قلع ما رشقه في نفسه أولًا من كثرة الاعتياد للفساد، والآخر أن يغرس في نفسه صفة الاعتياد للصلاح ولكنه بالجملة محل قابل للرياضة إن انتهض لـها بجد وتشمير وحزم.



    والثالثة: أن يعتقد في الأخلاق القبيحة أنـها الواجبة المستحسنة وأنـها حق وجميل وتَرَبَّى عليها، فهذا يكاد تمتنع معالجته ولا يرجى صلاحه إلا على الندور، وذلك لتضاعف أسباب الضلال.



    والرابعة: أن يكون مع نشئه على الرأي الفاسد وتربيته على العمل به يرى الفضيلة في كثرة الشر واستهلاك النفوس ويباهي به، ويظن أن ذلك يرفع قدره، وهذا هو أصعب الـمراتب. وفي مثله قيل: ومن العناء رياضة الـهَرِم، ومن التعذيب تهذيب الذيب.



    والأول: من هؤلاء جاهل فقط. والثاني: جاهل وضال. والثالث: جاهل وضال وفاسق. والرابع: جاهل وضال وفاسق وشرير.



    وأما الخيال الآخر الذي استدلوا به: وهو قولهم إن الآدمي ما دام حيًّّا فلا تنقطع عنه الشهوة والغضب وحب الدنيا وسائر هذه الأخلاق، فهذا غلط وقع لطائفة ظنوا أن المقصود من المجاهدة قمع هذه الصفات بالكلية ومحوها وهيهات! فإن الشهوة خلقت لفائدة وهي ضرورية في الجبلة، فلو انقطعت شهوة الطعام لهلك الإنسان، ولو انقطعت شهوة الوقاع لانقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه ولهلك. ومهما بَقِيَ أصل الشهوة فيبقى لا محالة حب المال الذي يوصله إلى الشهوة حتى يحمله ذلك عن إمساك الـمال. وليس المطلوب إماطة ذلك بالكلية بل المطلوب ردها إلى الاعتدال الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط. والمطلوب في صفة الغضب حسن الحمية وذلك بأن يخلو عن التهور وعن الجبن جميعًا. وبالجملة أن يكون في نفسه قويًًّا ومع قوته منقادًا للعقل. ولذلك قال الله تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29]، وصفهم بالشدة وإنما تصدر الشدة عن الغضب ولو بطل الغضب لبطل الجهاد. وكيف يقصد قلع الشهوة والغضب بالكلية والأنبياء عليهم السلام لم ينفكوا عن ذلك، إذ قال صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر» [أخرجه البزار ح 2532، عن سلمان الفارسي]. وكان إذا تكلم بين يديه بما يكرهه يغضب حتى تحمر وجنتاه ولكن لا يقول إلا حقًّا فكان عليه السلام لا يخرجه غضب عن الحق، وقال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}[آل عمران:134]، ولم يقل والفاقدين الغيظ، فرد الغضب والشهوة إلى حد الاعتدال بحيث لا يقهر واحد منهما العقل ولا يغلبه، بل يكون العقل هو الضابط لهما والغالب عليهما ممكن، وهو المراد بتغيير الخلق فإنه ربما تستولي الشهوة على الإنسان بحيث لا يقوى عقله على دفعها فيقدم على الانبساط إلى الفواحش. وبالرياضة تعود إلى حد الاعتدال فدل أن ذلك ممكن.



    والتجربة والمشاهدة تدل على ذلك دلالة لا شك فيها والذي يدل على أن المطلوب هو الوسط في الأخلاق دون الطرفين أن السخاء خلق محمود شرعًا، وهو وسط بين طرفي التبذير والتقتير. وقد أثنى الله تعالى عليه فقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67]، وقال تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ}[الإسراء:29]، وكذلك المطلوب في شهوة الطعام الاعتدال دون الشره والجمود، قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، وقال في الغضب {أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح:29]، وقال صلى الله عليه وسلم: « خير الأمور أوساطها» [أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، ح 3888].


    وهذا له سر وتحقيق وهو أن السعادة منوطة بسلامة القلب عن عوارض هذا العالم. قال الله تعالى {إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:89] والبخل من عوارض الدنيا، والتبذير أيضًا من عوارض الدنيا، وشرط القلب أن يكون سليمًا منهما أي لا يكون ملتفتًا إلى المال ولا يكون حريصًا على إنفاقه ولا على إمساكه، فإن الحريص على الإنفاق مصروف القلب إلى الإنفاق كما أن الحريص على الإمساك مصروف القلب إلى الإمساك فكان كمال القلب أن يصفو عن الوصفين جميعًا. وإذا لم يكن ذلك في الدنيا طلبنا ما هو الأشبه لعدم الوصفين وأبعد عن الطرفين وهو الوسط، فإن الفاتر لا حار ولا بارد بل هو وسط بينهما فكأنه خال عن الوصفين. فكذلك السخاء بين التبذير والتقتير. والشجاعة بين الجبن والتهور. والعفة بين الشره والجمود. وكذلك سائر الأخلاق فكلا طرفي الأمور ذميم؛ هذا هو المطلوب وهو ممكن. نعم يجب على الشيخ المرشد للمريد أن يقبح عنده الغضب رأسًا، ويذم إمساك المال رأسًا، ولا يرخص له في شيء منه لأنه لو رخص له في أدنى شيء اتخذ ذلك عذرًا في استبقاء بخله وغضبه وظن أنه القدر الـمرخص فيه. فإذا قصد الأصل وبالغ فيه ولم يتيسر له إلا كسر سورته بحيث يعود إلى الاعتدال فالصواب له أن يقصد قلع الأصل حتى يتيسر له القدر المقصود. فلا يكشف هذا السر للمريد فإنه موضع غرور الحمقى إذ يظن بنفسه أن غضبه بحق وأن إمساكه بحق.


  2. #2
    الصورة الرمزية أبو خليل
    أبو خليل غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الإقامة
    الأردن
    المشاركات
    2,404

    افتراضي

    شكرا على الموضوع يا غاااااااااااااااالي


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17