آداب تلاوة القرآن الكريم



(1-6)



ينبغي لقارئ القرآن أن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالى، فيراعي الأدب مع القرآن، ومع كلامه سبحانه ، ومن الآداب التي ينبغي مراعاتها وتعاهدها :‏

1-الإيمان بالقرآن الكريم:


فيجب الإيمان به، وبكل ما جاء فيه، وأنه كلام الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، والإيمان بأنه محفوظ لا يتطرق إِليك أدنى شك في ذلك ، قال تعالى : { ياأَيها الَذين ءامنوا ءامنوا بِالله ورسوله والكتاب الذي نَزّل علَى رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بِالله وملائكته وكتبِه ورسله واليوم الآخرِ فقد ضل ضلالا بعيدًا} [ النساء : 136 ] .
والإيمان به من أركان الإيمان كما في حديث جبريل - عليه السلام- . رواه مسلم (8).







2- الإخلاص لله تعالى:


بأن يريد بقراءته وجميع عباداته وجه الله - عز وجل-، والتقرب إليه دون أي شيء آخر، من مال ، أو رياسة ، أو وجاهة ، أو ارتفاع على أقرانه ، أو ثناء عند الناس ، أو صرف وجوه الناس إليه ، أو غير ذلك .
قال تعالى: { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } [البينة: 5].‏
‎‎ وقال - صلى الله عليه وسلم-: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) .‏
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: ‏ ( إن أول الناس ‏ ‏يقضى ‏ ‏يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب ‏ على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب ‏ على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله ‏ عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو ‏ ‏جواد، ‏فقد قيل، ثم أمر به فسحب ‏ على وجهه ثم ألقي في النار ) رواه مسلم (1905) .
وكان أبو هريرة - رضي الله عنه- عندما يروى هذا الحديث يسقط مغشيا عليه خوفا أن يكون من الصنف الثاني ، فأين نحن من الإخلاص في نياتنا.
والمرء لا يستفيد من القرآن إلا على بقدر إخلاصه ، فمتى كان الباعث على تلاوة القرآن هو حب الله تعالى، وبغية التقرب إليه، ونيل رضاه، كان ذلك مدعاة للتأثر بما يقرأ الإنسان ويتلوه، وأما إذا كان الباعث هو المراءاة، وطلب المنزلة عند الناس، وأن يقال ياله من قارئ؛ فإن ذلك سبب للبعد عن الله ومجلبة لسخطه .



3- تلاوته على طهارة:


فيستحب أن يقرأ القرآن وهو على طهارة، فإن قرأ محدثاً جاز بإجماع المسلمين، فإن لم يجد الماء تيمم.
وأما الجنب فإنه يحرم عليه قراءة القرآن عند الجمهور.
والحائض يجوز لها قراءة القرآن على الأرجح؛ لعدم الدليل الصحيح الصريح على المنع ، وقياسها على الجنب فيه نظر.
لكن لا يمس المحدث المصحف بل يقرأ من حفظه ، أما مسّ المصحف فلا يجوز إلا على طهارة ، وقد جاء النهي عن مسه إلا لمتطهر مصرحاً به في الكتاب الذي كتبه النبي - صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم وفيه: (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) رواه مالك وغيره .




آداب تلاوة القرآن الكريم


(2-6)


1. التسوك:


استعمال السواك عند تلاوة القرآن الكريم من وسائل الطهارة والنظافة التي ينبغي عدم إهمالها، فهو مستحب؛ لأن فيه تعظيماً للقرآن الذي هو كلام الله - عز وجل-، ولأن الملائكة تدنو منه عند تلاوته للقرآن .
ففي الحديث عن أبي بكر - رضي الله عنه- مرفوعا: ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ) رواه النسائي (5) وابن ماجه (285) وأحمد1/10 وعلَقه البخاري .


2. الاستعاذة من الشيطان الرجيم:


‏ إذا أراد الشروع في القراءة فإنه يستحب له أن يستعيذ، لقوله تعالى: { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } [النحل: 98] أي: إذا أردت القراءة.‏
‎‎ وصفة الاستعاذة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
ومعنى الاستعاذة : الالتجاء إلى الله - سبحانه وتعالى- والاعتصام به - عز وجل- .
ويجهر بالاستعاذة إذا كان بحضرة من يسمعه، لأن الجهر بالتعوذ إظهار شعار القراءة ، وحتى ينصت السامع للقراءة من أولها فلا يفوته منها شيء .‏
‎‎ وإذا قطع القراءة، أو فصلها بفاصل وطال استأنف الاستعاذة .




3. أن يحافظ على البسملة:


أي تسمية الله تعالى عند الشروع في التلاوة ، فيقول بعد الاستعاذة : بسم الله الرحمن الرحيم .
وهذا الأدب من آكد الآداب ، فإن البدء باسم الله تعالى من سنن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم-، وهي أيضا منبهة إلى استحضار معية الله - سبحانه وتعالى-، الأمر الذي ينتج عنه الخشوع عند التلاوة .
ويستحب أن يحافظ على قراءة البسملة في أول كل سورة سوى براءة ؛ فإنها ليس في أولها بسملة .



1-قراءته وحفظه:


فعلينا أن نعتني بقراءته، ونداوم على ذلك، قال صلى الله عليه وسلم : ( اقرؤوا القرآن ؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ) . رواه مسلم.
وقال تعالى مثنياً على من كان ذلك دأبه:{ يتلون آيات الله آناء الليل }[آل عمران:113].‏
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ حرفاً من كتاب اللّه فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول " ألم " حرف ، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرف ، وميمٌ حرف ) رواه الترمذي (2910) وقال: حديث حسن صحيح .
وينبغي أن يكون للمسلم ورد يومي يتلو فيه كتاب الله تعالى حتى يختمه، وليحرص أن يختمه كل شهر مرة أو أكثر، ولا ينشغل عن قراءته بما لا ينفع.
‎‎ويستحب إذا فرغ من ختم القرآن أن يشرع في أخرى عقيب الختمة ، وكان ذلك دأب السلف الصالح .‏

وليحرص المسلم على حفظه، أو حفظ ما تيسر منه، قال تعالى واصفاً القرآن : { بل هو ءايات بيّنات في صدورِ الَذين أوتوا العلم } [ العنكبوت : 49 ] . فوصف الحفاظ بأنهم من أهل العلم ، وحفظه سُنة أئمة الدين ، من الصحابة والتابعين ، ومَن بعدهم إلى يومنا هذا.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ) رواه أبو داود (1252)، والترمذي (2838)، وقال: هذا حديث حسن صحيح .




2- تعاهد القرآن وتكرارختمه:

فينبغي للحافظ مراجعته، وتعاهد قراءته، حتى لا يتفلت منه، قال صلى الله عليه وسلم : ( تعاهدوا القرآن ، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشدّ تفلّتا من الإبل في عقلها ).رواه البخاري (5033)، و مسلم (791).
وحرص المسلم على ترديد ما حفظ من القرآن في قيامه وقعوده ، وذهابه وإيابه، أحد مجالات التنافس المحمود ، ومن علامات شكر الله على هذه النعمة ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنتين : رجل علّمه الله القرآن ، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار) . رواه البخاري



1/ ترتيل القرآن:


لقوله تعالى: { ورتل القرآن ترتيلا }.
والترتيل في القراءة : الترسل فيها، والتبيين من غير بغي . قال ابن عباس في قوله:{ ورتل القرآن ترتيلاً } قال : بيّنه تبييناً . والتبيين لا يتم بأن يعجل في القراءة ، وإنما يتم التبيين بأن يُبيِّن جميع الحروف ويوفيها حقها من الإشباع .
والفائدة المرجوة من الترتيل أنه أدعى لفهم معاني القرآن ، ولما فيه من التدبر والتفكر ، ولأنه أقرب إلى الإجلال والتوقير ، وأشد تأثيراً في القلب .
وقد اتفق العلماء- رحمهم الله تعالى- على استحباب الترتيل ، وثبت عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها نعتت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنها قراءة مفسرة حرفاً حرفاً . رواه أبو داود (1254)، والترمذي (2847)، والنسائي (1012) . وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب .
وقد نهي عن الإفراط في الإسراع ، ويسمى الهذرمة ، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- أن رجلاً قال له : إني لأقرأ المفصل في ركعة واحدة، فقال عبد الله بن مسعود: ( هذاً كهذ الشعر، إن أقواماً يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع فِي القلب فرسخ فيه نفع ) رواه البخاري (733) ومسلم (822) وهذا لفظ مسلم .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: ( لأن أقرأ سورة البقرة فأرتلها أحب إلي من أن اقرأ القرآن كله هذرمة ) رواه البيهقي3 /13.
وعن مجاهد أنه سئل عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران، والآخر البقرة وحدها، وزمنهما، وركوعهما، وسجودهما، وجلوسهما واحد سواء، فقال:الذي قرأ البقرة وحدها أفضل . ثم قرأ مجاهد: ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) قال : على تؤدة .
ولذا كره السلف العجلة المفرطة ؛ لأن مصلحة تدبر القرآن أولى من تكثير التلاوة في مدة أقصر لأجل تحصيل أجر أكبر . قال رجل لابن عباس: إني سريع القراءة ، وإني أقرأ القرآن في ثلاث ، فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة فأدّبرها وأرتلها ؛ أحب إليَّ من أن أقرأ كما تقول. ( ذكره ابن كثير في فضائل القرآن).
وقد سئل أنس - رضي الله عنه- كيف كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم- ؟ فقال: ( كانت مدَّاً ) ، ثم قرأ: ( بسم الله الرحمن الرحيم ) يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم . رواه البخاري





2/ السجود عند آيات السجود:‏


‏يسن للقارئ والمستمع أن يسجد للتلاوة كلما مرّ بسجدة ، سواء كان في الصلاة أو غيرها ، فإنه بذلك يرضي رّبه - عز وجل-، ويغيظ عدّوه الشيطان .‏
‎‎قال صلى الله عليه وسلم : (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويلتى ، أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأُمرت بالسجود فعصيته فليَ النار ) رواه مسلم (81) .‏





3/ تحسين الصوت بالقرآن:


وتحسين الصوت: تجميله ، وتزيينه ، والاعتناء به . وذلك ثابت من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- وقوله .
فعن البراء - رضي الله عنه- قـال: ( سمعـت رسـول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ ( والتين والزيتون ) في العشاء ، وما سمعت أحدًا أحسن صوتًا منه أو قراءة ). رواه البخاري (769) .
قال الإمام أحمد : يحسن القارئ صوته بالقرآن ، ويقرأه بحزن وتدبر . وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم-: ( ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن ) رواه البخاري (5023)، ومسلم (792) .
وفي حديث البراء - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ( زينوا أصواتكم بالقرآن ) رواه أبو داود (1468) . والمراد : تحسينه والتخشع به . والصوت الحسن يزيد القرآن حسناً .
ويستحب طلب القراءة من حسن الصوت، والإصغاء إليها،‎‎ وكان جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم- يطلبون ممن صوته حسنٌ قراءة القرآن، ويجلسون يستمعون إليه .‏
‎‎وينبغي لمن رزقه الله حسن الصوت بالقرآن أن يعلم أن الله - عز وجل- قد خصّه بخير عظيم ، وليجعل مراده حين يقرأ للناس أن ينتبه أهل الغفلة من غفلتهم ، فيرغبوا فيما رغبهم الله - عز وجل-، وينتهوا عما نهاهم ، وبهذا ينتفع بحسن صوته وينتفع الناس به .‏



1/تدبره وتفهمه وتعقل معانيه:

فينبغي قراءة القرآن بالتدبر والتفهم ، قال تعالى: { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبرواآياته } [ ص: 29] .‏
والمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض معانيه ، فكان كالمرآة يرى بها ما حَسُن من فعله وما قَبُح ، فما حذّره مولاه حَذِره ، وما خوّفه به من عقابه خافه ، وما رغّب فيه مولاه رَغِب فيه ورجاه .‏
‎‎ولا يحصل ذلك إلا بحضور القلب ، والخشوع، والتدبر للمقروء ، ‏وأن يقرأ القرآن جالساً متخشعاً بسكينة ووقار، مطرقاً رأسه ، وأن يُحضر قلبه الحزن عند القراءة، وأن يتباكى ، وأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود ، ثم يتأمل تقصيره في ذلك ، قال تعالى: { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاءومن يضلل الله فماله من هاد} [ الزمر: 23] .‏
وقد ذم الله - عز وجل- من استمع القرآن فلم يخشع له قلبه فقال: { أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون } [ النجم: 59-60] . ‏
وقراءة القرآن بتدبر وحضور قلب ، والتأثر بمعاني القرآن الكريم هذا شأن أهل العلم قديما وحديثا ، قال تعالى:{ قُل آمنوا بِه أَو لا تؤمنوا إِن الذين أُوتوا العلم من قَبله إِذا يتلى عليهِم يخرون للأذقَان سجّداً. ويقولون سبحان ربِنا إِن كان وعد ربّنا لَمفعولاً. ويخرّون للأذقان يبكون ويزِيدهم خشوعا ً} [الإسراء107-109] .
وقراءة القليل مع التدبر والتفكر فيه أفضل من قراءة الكثير من غير تدبر ولا تفكر.
قال رجل لابن عباس: إني سريع القراءة، إني أقرأ القرآن في ثلاث ؟ فقال ابن عباس: لأَن أقرا البقرة في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إليّ من أن اقرأها كما تقرأ. رواه البيهقي ‏2/396 .



2/ تعليمه وإقراؤه للناس:‏

تعليم القرآن لمن لا يعلمه من أفضل القربات والطاعات ، وقد رتَّب الله - عز وجل- عليه الأجر الكثير ، وأثنى النبي - صلى الله عليه وسلم- على معلِّم القرآن ، وجعله خير الناس وأفضلهم ، قال - صلى الله عليه وسلم-: ( خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه ).
رواه البخاري (5027) .
‎‎وقد تسابق أهل الخير والصلاح إلى هذا الفضل ، فبنوا المدارس لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وأنفقوا الأموال الطائلة لتسهيل تعلم القرآن، وحفظه على الناس، وتيسير سبله .‏ ‎‎وقد هيأ الله - سبحانه وتعالى- في كل عصر، وفي كل مصر من يحمل لواء تعليم القرآن الكريم وتدريسه ، مصداقاً لقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] . وهذا مظهر من مظاهر حفظه.‏


3/ العمل به واتباع أوامره واجتناب نواهيه:

إن المقصود الأهم من إنزال القرآن الكريم هو العمل به ، وذلك باتباع ما يأمر به ، واجتناب ما ينهى عنه.‏ فلا ينتهي الأمر عند القراءة والحفظ، بل لابد من العمل به، قال تعالى: { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } [ الزمر : 55 ] . وقال تعالى: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }[ الأنعام: 155] .
وفي صحيح البخاري من حديث رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم - الطويل - : ( قالا انطلق فانطلقنا، حتّى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفهر، أو صخرة، فيشدخ به رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر، فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتّى يلتئم رأسه، وعاد رأسه كما هو، فعاد إليه فضربه . قلت: من هذا؟ قالا: انطلق - ثم فسّرا له ذلك فقالا: -والّذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علّمه اللّه القرآن فنام عنه باللّيل، ولم يعمل فيه بالنّهار ، يفعل به إلى يوم القيامة ). رواه البخاري (1386) .
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول من يعمل بالقرآن، سئلت عائشة - رضي الله عنها- عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت للسائل: ألست تقرأ القرآن ؟ قال : بلى ، قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن . رواه مسلم (746) .
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه-: كان الرجل منا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن. رواه الطبري
فلا يليق بالمسلم أن يقيم حروف القرآن، ويضِّيع أحكامه وحدوده. لأنه بذلك يتعرّض لسخط الله وغضبه.‏
‎‎وقال أبو عبد الرحمن السلمي ( عبد الله بن حبيب ): حدثنا الذين كانوا يقرؤنا أنهم كانوا يستقرؤن من النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا تعلّموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل ، فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً . رواه الطبري .



1- لا تقل نسيت، ولكن قل أُنسيت أو نُسيت:

ودليل ذلك ما روته عائشة- رضي الله عنها- قالت: (سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رجلاً يقرأ في سورة بالليل، فقال: يرحمه الله، لقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أُنسيتها من سورة كذا وكذا) رواه البخاري (5038)، ومسلم (788).

وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (بئس ما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نُسي ) رواه البخاري (5039)، ومسلم (790). قال النووي: وهي كراهة تنزيه، وإنما نهي عن نسيتها لأنه يتضمن التساهل فيها، والتغافل عنها، وقد قال الله تعالى: (أتتك آياتنا فنسيتها).



2- جواز تلاوة القرآن قائماً، أو ماشياً، أو مضطجعاً، أو راكباً:


قال الله تعالى: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم )، وفي حديث عبد الله بن مغفل أنه قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح)، رواه البخاري (5034)، ومسلم (794). وعن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها- قالت: (إن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن ) رواه البخاري (297)، ومسلم (301).



3- البكاء عند تلاوة القرآن وسماعه:


وكلا الأمرين جاءت به السنة؛ فالأول ما رواه عبد الله بن الشخير- رضي الله عنه- أنه قال: (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل، يعني يبكي ) رواه أحمد 4/25، وأبو داود (904)، والنسائي في الكبرى 1/195، وصححه ابن حبان (665)
والثاني ما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه- قال: (قال لي النبي- صلى الله عليه وسلم-: اقرأ عليّ، قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ قال: نعم، فقرأت سورة النساء حتى أتيت على هذه الآية (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) قال: حسبك الآن. فالتفت فإذا عيناه تذرفان ) رواه البخاري (5050) .


4- استحباب الجهر بالقرآن إذا لم يترتب عليه مفسدة:

فالجهر أفضل إن لم يخف الرياء، بشرط أن لا يؤذي غيره؛ لأن العمل فيه أكب؛ ولأنه يتعدى نفعه إلى غيره؛ ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه؛ ولأنه يطرد النوم، ويزيد في النشاط.
ولكن لابد أن يراعي من حوله من مصلٍ، أو تالٍ، أو نائمٍ، فلا يؤذيهم برفع صوته، فقد روى أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- اعتكف في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: (ألا كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة ـ أو قال: في الصلاة ـ) رواه أبو داود (1332) .
وأما من يخاف الرياء فإن الإسرار في حقه أفضل؛ لأنه أبعد منه.
وينبه هنا إلى أنه لابد من النطق بالقراءة، والتلفظ بالتلاوة لحصول الأجر؛ لأنه لا يعتبر قارئاً، ولا يحصل له فضل القراءة إلا إذا تلفظ بالقرآن، ولو لم يسمع من حوله؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) رواه مسلم (804)، وغيره من الأحاديث، ولا يعتبر قارئاً إلا إذا تلفظ بذلك، كما نص على ذلك أهل العلم. وهذا لا يمنع من النظر في القرآن من دون قراءة للتدبر، وفهم المعنى.



5- الإمساك عن القراءة عند غلبة النعاس:


لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع) رواه مسلم (787)، ومعنى استعجم: أي استغلق، ولم ينطق به لسانه.
وعن عائشة - رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم؛ فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه ) رواه البخاري (212)، ومسلم (786). ومعنى يسب نفسه: أي يدعو عليها. ولأجل أن يصان القرآن عن الهذرمة والكلام المعجم.



6- استحباب اتصال القراءة وعدم قطعها:

فإذا شرع في القراءة فلا يقطعها إلا لأمر عارض أدباً مع كلام الله ألا يقطع لأجل أمر من أمور الدنيا. وكان ابن عمر - رضي الله عنهما- لا يقطع قراءته إلا لأجل نشر علم ـ وهو عبادة أيضاً ـ فعن نافع قال: كان ابن عمر - رضي الله عنهما- إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، فأخذت عليه يوماً فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان، قال: تدري فيم أنزلت؟ قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا. ثم مضى ـ أي في قراءته ـ . رواه البخاري (4526).