عبادات قلبية


ـ الخشوع و الخضوع

و هي من العبادات القلبية التي يجب إلا تصرف إلا لله.

و قال تعالى ** ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله }الحديدـ12

و قال سبحانه ** فلا تخشوا الناس واخشون و لا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا}الأنعامـ44
قال ابن منظور في لسان العرب : "خَشَعَ يَخْشَعُ خُشُوعاً و اخْتَشَعَ و تَخَشَّعَ رمى ببصره نحو الأَرض وغَضَّه وخَفَضَ صَوته
و الخضوع : هو التواضع و التطامن و قيل الخشوع قريب من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن و الصوت

الذل و الانكسار

اعلم أخي المسلم إن الذل لله عزة، و التواضع لله رفعة ، و اعلم إن الشرف المؤمن قيام الليل و عزه استغناؤه عن الناس، فلتكن بما في يد الله أوثق مما في يدك، ** ولله العزة و لرسوله و للمؤمنين } المنافقون81

فلا تذل نفسك إلا لله و لا تحني جبهتك لسواه

الإخبات

قال في اللسان ** أخبت إلى ربه} أي : اطمأن إليه

قال تعالى ** إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات واخبتوا هم فيها خالدون} هودـ23

و قال أيضا ** و ليعلم الذين أتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم} الحجـ54

و قال أيضا ** فإلهكم اله وادح فله اسلموا و بشر المخبتين} الحج 34

قال الحافظ بن كثير رحمه الله : يذكر الله تعالى حال المشركين به في الدنيا و حالهم في دار الآخرة حيث جعلوا له أندادا أي: أمثالا و نظراء يعبدونهم معه و يحبونهم كمحبة الله و هو الله لا إله إلا هم، و لا ضد له و لا ند و لا شريك معه



المحبة

قال تعالى ** و من الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله و الذين آمنوا أشد حبا لله} البقرةـ165

و قال الحافظ ابن كثير رحمه الله
يذكر الله تعالى حال المشركين به في الدنيا و حالهم في دار الآخرة، حيث جعلوا له أندادا، أي : أمثالا و نظراء يعبدونهم معه و يحبونهم كمحبة الله، و هو الله لا إله إلا هو، و لا ضد له و لا ند، و لا شريك معه.

و في صحيحين عن ابن مسعود قال : قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال : أن تجعل الله ندا و هو خلقك

و قوله تعالى ** الذين آمنوا اشد حبا لله} البقرةـ165 و لحبهم له تمام معرفتهم به و توقيرهم و توحيدهم له لا يشركون به شيئا: بل يعبدونه وحده و يتوكلون عليه و يلجئون في جميع أمورهم إليه.

يقول الشيخ الحافظ حكي عن هذه الآية ** الذين آمنواأشد حبا لله} القرةـ165 اخبرنا الله عز و جل أن عباده المؤمنين اشد حبا له، و ذلك لأنهم لم يشركوا معه في محبته أحدا كما فعل مدعو محبته من المشركين ، الذين اتخذوا من دونه أندادا يحبونهم كحبه و علامة حب العبد ربه : تقديم محابه و إن خالفت هواه و رفض ما يبغض ربه و إذ مال إليه هواه و موالاه من والى الله و رسوله و معاداة من عاداه وإتباع رسوله و اقتفاء أثره و قبول هداه

و كل هذه العلامات شروط في المحبة لا يتصور وجود المحبة مع عدم شرط منها و قال الله تعالى ** أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا} الفرقانـ43 الحقيقة عبد هواه

قال الله تبارك و تعالى {أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفانت تكون عليه وكيلا} الفرقانـ43

فكل من عبد مع الله غيره؛ فهو في الحقيقة عبد هواه.

علامات المحبة

و لقد ذكر الله علامات المحبة من يحبهم و يحبونه في كتابه فقال ** يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكفار يجاهدون في سبيل الله و لا يخافون لومة لائم} المائدة 54

فقد ذكر لهم ربع علامات

الأولى : أذلة على المؤمنين أي : رحماء بهم مشفقين عليهم

الثانية : أعزة على الكافرين أي : أشداء على الكفار رحماء بينهم

الثالثة : الجهاد في سبيل الله بالنفس و المال و اليد و اللسان

الرابعة : أنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم و ذلك لأن محب الله تبارك و تعالى لا بد ان يلقي اللوم بل والاستهزاء وصور السخرية فمن ذاق محبة الله عز وجل فلا يتأثر بذلك او يتراجع عن الحق الذي هو متمسك به من اجل لوم ألائمين أو استهزاء المستهزئين و عليه ان يثبت على الحق و لا يستوحش من قلة المسالكين و لا يتغير بكثرة الهالكين

ما هي المحبة

اعلم أخي المسلم أن المحبة لا توصف و إنما يعلم حقيقتها من ذاقها و شعر بحلاوتها فأنس بقرب ربه فصفى قلبه و زكت نفسه

الأسباب الجالبة لمحبة الله

قراءة القرآن بالتدبر و التفهم لمعانيه وما أريد به

التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض
دوام ذكره على كل حال بالقلب و اللسان و العمل

إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى

مطالعة القلب لأسمائه و صفاته و مشاهدتها و معرفة آثارها و تقلبه في رياض هذه المخرفة و ميادينها

مشاهدة بره و إحسانه و نعمه الظاهرة و الباطنة

انكسار القلب بين يديه

الخلوة وقت النزول الإلهي و تلاوة كتابه ثم ختم ذلك بالاستغفار

مجالسة المحبين الصادقين و التقاط أطايب ثمرات كلامهم و لا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام و كلمت إن فيه مزيدا لحالك و منفعة لغيرك

مباعدة كل سبب يحول بين القلب و بين الله عز و جل



أقسام المحبة

تنقسم المحبة إلى خمسة أنواع

القسم الأول : محبة الله

و ليس هناك طريق إلى محبة الله إلا إتباع رسوله صلى الله عليه و سلم:

قال تعالى ** قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم و الله غفور رحيمـ30ـ قل أطيعوا الله و رسوله فان تولوا فان الله لا يحب الكافرين}آل عمرانـ31ـ32

و انك لتجد كثيرا من يدعي محبة الله ثم لا يعمل بما يحبه ربنا و يرضاه، بل تجده يحاد الله و يعصيه و هذا الصنف من الناس يوبخهم الشافعي رحمه الله بقوله

تعص الإله و أنت تظهر حبه هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع


شروط المحبة الله


1ـ طاعة أوامر الله

2ـ الانتهاء عن نواهيه

3ـ تصديق ما اخبره الله، قال تعالى ** قل صدق الله}آل عمرانـ95

4ـ حُب ما يحب الله

5ـ بغض ما يبغض الله : {لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يودون من حاد الله و رسوله} المجادلةـ22



القسم الثاني : في محبة النبي صلى الله عليه و سلم


و هذه المحبة واجبة تابعة لمحبة الله لازمة لها، فإنها محبة الله ولأجله تزيد بزيادة محبة الله في القلب المؤمن و تنقص بنقصها


موالاة أولياء الله

و الولي هو من اتصف بصفتي الإيمان و التقوى

قال تعالى ** ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون ـ62ـ الذين آمنوا و كانوا يتقون} يونس 62ـ63

معاداة أعداء الله

قال تعالى ** يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعضهم أولياء بعض و من يتولهم منكم فانه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} المائدة ـ 51

العمل بكتاب الله

قال تعالى ** إن أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} النساء ـ 105


القسم الثاني : محبة النبي صلى الله عليه و سلم

و هذه المحبة واجبة ، تابعة لمحبة الله ، لازمة لها ، فإنها محبة لله و لأجله، تزيد بزيادة محبة الله في قلب المؤمن، و تنقص بنقصها

عن انس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث منكن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواه ، و إن يحب المرء لايحبه إلا لله، و أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذا أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار

و عنه أيضا إن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده و الناس أجمعين

شروط محبة النبي صلى الله عليه و سلم

1ـ طاعة ما به أمر : قال تعالى ** و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} النساء 64

2ـ الانتهاء عما عنه نهي و زجر قال تعالى ** و من يعص الله و رسوله و يتعد حدوده يدخله نار خالدا فيها و له عذاب مهين} النساءـ 14

3ـ تصديق ما به اخبره و هذا تمام الإيمانية

4ـ التشبه به صلى الله عليه و سلم ظاهرا و باطنا قال تعالى ** لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر} الأحزابـ 21
5ـ الصلاة عليه عند ذكره صلى الله عليه و سلم قال تعالى ** إن الله و ملائكته يصلون على نبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما} الأحزابـ56

القسم الثالث : محبة الله

و هي محبة أنبياء الله و رسوله و إتباعهم من المؤمنين الصادقين و محبة ما يحبه الله من الأعمال و الأزمنة و الأمكنة و هذه تابعة لمحبة الله بل هي من المستلزمات الإيمان

فعن أبي امامة رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من أحب الله و ابغض في لله و أعطى لله فقد استكمل الإيمان

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : من أحب أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا لله

و عن براء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن و لا يبغضهم أي منافق فمن أحبهم أحبه الله و من ابغضهم ابغضه الله

القسم الرابع : محبة مع الله

و هي محبة الشركية : قال تعالى ** من الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله و الذين آمنوا اشد حبا لله} البقرة ـ156

ومن هنا يتبين ضلال أولئك الذين يتمسحون بقبور الصالحين و يخرون على أعتابهم بحجة انهم يحبونهم، فهذا حب شركي

القسم الخامس : المحبة الطبيعية

كمحبة الأهل و الولد و غيرها من الأشياء الني فطر الإنسان على حبها{ فطرت الله التي فطر الناس عليها} الروم ـ30

و هذه المحبة مباحة و لكن إذا أعانت على طاعة ؛ صارت طاعة في نفسها و اذا كانت على معصية صارت معصية و إلا ظلت على الإباحة

قال تعالى ** يا أيها الذين آمنوا ان من أزواجكم و أولادكم عدوا لكم فاحذروهم} التغابين ـ14



ومن العبادات القلبية أيضا التوكل

التوكل : هو اعتماد القلب على الله في جلب المنافع و دفع المضار و هذا لا ينافي لأخذ بالأسباب لأن ترك الأسباب قدح في التشريع والاعتقاد في الأسباب قدح في التوحيد

قال تعالى ** و على الله فالتوكلوا إن كنتم مؤمنين}المائدةـ23

و قال سبحانه ** و من يتوكل على الله فهو حسبه} الظلاقـ4

و قال تعالى ** و قال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} يونسـ84

و هذا الآية جعلها ابن القيم دليل صحة الإسلام التوكل و كلما قوي الإيمان العبد كان توكله اقوي و إذا ضعف الإيمان العبد ضعف التوكل و إذا كان التوكل ضعيف كان دليلا على ضعف الإيمان و لا بد

والله يجمع بين التوكل و العبادة و بين التوكل و الإيمان، و بين التوكل و التقوى، و بين التوكل و الإسلام، و بين التوكل و الهداية

فظهر أصل لجميع المقامات الإيمان و الإحسان و لجميع أعمال الإسلام وان منزلته منها كمنزلة الجسد من الرأس فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن فكذلك لا يقوم الإيمان و مقاماته و أعماله أي على ساق التوكل

الإنابة

وهي التوبة النصوح ـ و الرجوع إلى الله تبارك و تعالى

و قال سبحانه ** و أنيبوا إلى ربكم و اسلموا له } المزمل ـ54

قال تعالى ** و الذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها و أنابوا إلى الله لهم بشرى فبشر عباد} الزمرـ17

الإستعانة

قال تعالى ** إياك نعبد و إياك نستعين} الفاتحةـ5

و قال صلى الله عليه و سلم{ إذا سالت فسال الله و إذا استعنت فاستعن بالله}

الخوف

قال تبارك و تعالى ** لمن خاف مقام ربه جنتان} الرحمنـ46

و قال تعالى{و يرجون رحمته و يخافون عذابه} الإسراءـ 57

و قال النبي صلى الله عليه و سلم : و الذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، و لبكيتم كثيرا، و ما تلذذتم بالنساء على الفرشات، و لخرجتم إلى الصعدات تجأرون

و قال أيضا : من خاف أدلج بلغ منزل، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة