بسم الله الرحمن الرحيم
......كل لما اقرى الحديث ده شعرت بالاعجاز
لروعة خلق الله تعالوا عيشوا معايا الحديث.
عنْ أبي عبدِ الرَّحمنِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: حدَّثنا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصَّادِقُ المصْدُوقُ: (( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فيهِ الرُّوحَ، وَيُؤمَرُ بأرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ.

فَوَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقَ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فيَدْخُلَهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ، فيَسْبِقَ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلَهَا)) رواه البخاريُّ ومسلِمٌ.
الحديثُ لَه أهميَّةٌ عَظِيمَةٌ؛ لأنَّهُ تَعَرَّضَ لكيفيَّةِ خَلْقِ الإِنْسَانِ الَّذي كَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى باقي مخلوقاتِهِ، كَمَا فِيهِ الْكَلامُ حولَ القضاءِ والقَدَرِ، الَّذِي هُو الرُّكنُ السَّادسُ مِن أركانِ الإيمانِ، الَّذي لا يَتِمُّ إيمانُ الْعَبْدِ إِلا بِهِ، كَمَا فِيهِ فوائدُ كَثِيرَةٌ عَظِيمَةٌ، استنْبَطَها العُلماءُ مِنْهُ.
كيفيَّةُ تَكوينِ الإِنْسَانِ:



بَيَّنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كيفيَّةَ تكوينِ الإِنْسَانِ، فقالَ: ((إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ)) وَالْمُرَادُ بالْجَمْعِ: ضمُّ بعضِهِ إِلَى بَعْضٍ بَعْدَ الانتشارِ، وَقَالَ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: ((الْمُرَادُ أنَّ الْمَنِيَّ يَقَعُ فِي الرَّحِمِ حِينَ انزعاجِهِ بالْقوَّةِ الشَّهوانيَّةِ الدافعةِ مَبْثُوثًا مُتَفَرِّقًا، فيَجْمَعُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّ الوِلادةِ مِن الرَّحمِ)) اهـ وقولُ القُرطبيِّ مُوافقٌ لِمَا أثبتَهُ الْعِلْمُ الْحَدِيثُ، فالحيواناتُ الْمَنَوِيَّةُ الَّتي يَقْذِفُهَا الرَّجلُ كَثِيرَةٌ، وتَكونُ مُنْتَشِرَةً فِي رَحِمِ المرأةِ بَعْدَ القَذْفِ، وَلَكِنْ لا يَجْتَمِعُ مِنْهَا مَعَ الْبُوَيْضَةِ إِلا وَاحِدٌ:

1- النُّطفَةُ:
وَهِي الطَّوْرُ الأوَّلُ الَّذي يَمُرُّ بِهِ الجنينُ بَعْدَ التقاءِ الحيوانِ المنوِيِّ مَعَ البُوَيْضَةِ، والنُّطفةُ أصلُهَا الْمَاءُ الصَّافِي، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمَنِيُّ، وتمتدُّ مُدَّةُ هَذَا الطَّوْرِ أربعينَ يومًا، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً)).
2- العَلَقَةُ:
وَهِي الطَّورُ الثَّاني الَّذي يَمُرُّ بِهِ الْجَنينُ، والعَلَقَةُ هِي الدَّمُ الجامدُ الغليظُ وسُمِّيَ بِذَلِك لتَعَلُّقِهِ بِمَا مَرَّ بِه، ويَمتَدُّ هَذَا الطَّورُ أربعينَ يومًا، كَمَا بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ)) وممـَّا يَشْهَدُ لِذَلِك مِن الذِّكْرِ الحكيمِ قولُهُ تَعَالَى: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ}.
3- الْمُضْغَةُ:

وَهِي الطَّوْرُ الثَّالثُ الَّذي يَمُرُّ بِه الْجَنينُ، والْمُضْغَةُ هِي: قِطعةٌ مِن لحمٍ.
وسُمِّيَتْ بِذَلِك ؛ لأنَّها قَدْرُ مَا يَمْضُغُ الماضغُ، ويَمْتَدُّ هَذَا الطَّورُ أربعينَ يومًا، فقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ)).
4- نفخُ الرُّوحِ:

وَيَكُونُ ذَلِك بَعْدَ مُضِيِّ مِائَةٍ وعِشرينَ يومًا مِن اجتماعِ الزَّوجينِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ)) وَهَذَا مُلاحَظٌ بالمشاهَدَةِ، والرُّوحُ مَا يَحْيَى بِه الْعَبْدُ، وَهِي كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً}.
وعَرَّفَها بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: (جِسمٌ لطيفٌ سارٍ فِي الْبَدَنِ، مُشْتَبِكٌ بِه اشتباكَ الْمَاءِ بالعُودِ الأَخْضَرِ).
وعرَّفَها آخرونَ: (جوهرٌ مُجَرَّدٌ مُتَصَرِّفٌ فِي الْبَدَنِ).
وُجوبُ الإيمانِ بالقَدَرِقولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((وَيـُؤْمـَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بكَتْبِ رِزْقِهِ، وأَجَلِهِ، وعَمَلِهِ، وشَقِيٌّ أَو سَعيدٌ)) فِي هَذَا المقطعِ مِن هَذَا الْحَدِيثِ تَعَرَّضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقضيَّةٍ مِن القضاءِ والقَدَرِ، وَهِي تَتَعَلَّقُ بعِلْمِ اللَّهِ الْكَامِلِ، الَّذي يَعْلَمُ مَا كَانَ، وَمَا سيكونُ، وَكَيْف يَكُونُ، وبِناءً عَلَى هَذَا العلْمِ الْكَامِلِ، كَتَبَ سبحانَهُ فِي الْكِتَابِ رِزْقَ الإِنْسَانِ الَّذي سيَحْصُلُ عَلَيْهِ أثناءَ حياتِهِ حتَّى يَموتَ، وَالْعَمَلَ الَّذي سيقومُ بِه مِن خَيْرٍ وشرٍّ، وهل هُو مِن أَهْلِ الشَّقاءِ أَمِ السَّعادةِ.