السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمدُ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد:

أيها الناس، اتّقوا الله تعالى وتعلّموا حدود ما أنزل الله على رسوله لتعبدوا ربكم على بصيرة وبرهان فإنه لا ﴿يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]، لا يستوي مَن يعبد الله وهو يعلم كيف يعبده ويعلم أنه يعبده على شريعة الله على سنَّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لا يستوي هذا ومَن يعبد الله وهو يجهل ذلك، ومتى علمتم حدود ما أنزل الله فاتَّقوا الله تعالى في التزام حدود الله ما استطعتم وطبِّقوها كما علمتم ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1]، لا تأخذكم في ذلك لومة لائم أو انتقاد منتقدٍ، ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 13] .

أيها الناس، إن من حدود ما أنزل الله على رسوله حدودَ صلاة الجماعة؛ حيث حدَّ للإمام فيها والمأموم ما لم يكن محدودًا في حالة الانفراد، والإمام والمأموم كل منهما مسؤول عمّا يختص به، فمِن مسؤوليات الإمام أن يحرص على إكمال الصلاة بحيث تكون مثل صلاة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في أصحابه رضي الله عنهم، ولقد بلغني أن بعض الأئمة لا يطبِّقون هذا وإنما يسرعون سرعة تمنعُ بعض المأمومين فعل بعض ما يجب حتى إن بعض المأمومين لا يستطيع أن يكمّل قراءة الفاتحة ولا يستطيع أن يطمئن في ركوعه وسجوده، يريد هذا الإمام أن يُرضيَ بعض الناس بسخط الله ولم يعلم أنه مؤتمن وأنه يجب عليه أن يصلي بالناس كما كان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يصلي بهم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «صلّوا كما رأيتموني أصلي» .
إن بعض الأئمة من خوفه من بعض المأمومين وألسنتهم لا يأتي بالسنّة على وجهها، وأضرب لهذا مثلاً في صلاة الفجر يوم الجمعة يُسن للإمام أن يقرأ في الركعة الأولى «﴿الم(1) تَنْزِيلُ«السجدة كاملة» وفي الركعة الثانية ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِكاملة» وإن بعض الأئمة الجبناء الذين يخشون الناس ولكنهم يُخلُّون بالسنّة يقسِمُ ﴿الم(1) تَنْزِيلُ﴾بين الركعتين، أو يقرأ بعضها في الركعة الأولى وبعض ﴿هَلْ أَتَى﴾ في الركعة الثانية وهذا واضح جدًّا أنه مضادة لسنَّة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أَيَظُنُّ هذا الإمام أنه أرفقُ بالمسلمين من رسول رب العالمين ؟ أم يظنُّ أن هديَهُ أكمل من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟
إذا كان عنده جبنٌ لا يستطيع معه أن يقرأ ﴿الم(1) تَنْزِيلُ﴾«السجدة كاملة» و﴿هَلْ أَتَى «كاملة» فلْيقرأ بسورٍ أخرى فالأمر واسع ولله الحمد، أما أن يقسم ما أتَمّه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يخفى ما في هذا من مضادة السنَّة، فعلى الإمام الذي يتّبع ذلك أن يتوب إلى الله، وأن يقرأ بهم ﴿الم(1) تَنْزِيلُ﴾«السجدة كاملة» في الركعة الأولى من صلاة الفجر يوم الجمعة، وفي الركعة الثانية ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ﴾«كاملة» وعليه أن يطمئن في الركوع والسجود والقيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين؛ حتى يتمكَّن الناس من فعل المستحب؛ لأنه مؤتمن على ذلك، وإذا قدِّر أن إمامًا لا يُتمّ هذا وأنه لا يدرك الإنسان معه ولو كان سريعًا قراءة الفاتحة أو الذكْر في الركوع والسجود فلْيُنصح فإن لم يستقم على السنّة فلْيبلّغ به المسؤولين؛ لأنه في هذه الحال ليس أهلاً للإمامة لإضاعته الأمانة، فإن تيسّر أن يُقام وإلا أُقيم غيره، فإن لم يتيسر فلْيطلب الإنسان مسجدًا آخر يصلي فيه حتى يُتمّ صلاته على الوجه المطلوب .
أيها الإخوة، إننا نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتَمّ الناس صلاة وأخفّهم كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «ما صليتُ وراء إمام قط أخفّ صلاة ولا أتَمّ صلاة من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم» والإنسان إذا صلى وحده فله الخيار بين أن يخفِّف أو يطوّل ولكنّه إذا صلى بالجماعة لم يكن مُخيَّرًا في ذلك بل يجب عليه أن يراعي السنَّة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ومن مسؤوليات الإمام: أن يحرص على إقامة الصفوف وتسويتها بالقول وبالفعل إذا لم يفد القول، فيأمرهم بتسوية الصفوف وإقامتها ويؤكِّد ذلك عليهم ويتوعّدهم على مُخالفتها ويُسويها بيده إن لم ينفع ذلك كما كان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يفعل هذا، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: «سوّوا صفوفكم؛ فإن تسوية الصف من تمام الصلاة» متّفقٌ عليه، وللبخاري: «فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة» ولأبي داوود: «رصّوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق» وله - أي: لأبي داوود - من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: «أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدّوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات الشيطان - يعني: الفضاء بين الرَّجلين -فإن الشيطان يدخل فيه من بين أهل الصف» قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ومَن وصلَ صفًّا وصلَه الله، ومَن قطعَ صفًّا قطعه الله» وفي الصحيحين عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أُقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بوجهه وقال: «أقيموا صفوفكم وتراصّوا» تأمّل - أيها الأخ الإمام - قول أنس رضي الله عنه: «فأقبل علينا بوجهه» يعني: لم يلتفت يمينًا وشمالاً فقط بل استدبر القبلة وأقبل إلى الناس بوجهه وقال: «أقِيموا صفوفكم وتراصوا» وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يسوِّي صفوفنا حتى كأنما يسوي القداح، حتى رآنا أنَّا قد عقلنا عنه - أي: فهمنا - ثم خرج يومًا فقام حتى كاد يكبّر فرأى رجلاً باديًا صدره من الصف فقال: «عباد الله، لتسوّنّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» أي: «بين قلوبكم» كما في رواية لأبي داوود، وهذا وعيدٌ شديدٌ على مَن لا يسوون الصفوف أن يُخالفَ الله بين قلوبهم فيختلفوا في وجهات النظر وتضيع مصالحهم بسبب اختلافهم، وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يتخلَّل الصف من ناحية إلى ناحية: يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: «لا تختلفوا فتختلفَ قلوبكم» وقال النعمان بن بشير رضي الله عنه: «كان رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يسوّي- يعني: صفوفنا -إذا قمنا للصلاة فإذا استوينا كبَّر» رواهما أبو داوود .
فتأمّلوا أيها الإخوة، تأمّلوا قوله: «فإذا استوينا كبَّر» تجدوها صريحة في أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يكبّر للصلاة حتى تُسوى الصفوف ولو طالت المدَّة؛ لأن تسوية الصف من تمام الصلاة، ولقد أدرك ذلك الخلفاء الراشدون والأئمة المتّبِعون لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ففي [ الموطأ ] عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - «أنه كان يأمر بتسوية الصف، فإذا جاؤوه فأخبروه أن قد استوت كبَّر، وكان قد وكَّل رجالاً لتسوية الصفوف» وقال مالك بن أبي عامر: «كنت مع عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقامت الصلاة وأنا أكلِّمه - يعني: في حاجة -حتى جاء رجالٌ كان قد وكّلهم بتسوية الصفوف فأخبروه أن الصفوف قد استوت فقال لي: استوِ في الصف ثم كبَّر» فهذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وفعل خلفائه الراشدين، لا يكبِّرون للصلاة حتى تستوي الصفوف، أَفَليسَ من الجدير بنا أن يكون لنا فيهم أسوة ؟ بلى واللهِ، إنه من الجدير بنا أن يكون لنا فيهم أسوة أن نأمر بتسوية الصفوف وإقامتها، وأن ننتظر فلا نكبِّر للصلاة حتى نراهم قد استووا على الوجه المطلوب، وألا نخشى في ذلك لومة لائم أو تضجّر متضجّر، ولكنْ - مع الأسف - أن كثيرًا من الأئمة أسأل الله أن يفتح علينا وعليهم، كثيرٌ منهم لا يُولون هذا الأمر عناية وغايةُ ما عنده أن يقول كلمة على العادة: «استووا، اعتدلوا» فلا يُشعر نفسَه بالمقصود منها، ولا يبالي مَن خلفه بها، ولا يأتمرون بها، تجده يقول ذلك وهم باقون على اعواججهم وتباعد ما بينهم، ولو أن الإمام شعرَ بالمقصود ونظر إلى الصفوف بعينه وانتظرهم حتى يراهم استووا كاستواءٍ كاملٍ ثم كبَّر لبرئت ذمته وخرج من المسؤولية، هذه بعض مسؤوليات الإمام في إمامته .
أما المأموم فإنه لو كان يصلي وحده لكان مُخيَّرًا بين أن يقتصر على أدنى واجب في صلاته أو يطوّل فيها وإن كان الأفضل له أن يتبع السنّة ولكنّه إذا كان مع الإمام فقد ارتبطت صلاته بصلاة إمامه، فلا يجوز أن يتقدّم على الإمام بالتكبير، ولا بالقيام ولا بالقعود، ولا بالركوع ولا بالسجود، ولا يأتي بذلك مع الإمام أيضًا وإنما يأتي به بعده مُتابعًا له فلا يتأخر عنه، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أَمَا يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار» وقال أيضًا: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه: فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لِمَن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلّوا جلوسًا أجمعون» .
ومن مسؤوليات المأموم: المحافظة على تسوية الصفوف، وأن يحذَر من العقوبة على مَن لم يسوها، وأن يحافظ على المراصَّة فيها، وسدِّ خَلَلِها، والمقاربة بينها، ووصلها بتكميل الأول فالأول، وأن يحذَر من عقوبة قطع الصفوف؛ فإن «مَن قطع صفًّا قطعه الله» وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: «لو يعلم الناس ما في النداء- يعني: الأذان -والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه- يعني: يقترعوا عليه -لاستهموا» وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «خيرُ صفوف الرجال أوّلها وشرّها آخرها»، وقال: «أتِمّوا الصف المقدم ثم الذي يليه، فما كان من نقص فلْيكن في الصف المؤخّر» رواه أبو داوود، ورأى في أصحابه تأخّرًا وفي لفظ: رأى قومًا في مؤخّر المسجد: «تقدّموا فأتِمّوا بي وليأتم بكم مَن بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخّرهم الله عزَّ وجل»، فهل ترضى - أيها الأخ المسلم - أن تكون في مؤخّر الصفوف مع تمكنك من أولها ؟ هل ترضى لنفسك أن تعرّض نفسك للعقوبة بالتأخر عن مقدّم الصفوف حتى يؤخّرك الله تعالى في جميع مواقف الخير ؟ هل ترضى لنفسك ألا تصف بين يدي ربك «كما تصف الملائكة عند ربها: يتراصون في الصف ويُتمّون الصفوف المقدّمة»؟ ما من إنسان يرضى لنفسه بذلك إلا وقد رضيَ لها بالخسران، فتقدّموا - أيها المسلمون - إلى الصفوف وأكْمِلوا الأول فالأول، وتراصوا فيها وتساووا، ولينوا بأيدي إخوانكم إذا جذبوكم لتسوية الصف أو للتراص فيه؛ لتتمّوا صلاتكم جميعًا وتمتثلوا أمر نبيّكم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولتقفوا أثر سلفكم الصالح، ومَن وجد الصف تامًّا ولم يجد له مكانًا فيه فليُصَلِّ خلف الصف وحده ولا حرج عليه، أمّا مَن صلى خلف الصف وحده وهو يجد مكانًا في الصف الذي قبله فلا صلاة له .
وإذا اجتمع ثلاثة رجال فأكثر فصلى بهم أحدهم فلْيتقدم عليهم، وإن كانوا يصلّون على بساط ونحوه لا يتَّسع لتقدم الإمام عليهم فليصلّوا صفًّا واحدًا ويكون الإمام بينهم: يكونون عن يمينه وشماله، وأما مَن ظنَّ أنهم يكونون عن يمينه فقط فقد أخطأ في فهْم السنَّة النبوية؛ لأن السنَّة النبوية كان الثلاثة يصفّون صفًّا واحدًا وإمامهم وسطهم ثم نُسخ ذلك إلى أن يتقدّم الإمام إذا كان الجماعة ثلاثة فأكثر: يكون الإمام أمامهم والاثنان خلفه .
وكذلك في الصف الثاني مثلاً إذا كان الصف الأيمن بعيدًا عن الإمام والصف الأيسر قريبًا منه فالصف الأيسر أفضل منه؛ لأنه أقرب إلى الإمام؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإكمال الصف الأول فالأول ولم يأمر بإكمال الصف الأيمن فالأيمن، ولو كان الأيمن أفضل مطلقًا لأمَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكمّل الصف الأيمن فالأيمن .
وإذا اجتمع اثنان وأرادا الصلاة جماعة صلى الإمام عن يسار المأموم والمأموم عن يمينه مستويين: لا يتقدّم الإمام عن المأموم لا قليلاً ولا كثيرًا؛ لأنهم صف واحد والصف الواحد يتساوى فيه القائمون فيه، وإذا جاء ثالث ليصلي معهم فله أن يدفع الإمام ويصفّ إلى جنب المأموم وله أن يؤخّر المأموم وله أن يكبّر قبل أن يقدم أحدهم أو يؤخره، وله أن ينتظر حتى يقدم أحدهم أو يؤخره وهذا أفضل؛ لئلا يلزم حركته في صلاته بلا حاجة .
عباد الله، اتَّقوا الله، اتَّقوا الله، اتَّقوا الله أيها المأمومون، اتَّقوا الله أيها الأئمة، كونوا أئمة صدق مُتَّبعين لسنَّة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ حتى يتعوّد الناس عليها، وحتى لا يضجروا منها؛ لأنكم إذا أخللتم بالسنَّة صارت الصلاة عند الناس كما تصلّون أنتم وفيها مخالفة للسنَّة .
إخوتي أيها الأئمة، احرصوا على تطبيق السنَّة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ حتى يعتاد الناس عليها ولا يعتادوا على نقر الصلاة وتخفيفها أكثر مِمَّا ينبغي .
اتَّقوا الله عباد الله، أطِيعوا ﴿اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [آل عمران: 132-136] .
اللهم اجعلنا من هؤلاء، اللهم اجعلنا من هؤلاء، اللهم اجعلنا من هؤلاء ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10] .

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .



الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها من عذاب النار يوم يلاقيه، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد:

أيها المسلمون، فقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 57]، والمراد بهذه الموعظة القرآن الكريم وكذلك السنَّة النبوية جاءت بمواعظ عظيمة ترقّ منها القلوب، وتذرف منها العيون، وتوجل منها النفوس، وتقشعرّ منها الجلود، ففي كتاب الله وفي سنَّة رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - التي صحّت عنه ما يشفي ويكفي .

ولقد كان من المؤسف أنه يُنشر بين الناس بين حين وآخر أوراق لا أساس لها من الصحة بل هي باطلة موضوعة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ينشرها أصحابها بعضهم عن حسْن نيَّة لا يدرون ما هي ولا يدرون ما مضمونها ولا يدرون ما مغزاها، وبعضهم عن سوء نيَّة من أجل أن يشغلوا الناس بها - وهي باطلة - عن مواعظ الحق - وهي كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد اجتمع عندي منها نحو عشر ورقات، أقولها في هذه الخطبة حتى تكون ذخيرة عند كل واحد منكم إذا رأى منها شيئًا بيَّن للناس أنها خطأ، كما أننا - وللهِ الحمد - قد مَنَّ الله علينا وكتبنا عليها ما يجب علينا أن نبيِّنَه للمسلمين، فنحن نقولها الآن عليكم وأرجو أن تعذرونا إن كان هناك إطالة؛ لأن جمعها في آنٍ واحدٍ له فائدة عظيمة، فنبدأ أولاً بآخر ما بلغنا:

آخر ما بلغنا قصة ثعبان - يعني: حيَّة - ملتوية على شخص ميّت، قيل: إنهم أرادوا أن يدفنوه في البقيع فرأوا عليه ثعبانًا عظيمة قد التَوَت عليه بسبب أنه تارِك للصلاة، وقالوا: إن هذا هو الشجاع الأقرع، هذه القصة كذبٌ لا شكَّ فيها ولا يجوز تداولها ولا نشرها إلا مَن أراد أن يبيِّن للناس أنها مكذوبة، ولم نعلم صدورها عن مصدر موثوق .

إذنْ: فهي باطلة لا يجوز نشرها .

ثانيًا: عقوبة تارِك الصلاة، يقول: مَن تهاون في الصلاة عاقَبَهُ الله تعالى بخمسة عشر عقوبة، «خمسة عشر عقوبة» هذه لحنٌ في اللغة العربية، ستة منها في الدنيا، وثلاثة عند الموت، وثلاثة في القبر، وثلاثة عند خروجه من القبر، وهذا أيضًا حديث كذب لم يقله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

ثالثًا: حديث يقال إنه قدسيٌّ مكذوبٌ على الله ورسوله، يقول الله تعالى كما قال هذا الكاذب: لا تخافنَّ من ذي سلطان مادام سلطاني باقيًا، إلى آخر الأكذوبة، وهذا أيضًا كذب لا صحّة له ولا دليل عليه بل هو موضوع لا ريب فيه، فإن سلطان الله تعالى باقٍ على كل حال أزلاً وأبدًا .

رابعًا: وصية يقال إن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أوصى بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، يقول: يا علي، لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء، وهي: قراءة القرآن كلّه، والتصدّق بأربعة آلاف درهم، وزيارة الكعبة، وحفظ مكانك في الجنة، وإرضاء الخصوم، هذا أيضًا حديثٌ مكذوبٌ على رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لم يصح عنه .

أيضًا وصية كُتب في عنوانها «ذكرى للنساء» عن الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: دخلتُ أنا وفاطمة على رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فوجدته يبكي بكاءً شديدًا، فقلتُ: فداك أبي وأمي يا رسول الله، ما الذي أبكاك ؟ فقال: يا علي، ليلة أسري بي إلى السماء رأيت نساءً من أمتي في عذاب شديد، هذا وكلمة «أسري بي إلى السماء» هذه لا تتناسب إطلاقًا مع الواقع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسري به إلى بيت المقدس وعُرج به إلى السماء، يقول: رأيت نساءً من أمتي في عذاب شديد وأنكرت شأنهنّ لِمَا رأيت من شدة عذابهن، رأيت امرأة معلّقة بشعرها يغلي دماغ رأسها، إلى آخر الحديث المكذوب، وهذا أيضًا حديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

من ذلك أيضًا ورقة عنوانها «كنزٌ لا يفنى» قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما زعم هذا الكاذب: عشرةٌ تمنع عشرة؛ الفاتحة تمنع غضب الرب، إلى آخره، وهذا أيضًا حديثٌ مكذوبٌ على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

ومن ذلك السبعة العهود السُّليمانية، وأسماء الله الحسنى، وذُكر فيها أشياء من الدجل والكذب والشعوذة، وهذه أيضًا كذب لا يجوز نشرها ولا بثّها بين الناس .

ومن ذلك أيضًا فتاة تبلغ من العمر ستة عشر عامًا، مريضة جدًّا، عجز الأطباء عن علاجها، وفي ليلة القدر بكت الفتاة بشدة ونامت وفي منامها جاءتها السيدة زينب - رضي الله عنها وأرضاها - وأعطتها شربة ماء ولَمَّا استيقظت من نومها وجدت نفسها شُفيت تمامًا بإذن الله، هذه أيضًا قصة مكذوبة لا أساس لها من الصحة .

كذلك أيضًا قصة عن رجل يقال له «أحمد خادم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم» يقول: إنه رأى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في المنام وأخبره بأشياء، وهذه القصة أيضًا مكذوبة، وقد قال السيد محمد رشيد رضا - رحمه الله - صاحب تفسير [ المنار ] و [ مجلة المنار ] عالم إسلامي مشهور، قال: إن هذه القصة كانت تُتداول وأنا في زمن الطلب؛ يعني: لها نحو مائة وسبعين عامًا تُتداول بين الناس، هذه أيضاً قصة مكذوبة لا أساس لها من الصحة .

هذا ما ورد عليَّ من بعض الإخوان وأحببت أن أجمعه لكم في هذا الموقف؛ حتى تكونوا على بصيرة من أمر هذه المنشورات .


وإني أدعوكم - أيها الإخوة - إذا رأيتم منشورًا ليس عليه ختمٌ من وزارة الشؤون الإسلامية أو من عالِم مشهور موثوق فلا تعملوا به حتى تُشاوروا العلماء؛ لئلا تقعوا في الضلال؛ فإن هناك أئمة ضلال يُضلّون الناس بقصد أو بغير قصد، ثم إن في كتاب الله وفيما صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من المواعظ ما يُصلح القلوب والأعمال والدنيا والآخرة، احذروا هذه المنشورات، لا تقرؤوا شيئًا منها ولا تنشروا شيئًا منها إلا إذا كان عليه ختمٌ من وزارة الشؤون الإسلامية أو من أحد العلماء الموثوقين وإلا فاسألوا عن ذلك أهل العلم حتى لا يضيع عملكم سدى .


أسأل الله تعالى أن يُصلح الأمة الإسلامية وأن يردّها إلى كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن يُعيذَها من شرارها الذين يريدون إضلالها بقصد أو بغير قصد، وأن يهدينا صراطه المستقيم؛ إنه على كل شيء قدير .


والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .