الجانب العقلي و العاطفي والتحكم فيه



عاطفـيون

في ذات كل واحد منا جانبان : عقلي و عاطفي ، و هما يشكلان عاملي توازن في الشخصية ، و من الواضح أن معظم الناس يعانون من طغيان العاطفة عليهم ، و ما ذلك إلا لأن العاطفة فطرة، أما العقلانية و المحاكمة العقلية الجيدة فهي من الأمور المكتسبة ، و أكثر الناس لا تسمح لهم ظروفهم بأن يكتسبوا الأمور و المفاهيم التي تجعل الجانب العقلي لهم مكافئاً للجانب العاطفي .
و لعلي ألمس هذه المسألة من خلال الحروف الصغيرة الآتية :
1- نحن معاشر العرب متهمون بسيطرة عواطفنا علينا ، و هذا ليس بعيداً عن الواقع ، و الحقيقة أن معظم الشعوب النامية تعاني من طغيان عواطفها عليها ، و ذلك من وجهة نظري أثر من آثار الثقافة الشفاهية التي خضعت لها منذ عشرات الأجيال ، حيث إن الأمية لا تسمح بالكثير من التنظيم العقلي و لا بالتخطيط البعيد المدى مما يجعل الفوضى و الآنية معلماً واضحاً في حياة الشفاهيين .
و طبيعة العاطفة تميل إن أن تكون قصيرة و غير منظمة ، و كلما ترسخت التقاليد الكتابية في بيئة تحسن مستوى التنظير العقلي ، و تحسنت بالتالي القدرة على توجيه العواطف و التحكم بها .

2- ليس في كون المرء عاطفياً ما يعيب ، فالتأثر الشعوري ينطوي على الكثير من سمات النبل ، و له من الدلالات الخلقية و الاجتماعية الكثير .
و الإيمان بالله – جل و علا – يتلبس بانفعال شعوري و إشراق روحي لا يستهان بهما ، و لكن شتان بين تأثرٍ عاطفي يتم في إطار الحق أو بسبب معرفته ، و تأثرٍ يخرج صاحبه من إطار العدل و الصواب ، بين مشاعرٍ نحن نصنعها و نوجهها ، و مشاعرٍ تسيطر علينا و توجهنا .
و قد أثنى الله – جل و علا – على الانفعال العاطفي الشديد و الذي لا يجد صاحبه سوى الدمع للتعبير عنه حين قال :
" وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ ربنا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ " المائدة /83 ، إنه انفعال شديد بسبب معرفة الحق و الاهتداء إليه .
و علمنا الله – جل و علا – كيف نصنع مشاعرنا عن طريق البر و الإحسان و الأعمال الصالحة حين قال :
" ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ "
فصلت /34 .
الإنسان العاطفي مستعد للتخلي عن ميزانه العقلي بسرعة ، فهو إن خاصم نسي كل فضائل الخصم ، و إن صادق نسي كل سلبيات الصديق ، و نتيجة هذا الخلل فإن من السهل عنده أن ينقلب الصديق إلى عدو ، و العدو إلى صديق .
إن العاطفيين مزاجيون يصعب الوثوق بهم و الاعتماد عليهم ، يثير المديح أريحيتهم ، فيطلقون الوعود المعسولة ، و يهوّنون كل صعب ، فإذا جاء وقت الوفاء وجدوا أنفسهم غير قادرين على فعل أي شيء ، و هذا ما نلاحظه في حياتنا العملية و على كل المستويات .

3- يقع العاطفيون دائماً في قبضة غيرهم ، فقابليتهم للتأثر السريع تغري الآخرين باستفزازهم و المكر بهم .
و بعد الشخص العاطفي عن شيء اسمه برمجة و تخطيط يجعله يشتغل بتنفيذ خطط الآخرين و برامجهم ، و إذا تأملنا تفاصيل الحياة الشخصية لكثير لمعظم الناس حولنا وجدنا ذلك واضحاً، فالواحد منهم لا يعرف غالبا ما الذي عليه أن ينجزه في يومه أو شهره أو سنته .
و كثير منهم يستدينون و لا يعرفون كيف يقضون ديونهم ، و لديهم آمال عريضة و لكن لا يشتغلون بتأمين الأدوات و الإمكانات التي ستبلغهم إياها،
و لديهم إلى جانب ذلك تصريحات عريضة ليس في أرض الواقع ما يدل على قدرتهم على تنفيذها ...
و لهذا كله فإن الشخص العاطفي يبدو بمثابة قوة صوتية تارة و بمثابة قوة صمتية تارة أخرى ، و قلما يثبت أنه قوة حقيقية .!

4- يستمتع الإنسان العاطفي بفوران العاطفة ، لأن ذلك الفوران يجعله يشعر و كأنه يؤدي واجباً ما ، أو يكفر عن ذنبٍ ما .
و ربما كان ذلك مظهراً من مظاهر العجز لديه ، إذ أنه لا يملك أكثر من أن يبتهج أو يتألم ، و لذا فإنه يتأذى ممن يخفف من وطأة عاطفته ! فإذا كان الشخص العاطفي ينتظر حدوث نصر سريع على عدو ، فإنه ينظر بعين الغضب و العداوة لمن ينبهه إلى أن ذلك النصر بعيد الوقوع ، و ربما اتهمه بالعمالة أو التحالف مع الأعداء ، و ذلك لا لأنه يوقظه من حلم ٍجميل ٍفحسب ، و لكن لأنه أشعره بأنه غير قادر على تقديم أي شيء .!





العواطف النبيلة هي ماء الحياة و رواؤها ، و لكن مشكلتها أنها تغري دائماً بالتطرف و الخروج من دائرة العقل ، و كثيراً ما تضرب بتوازن الشخصية ، فإذا أمكننا تلافي ذلك نعمنا بجمال العواطف دون أن نكتوي بنارها .