الحمو الموت

يتساهل كثير من الأزواج مع أقربائهم أو أصدقائهم، فيسمحون لهم بالدخول – ثقة فيهم – علي زوجاتهم والاختلاء بهن ومجالستهن، وهذا – في الحقيقة – سوء تصرف منهم؛ لأن أكثر الفتن التي تؤدى الي زعزعة أركان الأسرة وتصديع بنيانها ، إنما تأتي من قبل هؤلاء بسبب التساهل معهم. والحكم نفسه ينطبق على قريبات وصديقات الزوجة في علاقاتهن بالزوج، فلا يجوز الاختلاء بهن.
والأمثلة على خطورة ذلك في الحياة الواقعية أكثر من أن تحصي .
لهذا وغيره ، قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :"إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ على النِّسَاءِ"، فقال رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قال :"الْحَمْوُ الْمَوْتُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
والحمو بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالواو قال في القاموس: حمو المرأة وحموها وحمها وحموها، أبو زوجها ومن كان من قبله، والأنثى حماة، وحمو الرجل أبو امرأته أو أخوها أو عمها أو الأحماء ومن قبلها خاصة .
ولمسلم عن أبي الطاهر عن بن وهب قال: سمعت الليث يقول: الحمو أخو الزوج وما أشبه من أقارب الزوج ابن العم ونحوهم.
ويستعمل لفظ الحمو عند بعض الناس في أبي الزوج وهو محرم من المرأة لا يمتنع دخوله عليهما؛ فلذلك فسره الليث بما يزيل هذا الإشكال وحمله على من ليس بمحرم فإنه لا يجوز له الخلوة بالمرأة.


والحديث دليل على تحريم الخلوة بالأجانب.
وقوله :"إياكم والدخول على النساء"، مخصوص بغير المحارم وعام بالنسبة إلى غيرهن.
ولا بد من اعتبار أمر آخر وهو أن يكون الدخول مقتضيا للخلوة أما إذا لم يقتض ذلك فلا يمتنع. وأما قوله عليه السلام :"الحمو الموت" فتأويله يختلف بحسب اختلاف الحمو، فإن حمل على محرم المرأة كأبي زوجها فيحتمل أن يكون قوله "الحمو الموت" بمعنى أنه لا بد من إباحة دخوله كما أنه لا بد من الموت. وإن حمل على من ليس بمحرم فيحتمل أن يكون هذا الكلام خرج مخرج التغليظ والدعاء؛ لأنه فهم من قائله طلب الترخيص بدخول مثل هؤلاء الذين ليسوا بمحارم؛ فغلظ عليه لأجل هذا القصد المذموم بأن دخول الموت عوضا من دخوله زجرا عن هذا الترخيص على سبيل التفاؤل والدعاء كأنه يقال من قصد ذلك فليكن الموت في دخوله عوضا من دخول الحمو الذي قصد دخوله ويجوز أن يكون شبه الحمو بالموت باعتبار كراهته لدخوله وشبه ذلك بكراهة دخول الموت.
وقوله"إياكم والدخول" بالنصب على التحذير وهو تنبيه للمخاطب على محذور ليحترز عنه كما قيل: إياك والأسد.
وقوله "إياكم" مفعول بفعل مضمر تقديره اتقوا، وتقدير الكلام : اتقوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء والنساء أن يدخلن عليكم .
وفي رواية عند مسلم :"لا تدخلوا على النساء "، وتضمن منع الدخول منع الخلوة بها بالطريق الأولى.


قال النووي: المراد في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه لأنهم محارم الزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت . قال: وإنما المراد الأخ وبن الأخ والعم وبن العم وبن الأخت ونحوهم مما يحل له تزويجه لو لم تكن متزوجة .
وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي.
وما قاله النووي جزم به الترمذي وغيره .
وقال القرطبي: المعنى أن دخول قريب الزوج على امرأة الزوج يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة أي فهو محرم معلوم التحريم.
وإنما بالغ في الزجر عنه وشبهه بالموت لتسامح الناس به من جهة الزوج والزوجة لإلفهم بذلك حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة .
فخرج هذا مخرج قول العرب :"الأسد الموت، والحرب الموت"، أي لقاؤه يفضي إلى الموت . وكذلك دخوله على المرأة قد يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو إلى الرجم إن وقعت الفاحشة .
وأخرج الترمذي بلفظ :"لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان.
وَعِلَّةُ التَّحْرِيمِ ما في الحديث من كَوْنِ الشَّيْطَانِ ثَالِثَهُمَا هو أن حُضُورِهِ يُوقِعُهُمَا في الْمَعْصِيَةِ. وَأَمَّا مع وُجُودِ الْمَحْرَمِ فَالْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ جَائِزَةٌ لامْتِنَاعِ وُقُوعِ الْمَعْصِيَةِ مع حُضُورِهِ. وَاخْتَلَفُوا هل يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ في ذلك كَالنِّسْوَةِ الثِّقَاتِ، فَقِيلَ: يَجُوزُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ .
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ وهو ظَاهِرُ الحديث.
وأخرج مسلم عن جابر مرفوعا بلفظ :"ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم ".
وفي الباب عن ابن عباس أخرجه الشيخان بلفظ :"لا يدخل رجل على امرأة ولا يسافر معها إلا ومعها ذو محرم.

***
وبناء على ما سلف يتبين لنا حدود المسموح والممنوع فى الزيارات الأسرية و الاختلاط بين الرجال والنساء؟
ولا يجوز للزوج إرغام زوجته على مخالطة الأصدقاء والاختلاء بهم، وما قلناه سالفا ينسحب على الوجه الآخر من الصورة ...صديقة الزوجة وعلاقتها بالزوج، فحكم صديقة الزوجة هو قياسا حكم الحمو لا يجوز الاختلاء بها، ولا التساهل في علاقتها بالزوج؛ فحكمها حكم الأجنبية.
وعلى الزوجة أن تقاطع الصديقة التى تتجاوز الحدود مع زوجها ، كما عليها أن تقاطع من تغازل زوج صديقاتها؛ فهي غير مأمونة!
والقاعدة العامة التي تحكم كل هذه العلاقات هو قاعدة " سد الذرائع".