المعاصي تزرع المعاصي
مناط ذلك هو أن الرجل إذا عمل بمعصية الله ابتدره الشيطان و ابتعد عنه الملك، فلا يدل الشيطان إلا على شر و معصية و إثم ومهلكة، لذلك صدق سهل بن عاصم حين قال: عقوبة الذنب الذنب.
تماما كحلقات السلسلة يشد بعضها بعضاً، أو كحبات العقد الواحد إذا سقطت منه حبة انفرط العقد و سقطت باقي الحبات.
وكان ابن القيم موفقاً حين اقسم فقال: تالله ما عدا عليك العدو[ الشيطان{ إلا بعد أن تولى عنك الولي ] الملك[ فلا تظن الشيطان غلب ولكن الحافظ أعرض.
و الطاعات مثل ذلك
و إذا عمل العبد بطاعة الله ابتدره الملك و ابتعد عنه الشيطان فلا يدله الملك إلا على طاعة وخير وتزكية و بر، و لذلك قالوا: الطاعة ولود، وثواب الطاعة... الطاعة.
فإذا رأيت الرجل يعمل الطاعة فاعلم أن لهذه الطاعة عنده أخوات، و اسمع إلى انتباه خليد العصري إلى هذا المعنى و اغتنامه لإقتراب الملائكة منه عقب طاعته، فيشهدهم على صالح عمله ليرفعوه إلى الله مباشرة.
كان خليد العصري يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم يغلق بابه و قد اطمأن على أن الملائكة ابتدرته و الشياطين اجتنبته، فينادي على الملائكة المقربين فيقول: مرحباً بملائكة ربي، و الله لأشهدنكم اليوم من نفسي خيراً...خذوا:بسم الله... سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر، و لا يزال كذلك حتى تغلبه عيناه، أو يخرج إلى الصلاة!!.



شؤم على الخلق كلهم
ليت العاصي يضر نفسه فحسب، لكنه يضر كل من حوله... الإنس والجن و الإنسان والحيوان و الشجر والحجر، فذنبه متعدي الضرر و إن بدا في ظاهره أنه لم يؤذ غيره و لم يصب أحداً بسوء.
صحح أبو هريرة هذا الفهم الخاطئ حين سمع رجلاً يقول: إن الظالم لا يظلم إلا نفسه.
قال أبو هريرة: كذبت، و الذي نفسي بيده إن الحبارى [ نوع من الطيور]لتموت في وكرها من ظلم الظالم.
و ليس أبو هريرة وحده من أصحاب رسول الله من يؤكد هذا، فهذا أنس بن مالك يقول: كاد الضب يموت في جحره هزلاً من ظلم بني آدم.
و لذلك وبسبب ذنب ابن آدم و إصراره على ذنب هو تعدي ضر ذنبه تتأذى الخلائق كلها فتستنصر عليه العظيم و تستعدي عليه الجليل، فتطلب من الله أن يحرمه من نعمته و يطرده من رحمته و يلعنه..
قال مجاهد في تفسير قول الله عز وجل:" و يلعنهم اللاعنون":
* دواب الأرض و العقارب و الخنافس منعت القطر [ المطر] بخطاياهم*
لطيفة:
قال فقيه العراق ابن شبرمة: عجبت للناس يحتمون من الطعام مخافة الداء، و لا يحتمون من الذنوب مخافة النار.
عجبا لك!
• تضيع منك حبة فتبكي، و تضيع منك الجنة و أنت تضحك!
• لو كنت بالمال الحرام أكسى من الكعبة، لم تخرج من الدنيا إلا أعرى من الحجر الأسود !!
• الدنيا حلم والموت يقظة، ويوم الحساب تفسير الأحلام.
• الدنيا بحر و ساحله المقبرة، و قد اقتربت مركب نفسك من الشاطئ.
• علمت كلبك أن يترك شهوته في تناول ما صاده شكراً لنعمتك و خوفاً من سطوتك، وكم علمك الله ورسوله، و أنت كما أنت!!
إيقاظة نبوية
و لا شيء يوقظ العقل من سكرته، و ينبهه من نومته مثل ذكر النار، لذا عمد النبي في حالات فساد العقل، و غياب الوعي إلى ذكر هذه الكلمة [ النــــار].
* ففي حالة التخلف عن صلاة الجماعة يقول : "والذى نفسى بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها،ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم".
* و في حالة لبس الرجال الذهب يقول: "يعمد أحدكم إلى جمرة من النار فيجعلها في يده".
* و في حالة أكل أموال الناس بالباطل يقول رسول الله : "إنكم تختصمون و إنما أنا بشر ، و لعل بعضكم أن يكون أعلم بحجته من بعض فاقضي له بما أسمع منه،فأظنه صادقاً ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنها قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها".
كل هذا لأنه عليه الصلاة والسلام بنا رؤوف رحيم يلفح وجوهنا بكلامه عن النار بدلاً أن تلفح وجوهنا غداً ألسنة النار.
و العاقل من إذا وصلته رسالة الإنذار أورثته الإعتذار، فيرد على جواب التهديد بالرجوع إلى توبته بالتجديد.
أخي الغافل:
يا من باع الجنة بأبخس الثمن، إذا لم تكن لك خبرة بقيمة السلعة فاسأل جموع الصالحين فهم الخبراء المثمنون، فيا عجباً من بضاعة وهبك الله إياها هي نفسك و مالك ثم منك اشتراها، ووعدك في المقابل جنة الخلد ، والسفير الذي جرى على يده عقد البيع هو النبي ، فكيف بالله عليك بعتها بعد ذلك لغير الله بثمن بخس و بجزء يسير من دنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة؟!



موت القلب
قال ذلك زين القرآن محمد بن واسع:
الذنب على الذنب يميت القلب.
و لهذا لما قيل لسعيد بن المسيب: إن عبد الملك بن مروان قال: قد صرت لا أفرح بالحسنة أعملها و لا أحزن على السيئة أرتكبها، قال : الآن موت قلبه.
و ليست هذه علامة موت القلب الوحيدة، بل هناك علامات أخرى منها:
* الفرح بالذنب و المجاهرة به.
* البشاشة للقاء أهل المعاصي.
* الإنقباض لرؤية أهل الطاعة.
* الإصرار على الذنب دون التعجيل بالتوبة.
* عدم الحزن على فوات الطاعة.
* عدم إنكار المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب.
أخي العاصي... مازلت أناديك و أقول:

و نبه فؤادك من نومـه فإن الموفق مــن ينتبه
و إن كنت لم أنتبه بالذي وعظت به فانتبه أنت به

يسير الذنب يقتل!!!
قال ابن الجوزي: لا تحتقر يسير الذنب، فان العشب الضعيف يفتل منه الحبل القوي فيختنق منه الجمل السمين.



هوان حق الله على العبد
لأن الذنب يجرئ العبد على حدود الله، فيألف قلبه العصيان و انتهاك محارم الله، خاصة إذا انمحت من ذاكرته مترادفات كلمة [توبة].
و لذلك لما رأى أنس بن مالك رضى الله عنه جيل التابعين قال: إنكم لتعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله من الموبقات.
و إنما كانت كذلك ، في- أعينهم – لأن إيمانهم جلى الغشاوة عن بصيرتهم فعلموا قدر الله و عظمته.
فانطلق أحدهم ينصحك: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
بل كان حذيفة بن اليمان رضى الله عنه يقول:
« إن الكلمة كان الرجل في مجلس رسول الله يحسب بها من المنافقين، أسمعها اليوم في المجلس الواحد أربع مرات».
منافق أنت أم مؤمن؟!
قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه،و إن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال له هكذا فطار.
هذا هو ميزان ابن مسعود رضى الله عنه الذي أمرنا النبي بإتباعه، و قال: "وماحدثكم ابن مسعود فاقبلوه".
و نحن نصدق ما أمرنا به رسول الله أن نصدقه و نسألك: كيف ترى ذنبك؟ هل تراه في أصل جبل يوشك أن يقع عليك؟ أم تراه كذباب تهشه من على أنفك؟.
واجه نفسك، فإليك أوجه الخطاب، و أشير بأصبع العتاب.
أخي العاصي... أنت الذي بيدك أن تنجو أو تهلك، كلما عظم الذنب في قلبك صغر عند الله.. و كلما هان عليك عظم عند الله، فعظم الله في قلبك يعظم عليك ذنبك لتثبت بذلك أنك مؤمن، و إلا.. كتبت اسمك في سجل المنافقين.