هل مصر هبة النيل أم هبة السماء؟!..



نهر عظيم كمنت منابعه في المرتفعات العالية شرقي القارة الأفريقية، لينتهي انصباباً في البحر الأبيض المتوسط، قاطعاً مسافات شاسعة تنوف عن الستة آلاف كيلو مترٍ، مشكلاً حوضاً مائياً بمساحة ثلاثة ملايين من الكيلو مترات المربعة، ماراً بأوغندة والحبشة والسودان ومصر، بغزارة تقارب مليونَ مترٍ مكعبٍ باليوم، إنه أطول أنهار العالم، ألا إنه حقاً بحر!.


لو كان حوض الأبيض المتوسط فارغاً من المياه، وجُمعت المياه التي تجري متدفقة طوال العام في نهر النيل، وصُبَّت في هذا الحوض البحري الجاف لأعادت البحر ممتلئاً بالمياه كما كان بل لزادت عليه، فيعتبر النيل والحالة هذه بحراً خضمّاً من المياه العذبة.


وتحمل مياهه كميات كبيرة من المواد المترسبة الآتية من مجاريه العليا، ليلقي بها على ضفاف مجراه طوال موسم الفيضان، تكون هذه الرسوبيات سبباً في خصب وغنى أراضي ذلك الوادي (واديه السعيد)، وهي مواد طينية تنشأ من تحاتِّ الصخور في هضبة الحبشة والمجرى الأعلى للنهر، وعندما تضعف سرعة جريان المياه، وخاصة في المناطق السهلية القليلة الانحدار، يبدأ النهر بالتخلي عن حمولته من جلاميد وحصى ورمال، لتبقى الذرَّات الناعمة الدقيقة من التراب والطين عالقة بالمياه حتى قرب مصبه، مشكلة الترب اللحقية الخصبة، وهي التي تشكل القسم الأكبر من أراضي دلتا النيل.


ولحاجة الإنسان إلى المياه سعى للحصول عليها طوال العام، وبرزت إمكانية الاستفادة من الري، وتأمين المياه اللازمة للزراعة في غير أوقات الفيضان.


لذا شُقت الترع والأقنية، وجرت المياه إلى أماكن لم تكن تصلها من قبل، فأضحت أراضٍ زراعية كثيرة تنعم بالمياه في أوقات غير أوقات الفيضان.


تُرى كل هذه الإمكانيات والجهود المبذولة، وكل هذا الكم الهائل من المياه العذبة، هل أجدت نفعاً حين انقطع ماء السماء؟!.


عجباً لِمَ لَم تُجْدِ؟!. فلا نبت ولا زرع ولا ثمر وذلك عندما أخذ الله:
{.. آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (130) سورة الأعراف، هل جفت مياه النيل ؟!. وأصبح ذلك اليم العظيم ساقية أو دون ذلك؟!. طبعاً لا.



إذن ما السر في عدم جدوى هذا النهر العظيم، الذي أطلق عليه تعالى كلمة: "اليم" لشدة غزارته في سني الجفاف؟!.


وكذلك ما حلَّ في عهد سيدنا يوسف عليه السلام ( عزيز مصر) من قحط شامل ومحل كامل، بعد أن لبث في السجن بضع سنين، واستكمل نضوجه وأصبح أهلاً للإرشاد، أراد تعالى أن يخرجه من السجن، وأن يبوِّئه المرتبة العالية التي أعدها له، والتي كان عليه السلام حقيقاً بها وأهلاً لها.


وقد أجرى تعالى ذلك بصورة تظهر معها للناس أهلية هذا النبي الكريم لتسنم هذه الوظيفة، والقيام بأعباء تلك المهمة " رئاسة الوزارة ووزارة المالية ".


تم ذلك حين رأى الملك في نومه رؤيا أهمه أمرها جداً، وما استطاع الملأ حوله من مستشارين ورجال دين أو كهنة أن يجدوا لها تأويلاً .


ترادف العلماء المفسرون لتأويلها، فعجزوا وغدوا حيارى. {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ..} (43) سورة يوسف،ضعفاء.{ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ،قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ..}: جمع أحلام، خربطة منامات:{.. وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ}:لا علم لنا.


هنالك وفي غمرة هذا الهم المحدق بالملك، قام رجل كان في السجن مع سيدنا يوسف عليه السـلام، وذكر للملك ما وقع من صدقه عليه السلام في تعبيره وتأويله للرؤيا التي رآها ذاك الرجل، إذ رأى أنه يعصر خمراً، وكيف وقع عليه ما نبأه به من خروجه من السجن وعودته للبلاط الملكي، والعمل بعصير الخمر للملك ذاته، وكيف تنبأ بصلب الذي كان معه وأكل الطير من رأسه، ووقوع كل ذلك دلالة على عظيم علم يوسف عليه السلام، ثم استأذن بالذهاب إلى السجن، ليأتي بالتأويل الصحيح لرؤيا الملك التي أهمته : {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ..}: بعد أن سأل الملك أمةً من المفسرين:{.. أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ،يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}:وقد فهَّم الله تعالى سيدنا يوسف ما تعنيه هذه الرؤيا، وراح سيدنا يوسف بدوره يعلم الرجل بتأويلها. {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا..} (47) سورة يوسف: بصورة متتالية وبصرف غاية الجهد،{.. فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ..}:لأن القمح إذا ظل في سنبله لا يتسرب إليه السوس وغيره من الحشرات، ولو بقي في سنبله عشرات السنين فلن يسوِّس أبداً، ( ولقد قمنا بترك القمح /30/ سنة كاملة بسنبله فلم يفسد أبداً، وبقي صالحاً للأكل، ولدينا سنابل عديدة في دارنا منه ). {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ .. } (48) سورة يوسف: لا مطر فيها .


{.. يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ..}: من السنوات الخصبة {.. إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ..}: تُبقون للبذار: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ ..} (49) سورة يوسف: بمطر غزير،{.. وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}:يستنفدون كل ما عندهم. فلا تبقى عندهم مؤونة، إذ لا يُبقون شيئاً.


ذاك ما حصل فعلاً، فلقد حُبس المطر بعد سبع سنين خصبة ترفل بالعطاء والنماء بهطول الأمطار الغزيرة، ثم تلتها سبع سنين ولم تنزل قطرة ماء من السماء، ولم ينبت زرع إطلاقاً، ولم يمتلئ ضرع. والناس آنذاك يقْدُمون إلى مستودعات المملكة لأخذ الميرة والمؤونة ... طوال تلك السنوات السبع العجاف. وغدا يوسف عليه السلام وزيراً للمالية مع رئاسة الوزارة، فأصبح: {.. عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ ..} (55) سورة يوسف: حفيظاً عليها عليماً بتدبير شؤونها .


كانت الأعطيات من مخزون القمح التي توزع تحت إشراف ومشاهدة سيدنا يوسف عليه السلام بالحق والاستحقاق، فلا ظلم ولا محاباة ولا اختلاسات، فالنقص مهما كان صغيراً بوجود مستودعات ضخمة لمنتجات سبع سنين خصبة لا يظهر طيلة أربع أو خمس سنين، ولكن في الأيام الأخيرة من السبع العجاف قد يكون فقدان حمل بعير من مخزون الميرة سبباً بهلاك عائلة بأسرها جوعاً.


لهذا طلب سيدنا يوسف عليه السلام هذه الوظيفة (وزارة المالية)، لعلمه بالخطر المحدق الآتي بالسبع سنين الشداد التي لا مطر فيها، فحافظ على أرواح الناس أن تزهق، بأمانته على عدم التفريط بسنبلة قمح.


وبعد أن استنفدوا كل ما لديهم من مؤونة، أتاهم الله بالمطر غوثاً لهم، فنبتت مزروعاتهم مكللة بالعطاء، ونمت وازدهت الأشجار بالأثمار، وأعشبت النجاد والوهاد، لقد أتاهم الله بالغمام، يحيي به ما قد مات، ويردُّ به ما قد فات، نما الزرع وامتلأ الضرع، وانتشى العباد، وأحيا ماءُ المطر الميِّت من البلاد.


ولكن هنا يكمن التساؤل والاستغراب : لماذا أجدبت أرض مصر سبع سنوات عجاف، وفيها النيل العظيم ومياهه الغزيرة ؟!


الحقيقة تظهر وتتجلى من قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (22) سورة الذاريات.


فإن لم تنزل الأمطار في البلاد ولو لمرة واحدة في العام فلن تثمر النباتات والأشجار، وإن كانت نضرة بخضرة الحياة ( مسقية بماء بئر أو ماء نهر )، ومهما كرست الجهود لاستجرار المياه من الأنهار وحفر الآبار، دون مطر، لن ينعقد الثمر.


فمن آياته تعالى لك أيها الإنسان : {.. وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً ..}: لا حياة فيها، ساكنة، {.. فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}(5) سورة الحـج. وبدون هذا الماء السماوي وإن اهتزت الأرض لماء أرضي وإن ربت، لكنها لن تنبت من الأزواج المثمرة البهية، أي: لن يحصل الإلقاح وعقد الثمار، فلا حبوب ولا ثمرات.


إذن، فعلى هذا الماء المنزل من السماء تتوقف الحياة، وهل من أحد غيره تعالى ينزل المطر المحمَّل بالحياة؟. فلولا المطر، لما كانت الثمار والحبُّ ومنتجات الفواكه والخضار، ولو توفرت مياه الأنهار.


هكذا رتب تعالى ترتيباً كونياً كاملاً، يتحقق به النتاج المثمر للنبات، حيثُ يُنزل تعالى الأمطار وبقطراتها تنزل الحياة ( الحيوينات )، ضمن مقادير معينة قدَّرها تعالى لكل منطقة وكل مكان حسب الاستحقاق، من بعد أن يسوق السحاب بالرياح اللواقح، تلقح السحب ببعضها البعض، فترى الودق يخرج من خلالها بلطف ورقة ودقة، إنه الود الإلهي لعباده بمقاديره الدقيقة.


إذن: فهذا الماء المنزل من السماء يكون به إخراج الحبوب والنبات والأثمار، وبهذا الماء المنصب تُحتوى أنواع الحيويات المختلفة، التي تكوِّن التركيب الأساسي للنباتات والأشجار حتى يحصل الانتاج، رغم اختلاف هذه الثمرات وتمايزها عن بعضها بعضاً من حيث تركيبها وطعمها ولونها وشكلها وحجمها ومنافعها


فمن الذي وضع في ماء المطر ما وضع من حيويات ؟!.


ولكن الله تعالى يبتلي عباده عند اقترافهم الأعمال السيئة وشذوذهم عن سبل الإنسانية بحبس المطر، وبالتالي بنقص الثمرات، فتحبس البركات، وتغلق خزائن الخيرات: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ،الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } (155-156) سورة البقرة ، {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (21) سورة السجدة


مداواة منه تعالى لهذا الغافل عن ذكره سبحانه، ليقوده إلى الإقبال عليه بوجهة صادقة، استئصالاً لجرثوم الخبث من النفس، وتطهيراً لها من تلك النواة التي تسبب تولد الشهوات المحرمة.


فالحرمان من المطر جعله تعالى لتخاف العباد وتخشى الحرمان من الرزق، ليتوب تائب إلى ربه، ويقلع مقلع عن ذنبه، ويتذكر متذكر ما غفل عن ذكر ربه، وقد جعل تعالى التوبة والإنابة والاستغفار لشفاء النفس من العلل والأمراض، وسبباً لإدرار الرزق، ورحمة منه للخلق: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ..} (96) سورة الأعراف. و: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ ..}:زكيتم عن الثمرات :{.. وَآمَنتُمْ }(147) سورة النساء.


{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا ..} (28) سورة الشورى: قاموا بكل الوسائل والأبحاث والتقنيات، وحفروا الآبار ظناً منهم أنهم استغنوا عن ماء السماء ،فعادوا خاسرين بعد أن وقفوا على حافة الهلاك، فلم يبق زرع ولا ضرع، ولا حتى حشرة صغيرة. فاستغاثوا الله، فأغاثهم بماء ملأ الوهاد وأصاب النجاد، وعادت الحياة. لقد صب بالماء إكسير الحياة صباً، وإذا بالأرض بعد أن كانت هامدة خالية من جوهر الحياة قد اهتزت طرباً، بما أغدق عليها تعالى بالماء من حياة، وأنبتت من كل زوج بهيج، وإذا بها بعد أن كانت جرداء قفراء، أضحت عامرة بالخيرات، تضج فيها الكائنات، وتكتسي بالمروج الخضراء والكلأ، وتنبت فيها الجنات المنوعات، دانية قطوفها على البشر، وخيراتها وثمراتها المختلفة الألوان والأشكال، متنافسة بالطعوم والمذاقات الشهية، المعرِّفة بكرمه تعالى، والدالة على لا إله إلاَّ الله.


وإليك قصة واقعية جرت في عهد وحدة سوريا ومصر أثبتت ما قلناه، حينما قام بعض السادة الوزراء هداهم الله، يرفضون ماء السماء، نظراً لما ابتدع الغرب من آلات وحفارات تحفر وتنقب في الأرض ما يزيد عن /3000 / متر بحثاً عن الماء.


عندها وبعد إعلانهم على الملأ قولهم: " استغنينا عن ماء السماء " اعتزازاً بما استوردوا من آليات التنقيب الحضارية حُبس المطر عن منطقة حوران بسورية الحبيبة طوال عهد الوحدة وحتى الانفصال لمدة ثلاث سنوات عجاف هن سنين كسنيّ يوسف عليه السلام، منذ عام /1958/ إلى نهاية عام /1961/ لم تهطل قطرة ماء من السماء فما أفادتهم هذه الحضارة وحفَّاراتها الضخمة التي تحفر لعمق /3000/ متر شيئاً، بل غار الماء فلم يبق أثر له، وما أغنت عنهم، وتشرد الرجال هنالك إلى الشام والى بقية الأقطار، ابتغاء رزقهم وذويهم، كيلا يموتوا جوعاً حين حبس ماء السماء .


بدأت وزارة الزراعة ووزارة الشؤون القروية يومياً بإرسال العشرات من صهاريج الماء للقرى العطشى للشرب فقط، كيلا يموت الناس هناك، ولكن أحد المزارعين استغل محركه المائي، وعجباً خرج الماء بما يكفي أرضه الشاسعة فقط، لكن وحين آن أوان القطاف، لم يجد في سنابل قمحه حبة قمح واحدة، فأخذ يقلِّب كفيه من الحزن على ما أنفق، ولم يكسب إلا سنابل لا قمح فيها، ولو هطل المطر مرةً واحدة بالسنة لامتلأت السنابل بالحب، لكنها لم تمطر فلم تثمر ولن تثمر، ولو سقيت بمياه النيل الخضم.


وهكذا نستطيع أن نفهم وندرك جواباً للتساؤل الذي طرح نفسه علينا، فنعلم أنه لم يكن ماء نهر النيل العظيم ليحل المشكلة أثناء سني المحل في عصر سيدنا يوسف عليه السلام ( سبع سنوات من الجدب وانقطاع المطر )، ولولا الترتيب الذي أوحاه تعالى لسيدنا يوسف عليه السلام في تأويله لرؤيا الملك، لهلك القوم، وكذلك في عصر سيدنا موسى عليه السلام، عندما كان تعالى يشدِّد على قوم فرعون بالقحط وانقطاع المطر، يركضون إلى السيد العظيم موسى عليه السلام ليدعو لهم ربه أن يرفع عنهم هذه الشدة بالرغم من نهر النيل الدفاق الغزير .


فقد أنقذهم سيدنا يوسف وموسى عليهما السلام من الموت المحتوم، فمعنى ذلك أن مصر الحبيبة هبة السماء، وليست هبة النيل، حتى النيل في أصله هبة السماء من منبعه من القطب الجنوبي، فماء المطر فيه سر عظيم، ولا يمكن لمياه الأنهار أو الآبار أن تغني عنه إذا لم تهطل السماء، فإن هطلت السماء ولو لمرة واحدة في سني القحط فإنها تُجدي مع وجود مياه الآبار والأنهار، أما إن لم تهطل فلا جدوى، رغم مياه الأنهار والآبار، وإن نبت هيكل الزرع، فلا ثمر ولا حبوب، ولا فاكهة ولا غذاء.



إذن الخير كل الخير جعله تعالى من السماء، وهذه المخلوقات التي يخلقها تعالى لنا من ثمار وحبوب وبقول وغيرها من الفواكه والخضروات، مقسومة للأرض بمياه السماء، التي تعج بالحيويات والحياة في كل عام .


حقاً: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (22) سورة الذاريات


والحمد لله رب العالمين