الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه

أما بعد:



الغيبة:
عرفها العلماء بأنها اسم من اغتاب اغتياباً،


إذا ذكر أخاه بما يكره من العيوب وهي فيه،

فإن لم تكن فيه فهو البهتان، كما في الحديث:


"قيل ما الغيبة يا رسول الله؟


فقال: ذكرك أخاك بما يكره،

قيل: أفرأيت إن كان
في أخي ما أقول؟

قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته،


وإن لم يكن فيه فقد بهته" رواه مسلم.


والغيبة محرمة بالكتاب والسنة والإجماع،


وعدَّها كثير من العلماء من الكبائر،

وقد شبه الله تعالى المغتاب بآكل لحم أخيه ميتاً


فقال: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)

[الحجرات: 12].



ولا يخفى أن هذا المثال يكفي مجرد تصوره في الدلالة على


حجم الكارثة التي يقع فيها المغتاب،

ولذا كان عقابه في الآخرة من جنس ذنبه في الدنيا،


فقد مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ليلة عرج به ـ ب

قوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم،

قال: فقلت: "من هؤلاء يا جبريل؟


قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم"

والأحاديث في ذم الغيبة والتنفير منها كثيرة.


وأسبابها الباعثة عليها كثيرة منها:
الحسد، واحتقار المغتاب،


والسخرية منه، ومجاراة رفقاء السوء،


وأن يذكره بنقص ليظهر كمال نفسه ورفعتها،


وربما ساقها مظهراً الشفقة والرحمة،


وربما حمله عليها إظهار الغضب لله فيما يَدَّعي..

إلى غير ذلك من الأسباب.





وأما علاجها فله طريقان:

طريق مجمل،


وطريق مفصل كما ذكر الغزالي


فالأول:



أن يتذكر قبح هذه المعصية، وما مثل الله به لأهلها،


بأن مثلهم مثل آكلي لحوم البشر، وأنه يُعرِّض حسناته إلى

أن تسلب منه بالوقوع في أعراض الآخرين،

فإنه تنقل حسناته يوم القيامة إلى من اغتابه بدلاً عما

استباحه من عرضه،


فمهما آمن العبد بما ورد من الأخبار في الغيبة لم يطلق

لسانه بها خوفاً من ذلك.


أما طريق علاجها على التفصيل:

فينظر إلى حال نفسه،


ويتأمل السبب الباعث له على الغيبة فيقطعه،

فإن علاج كل علةٍ بقطع سببها.


فإن وقع العبد في هذا الذنب فليرجع إلى الله سبحانه


وليتب إليه،

وليبدأ فليتحلل ممن اغتابه، ففي الحديث عن النبي


صلى الله عليه وسلم

قال: "من كانت له عند أخيه مظلمة من عرضه أو

شيء فليتحلله


اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل

صالح أخذ منه بقدر مظلمته،


وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه"


متفق عليه من حديث أبي هريرة،

فإن خشي إن تحلله أن تثور ثائرته ولم يتحصل


مقصود الشارع من التحلل،


وهو الصلح والألفة، فليدع له، وليذكره بما فيه من الخير

في مجالسه

التي اغتابه فيها، ومما ينبغي التنبه له أن الشارع أباح


الغيبة لأسباب


محددة من باب الدخول في أخف المفسدتين دفعا لأعظمهما وهي:



الأول:


التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي،

وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه.


الثاني:


الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب،


فيقول لمن يرجو قدرته، فلان يعمل كذا فازجره عنه.


الثالث:


الاستفتاء، بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي


بكذا فهل له كذا؟ وما طريقي للخلاص ودفع ظلمه عني؟



الرابع:


تحذير المسلمين من الشر، كجرح المجروحين


من الرواة والشهود والمصنفين، ومنها: إذا رأيت من

يشتري شيئاً معيباً ،

أو شخصا يصاحب إنساناً سارقاً أو زانيا أو ينكحه قريبة له ،

أو نحو ذلك ، فإنك تذكر لهم ذلك نصيحة، لا بقصد

الإيذاء والإفساد.


الخامس:


أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، كشرب الخمر


ومصادرة أموال الناس،


فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر.


السادس:


التعريف، فإذا كان معروفاً بلقب:

كالأعشى والأعمى
والأعور والأعرج

جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به تنقيصاً.

ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى .

وقد نص على هذه الأمور الإمام النووي في شرحه لمسلم ،

وغيره. والله أعلم.

أما الهمز واللمز:

فهما من أقسام الغيبة المحرمة،


فالهَّماز بالقول،


واللمَّاز بالفعل، قال الإمام الغزالي:


الذكر باللسان إنما حُرِّم لأن فيه

تفهيم الغير نقصان أخيكَ، وتعريفه بما يكرهه،


فالتعريض به كالتصريح،

والفعل فيه كالقول، والإشارة والإيماء


والغمز والهمز والكتابة والحركة،

وكل ما يُفهم المقصود فهو داخل في الغيبة، وهو حرام.

ومن ذلك قول عائشة رضي الله عنها:

"دخلت علينا امرأة فلما ولت أومأت بيدي: أنها قصيرة،

فقال عليه السلام: اغتبتها" أخرجه ابن أبي الدنيا

في كتاب الغيبة.

أما النميمة:


فهي السعي للإيقاع في الفتنة والوحشة،

كمن ينقل كلاماً بين صديقين،

أو زوجين للإفساد بينهما، سواء كان ما نقله حقاً وصدقاً،

أم باطلاً وكذباً، وسواء قصد الإفساد أم لا،

فالعبرة بما يؤول إليه الأمر،


فإن أدى نقل كلامه إلى فساد ذات البين فهي النميمة،


وهي محرمة بالكتاب والسنة والإجماع، فأما الكتاب فقد


قال تعالى: (هماز مشاءٍ بنميم) [القلم: 11].


أما السنة فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين


فقال: "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير،

أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة،

وأما الآخر فكان لا يستتر من البول" متفق عليه،


وروى أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه


عن أبي الدرداء

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟

قالوا: بلى قال: إصلاح ذات البين،


فإن إفساد ذات البين هي الحالقة".


وأما الإجماع فقد قال ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر:


قال الحافظ المنذري أجمعت الأمة على تحريم النميمة،

وأنها من أعظم الذنوب عند الله ـ عز وجل ـ انتهى.


وليحذر المسلم هذا الداء العضال، وليجعل بينه وبينه جُنَّة تقيه


لفح جهنم وحرها يوم القيامة، وليسع في الإصلاح ما استطاع.

والله أعلم





خطر الغيبة والنميمة

قال رسول الله:
( إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة،
ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا،
وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته،
فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه،
ثم طرح في النار!
) صحيح مسلم (2581)


فكم بهذه الألسنة عُبد غير الله تعالى وأشرك
وكم بهذه الألسنة حُكم بغير حكمه سبحانه وتعالى
كم بهذه الألسنة أُحدثت بدع.. وأُدميت أفئدة.. وقُرحت أكباد
كم بهذه الألسنة أرحام تقطعت.. وأوصال تحطمت.. وقلوب تفرقت
كم بهذه الألسنة نزفت دماء.. وقُتل أبرياء.. وعُذب مظلومون
كم بها طُلّقت أمهات.. وقذفت محصنات
كم بها من أموال أُكلت.. وأعراض أُنتهكت.. ونفوس زهقت

يموت الفتى مـن عثـرة بلسانـه

وليس يموت المرء من عثرة الرجل


هذه محاضرة لاحد المشايخ وهي على لسانه ..:
في يوم من الأيام ألقيتُ محاضرة في أحد السجون.. جُمع فيها السجناء في المسجد الكبير قرابة 500 أو الألف سجين ..
انتهيت المحاضرة.. أول ما انتهيت قال أحد الأخوة الذين كانوا مرافقين لي
قال: يا شيخ هنا الجناح الخاص بأصحاب القضايا الكبيرة والجناح الانفرادي
لم يحضروا معك المحاضرة فليتك أن تمر بهم وتلقي عليهم كلمة
وتجيب على أسئلتهم إن كان عندهم أسئلة
قلت: حسناً ..


أقبلنا فإذا مجموعة كل واحد في زنزانة خاصة به.. مررنا بهم..
ألقيت عليهم كلمة يسيرة ثم أجبت على أسئلتهم ..
مررت في أثناء ذلك بزنزانة فيها شاب عمره تقريبا 23 سنة
أو في الخامسة والعشرين سنة تقريبا كان جالساً هادئاً في زنزانته،
مررت به وسلمت عليه كان هادئاً لطيفاً ثم تجاوزته، سألت صاحبي
قلت: ما قضيته؟! يعني هو عليه سرقات أم مضاربة مع أحد أو أدت
إلى قتل ذلك الشخص مثلاً ما قضيته؟!
قال: هذا الشاب يا شيخ عليه جريمة قتل لزوجته..
قلت: قتل لزوجته! ما هو السبب؟!
قال: هل تصدق أنهما ما مضى على زواجهما إلا قرابة ثلاثة أشهر وقتلها
قلت كيف قتلها أعوذ بالله يعني كمثل وجدها على فعل معين أو محرم أو فاحشة
أو وجدها مع رجل مع أنه لا يجوز أنه يعاملها بالقتل بمثل هذه المواقف
لكن أحيانا أن بعض الناس يثور ويتهور ويضربها بشيء فتموت بسببه
قال: لا، ذبحها بالسكين
إنا إليه راجعون.. كيف؟!
قال: هذا تزوج وسكن مع زوجته على أحسن حال..
حقد عليه مجموعة من الناس ربما بينه وبينهم مشاكل في القديم أو
أنهم كانوا يريدون أن يتزوجوا هذه الفتاة، المقصود أنهم حقدوا عليه
فأقبل إليه أحدهم فقال له: يا فلان
قال الشاب: ما تريد؟
قال: أنت اشتريت سيارة خضراء بدل سيارتك؟
وذكر له أحد أنواع السيارات
الشاب: لا ، أنا والله ما اشتريت، أنا سيارتي السوداء التي معي تعرفونها
قال: والله ما أدري لكن أنا أمس الضحى وأنت في العمل خرجت في حاجة
ومررت أمام بيتك ورأيت سيارة خضراء واقفة عند الباب فخرجت امرأة
من بيتك وركبت معه وبعد ساعتين رجعت إلى البيت،
أنت عندك يمكن في البيت أحد يمكن...
قال الشاب: لا والله ما فيه إلا زوجتي حتى ما عندي خادمة ولا عندي أحد
قال: ما أدري إن شاء الله ما تكون زوجتك.. ومضى..

بعدها بيومين الرجل بدأ يشك يسأل زوجته: فيه أحد جاء ، فيه أحد ذهب..

بعدها بيومين، ثلاثة، أقبل إليه رجل آخر قد اتفق مع الأول
فقال له: يا فلان
قال نعم
قال: أنت غيرت سيارتك، اشتريت سيارة بيضاء؟
قال: لا والله هذه سيارتي تحت واقفة
قال: والله ما أدري بس أنا أيضا أمس العصر يبدو إنك ما كنت في البيت،
فيه سيارة بيضاء وقفت عند الباب وأقبلت امرأة وركبت معها وذهبت.
جعلوا الرجل ينتفض ..

ثم جاءوا إليه في اليوم الثالث وزادوا عليه الكلام..

جاءوا إليه في اليوم الرابع ..

- أنظر كيف الألسنة تحدث من عقوق وقطيعة –

فلا زالوا به حتى تخاصم مع زوجته وأكثر عليها الكلام وهي صرفت عليه
قالت: كيف تتهمني في عرضي، قال نعم أتهمك اعترفي،
ما أعترف..... كثر الكلام فذهبت إلى بيت أهلها..

لبثت عند أهلها أياما فلم يرضهم ذلك!

أقبلوا إليه قالوا: يا أخي ترى السيارات نفسها الآن تقف عند بيت أهلها،
بكرى البنت تحمل وبعدين تقول هذا ولدك.
أنت لست رجلا أنت ما عندك مروءة أنت تلعب بعقلك الفتاة
والله لو كنت رجل لو أنك.... الخ.............. فلم يزالوا
يعينون الشيطان عليه بالوساوس حتى تغلب عليه الشيطان في ليلة من الليالي
فخرج من بيته ومضى إلى بيت أهلها وقفز من فوق السور ودخل إلى البيت
والكل النائم، مضى إلى المطبخ وأخذ سكيناً ثم مضى إلى غرفتها
ودخلها بهدوء وإذا الفتاة نائمة في أمان الله قد نامت على بطنها في أمان الله
على فراشها فأقبل من خلف رقبتها وأبعد شعرها قليلا وذبح حتى قطع أوداجها..
انتفضت قليلا وماتت.. مسح السكين بثيابه وتركها وذهب إلى الشرطة
وقال أنا قتلت فلانة! أدري أني سأتعب لو هربت وسوف ألاحق في كل مكان
من الآن أنا قتلتها لكن بردت ما في قلبي! ..
وحكم عليه بالقصاص.. النفس بالنفس..

شاب يا جماعة لو ترونه يعني من أحسن الشباب خلقة وأقواهم بدنا
لكن بكثرة ما وقع من ألسنة أولئك الظلمة الفجرة
أنظر كيف تحولت الأمور، قد هُتكت بها أعراض وهدمت بيوت
بسبب ما يخرج من هذا اللسان
( يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا
أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين
)

وهؤلاء الظلمة غير أنهم اكتسبوا اثما عظيما اثم الغيبة والنميمة
فإنهم أيضا فرقوا بين زوجين وهناك حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم
يقرر أن من فرق بين زوجين لا ينظر الله إليه يوم القيامة.
وكذلك قذفوا المسلمة المحصنة بالزنا والعياذ بالله من ذلك

-- قذف المحصنات من كبائر الذنوب --


لقد حرّم الله تعالى على المسلم الاستطالة في عرض أخيه المسلم
( و سواء في هذا الحكم الرجال و النساء ) .
قال تعالى :
( وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ
مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَ إِثْمًا مُبِينًا
) [ الأحزاب : 58 ] .


و المعنيّون بالوعيد في هذه الآية هم الذين يستطيلون في أعراض المسلمين ظلماً
و عدواناً ( أي ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه و لم يفعلوه
" فقد احتملوا بهتاناً و إثماً مبيناً "
و هذا هو البَهت الكبير : أن يحكيَ أو ينقل عن المؤمنين و المؤمنات
ما لم يفعلوه على سبيل العيب و التنقص لهم )
كما قال ابن كثيرٍ في تفسيره .
و قال جلّ و علا :
( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا
فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
) [ النور : 23 ] .
قال ابن جرير :
( نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة فِي شَأْن عَائِشَة ,
وَ الْحُكْم بِهَا عَامّ فِي كُلّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَ صَفَهُ اللَّه بِهَا فِيهَا .

وَ إِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلاته بِالصَّوَابِ ; لأَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ :
" إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلات الْمُؤْمِنَات "
كُلّ مُحْصَنَة غَافِلَة مُؤْمِنَة رَمَاهَا رَامٍ بِالْفَاحِشَةِ ,
مِنْ غَيْر أَنْ يَخُصّ بِذَلِكَ بَعْضًا دُون بَعْض ,
فَكُلّ رَامٍ مُحْصَنَة بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الآيَة
فَمَلْعُون فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَة وَ لَهُ عَذَاب عَظِيم ,
إِلا أَنْ يَتُوب مِنْ ذَنْبه ذَلِكَ قَبْل وَفَاته , فَإِنَّ اللَّه دَلَّ بِاسْتِثْنَائِهِ
بِقَوْلِهِ : " إلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَ أَصْلَحُوا "
عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْم رَامِي كُلّ مُحْصَنَة بِأَيِّ صِفَة كَانَتْ الْمُحْصَنَة الْمُؤْمِنَة الْمَرْمِيَّة ,
وَ عَلَى أَنَّ قَوْله :
" لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَة وَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم "
مَعْنَاهُ : لَهُمْ ذَلِكَ إِنْ هَلَكُوا وَ لَمْ يَتُوبُوا ) .
و روى أبو داود في سننه و أحمد في مسنده بإسنادٍ صحيحٍ عَنْ ‏ ‏سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ
‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏:
( ‏إِنَّ مِنْ ‏ أَرْبَى ‏ ‏الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ ‏ ‏فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ‏) .
و المنهي عنه في هذا الحديث هو إطالة اللسان ‏ في عرض المسلم ؛
باحتقاره و الترفع عليه , و الوقيعة فيه بنحو قذفٍ أو سبٍ ,
و إنما يكون هذا أشد تحريماً من المراباة في الأموال لأن العرض أعز
على النفس من المال ‏، كما قال أبو الطيب العظيم آبادي في
( عون المعبود ) .
و لمّا كان القذف من أشنع الذنوب ، و أبلغها في الإضرار بالمقذوف و الاساءة إليه ،
كان التحذير منه في القرآن الكريم شديداً ،
و مقروناً بما يردع الواقع فيه من العقوبة .
قال تعالى :
( وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ النور : 4 ] .

قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية :
( يقول تعالى ذكره : و الذين يشتمون العفائف من حرائر المسلمين , فيرمونهن بالزنا ,
ثم لم يأتوا على ما رموهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول يشهدون عليهن أنهم
رأوهن يفعلن ذلك , فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة ,
و لا تقبلوا لهم شهادة أبداً , و أولئك هم الذين خالفوا أمر الله
و خرجوا من طاعته ففسقوا عنها ) .
و قال الحافظ ابن كثيرٍ رحمه الله :
( هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة ؛
و هي : الحرة البالغة العفيفة فإذا كان المقذوف رجلا فكذلك يجلد قاذفه أيضا ،
وليس فيه نزاع بين العلماء ..

.
و أوجب الله على القاذف إذا لم يُُقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام :

أحدها : أن يجلد ثمانين جلدة .

الثاني : أنه ترد شهادته أبداً .

الثالث
:
أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند الله و لا عند الناس ) .
و القذف الذي يوجب الحد هو الرمي بالزنا أو اللواط أو ما يقتضيهما
كالتشكيك في الأنساب و الطعن في الأمّهات تصريحاً على الراجح
( و هو مذهب أبي حنيفة و الشافعي ) ، لا تعريضاً و لا تلميحاً
( خلافاً لمذهب الإمام مالك و من وافقه ) ،
إلاّ إن أقرّ المعرّض بأن مراده هو القذف الصريح .

قال الإمام القرطبي في تفسير آية النور :
( للقذف شروط عند العلماء تسعة :
شرطان في القاذف ؛
و هما : العقل و البلوغ ; لأنهما أصلا التكليف , إذ التكليف ساقط دونهما .


و شرطان في الشيء المقذوف به ,
و هو : أن يقذف بوطء يلزمه فيه الحد , وهو الزنى و اللواط ;
أو بنفيه من أبيه دون سائر المعاصي .

و خمسة من المقذوف ؛ و هي : العقل و البلوغ و الإسلام و الحرية
و العفة عن الفاحشة التي رمي بها ، كان عفيفاً من غيرها أم لا ) .

قلتُ : و الحال المذكورة في السؤال هي من قبيل الطعن في الأعراض
بالتعريض و التلميح ، و تعتبر قذفاً موجباً للحدّ عند المالكيّة ،
و لا تعتبر كذلك عند الحنفيّة و الشافعيّة كما تقدّم ،
و في كلتي الحالتين فإن الوقوع في الأعراض بالتلميح أو التصريح من الذنوب الكبائر ،
الموجبة للتوبة و استباحة من تسببت في الإساءة إليه ،
قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مالٌ و لا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ .

و التوبة من القذف كالتوبة من الغيبة من حيث حكمها و كيفيّتها و شروط قبولها ،
و قد بسطناها في مكان آخر ، فليرجع إليها من أراد الاستزادة .
هذا ، و الله المستعان ، و عليه التكلان
و الحمد لله ربّ العالمين .

لما أقبل موسى الأشعري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستنصحاً
قال: يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟
وفي رواية أي المسلمين خير؟
- ما قال صلى الله عليه وسلم خير المسلمين قوام الليل ولا قال
خير المسلمين صوام النهار ولا قال خير المسلمين الحجاج والمعتمرون
أو المجاهدون لا ، ترك كل هذه الفضائل مع حسنها
وقال: ( خير المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده )
وفي البخاري قال عليه الصلاة والسلام:
(إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان،
تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا،
وإن اعوججت اعوججنا
) رواه الترمذي.

كان السلف يدققون على كلامهم المباح فضلاً عن الكلام المحرم
جلست عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها يوماً قبيل صلاة المغرب
وهي صائمة وأذن لصلاة المغرب فأقبلت إليها الجارية قالت فيما معنى قولها:
يا أم المؤمنين أقرب إليك المائدة وكانت عائشة ليست بجائعة ولا عطشانة
وهذا يقع أحيانا لبعض الصائمين....
فقالت عائشة: والله ما لي بالطعام حاجة لكن قربي المائدة نلهو بها
ثم قالت عائشة أستغفر الله أستغفر الله ألهو بنعمة الله!
مع أنها تقصد " ألهو" يعني آخذ من هنا قليلا،
من هذا قليلا فقط لأجل أن أفطر عليه
قالت: أستغفر الله ألهو بنعمة الله ثم بكت ثم جعلت تجمع ما عندها من مال
واشترت به عبدين مملوكين وأعتقتهما لوجه الله توبة من هذه الكلمة!
وهذه يا جماعة وهي ما اغتابت أحد ولا سبّت ولا لعنت ولا كفرت بكلمة..
مجرد تقول تسلى بالطعام..

والإمام أحمد رحمه الله دخل مرة يزور مريضا فلما زاره
سأل الإمام أحمد هذا الرجل قال: يا أيها المريض هل رآك الطبيب؟
قال: نعم ذهبت إلى فلان الطبيب
فقال أحمد: اذهب إلى فلان الآخر فإنه أطب منه " يعني أعلم بالطب منه"
ثم قال الإمام أحمد: أستغفر الله أراني قد اغتبت الأول
أستغفر الله أستغفر الله
- المفروض أنه ما يقال إنه أفضل منه فيقال: جرّب فلانا -