نبذ الجفوة والغلظة

ما أحوجنا إلى الكلمة الطيبة التي جعلها نبينا صدقة وما أحوجنا إلى البسمة الطيبة التي قال فيها نبينا صلى الله عليه وسلم:{تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ}{1}

ما أحوجنا إلى أن ننْبذ الجَفوة والغِلْظة في معاملة إخواننا وقد سمعنا الله يقول لنبينا {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران159

حتى بلغ من معاملته الطيبة صلى الله عليه وسلم هذه الشهادة التي شهدها خادمه أنس بن مالك الذي خدمه عشر سنين وقال في نهاية المدة: {خَدَمْتُ رَسُولَ الله عَشْرَ سِنِينَ فَما قَالَ لِي أُفّ قَط ، وَمَا قَالَ لِشَيءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَه؟ وَلاَ لِشَيءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ؟}{2}

ولما أشتد عليه زوجاته في المطالبة بحقوقهن، جمعهن وأمسك بالسواك وقال: {لَوْلاَ الْقِصَاصُ لَأَوْجَعْتُكِ بِهذَا السِّوَاكِ}{3}

وهل يوجع السواك في ضربه؟ ومع ذلك فلم يثبت أنه ضرب واحدة منهن مرة واحدة في حياته كلها ، وعندما رأى جارية واقفة تبكى أخذته الشفقة عليها فذهب نحوها وقال: ما يبكيك؟ فقالت: أرسلني أهلى بإناء فوقع من يدي فانكسر ، فأخاف منهم أن يضربوني ، فأخذها صلى وذهب معها إلي أهلها ، وقال لهم: {لاَ تَضْرِبُوا إِمَاءَكُمْ عَلَى كَسْرِ إِنَائِكُمْ فَإِنَّ لَهَا آجَالاً كَآجَالِكُمْ}{4}

آداب عالية وأخلاق راقية ليتنا في هذه الأيام نطالع سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنى أعجب لمن يدرسّون علم الاتيكيت ، كيف غاب عنهم هذه الأحوال في سلوك رسول الله؟ وهل يجدون مثله أو ما يشابهه أو ما يقاربه عند غيره؟ كلا ، إنه كما قال حسان بن ثابت رضى الله عنه وأرضاه في شأنه:

وأجمل منك لم تر قط عيني وأكمل منك لم تلد النساء
خُلقت مُبرّءاً من كل عيب كأنك قد خُلقت كما تشاء


قال صلى الله عليه وسلم: {أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ ، آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إلاّ تَحْتَ لِوَائِي ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ وَلاَ فَخْرَ}{5}

وقال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي فَلَهُ أَجْرُ مِائَةِ شَهِيدٍ}{6}

علينا في هذه الأيام أن نطالع الأخلاق المحمدية والأوصاف النبوية ، كلنا والحمد لله قد حفظ سيرته وقد علم مسيرته لكننا جميعاً نحتاج إلى هيئته وإلى حلمه وإلى حنانه وإلى عطفه وإلى شفقته وحنانته وإلى معاملاته صلى الله عليه وسلم للآخرين حتى نحتذى حذوه ونكون خلفه صلى الله عليه وسلم فيكرمنا الله بما أكرمه به من العزة والتمكين