أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من حماية الدين والنفس والمال والعرض فلقد حمى الله لكم الدين بما أقام عليه من الآيات البينات حتى تتمسكوا به عن علم وبصيرة وحماه لكم بما رتبه من الجزاء الوافر على فعل الحسنات لترغبوا فيها وتقيموها وحماه لكم بما حذركم به من عقوبة على المخالفات لترهبوا منها ولقد حمى الله لكم النفس فأكد تحريمها في كتابه وعلى لسان رسوله وقرن القتل بالشرك فقال تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق وقال تعالى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا إلى قوله: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق وقال النبي : ((اجتنبوا السبع الموبقات. قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق...)) وذكر تمام الحديث، وقال النبي : ((لا يزال المؤمن في فسحه من دينه ما لم يصب دما حراما)) رواه البخاري. وقال النبي : ((لزوال الدنيا - يعني كلها - أهون عند الله من قتل رجل مسلم)). ومن أجل حرمة النفس وتحريمها رتب الله على قتلها عقوبات في الآخرة وعقوبات في الدنيا. أما عقوبات الآخرة فقال تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ، أربع عقوبات عظيمة كل واحدة منها توجل القلب وتفزع النفس: جهنم خالدا فيها فيا ويله ما أصبره على نار جهنم وقد فضلت على نار الدنيا كلها بتسعة وستين جزءً، وغضب الله عليه وبئسما حصل لنفسه من غضب الرب العظيم عليه ولعنه فطرده وأبعده عن رحمته، وأعد له عذابا عظيما. ويل لقاتل المؤمن المتعمد ويل له من هذه العقوبات النار وغضب الجبار واللعنة والعذاب العظيم. وقال النبي : ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء))، وقال ابن عباس سمعت نبيكم : ((يقول يأتي المقتول متعلقا رأسه بإحدى يديه متلببا قاتله باليد الأخرى تشخب أوداجه دما حتى يأتي به إلى العرش فيقول المقتول: يا رب هذا قتلني فيقول للقاتل: تعست - أي هلكت - ويذهب به إلى النار)). وقال النبي : ((لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار))، هذه أيها المؤمنون عقوبة قاتل النفس بغير حق في الآخرة.
أما عقوبته في الدنيا فالقصاص: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون النفس بالنفس جزاء وفاقا كما أعدم أخاه المؤمن وأفقده حياته فجزاؤه أن يفعل به كما فعل ولقد جعل الله لولي المقتول سلطانا شرعيا وسلطانا قدريا أي قدرة في شرع الله وفي قضائه وقدره على قتل القاتل كما قال تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ، فهذه الآية كما تدل على أن الله جعل لولي المقتول سلطانا شرعيا في قتل القاتل فقد يفهم منها أن الله جعل له أيضا سلطانا قدريا بحيث يكون قادرا على إدراك القاتل وقتله فيهيئ الله من الأسباب ما يتمكن به من إدراكه والله على كل شيء قدير وبكل شيء محيط.
أيها المسلمون: وإن من حماية الله لأموالكم أن جعل عقوبة السارق قطع يده إذا تمت الشروط كما قال تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم حتى لو استعار منكم شخص شيئا يساوي ما يقطع به السارق ثم جحده وقال ما استعرت منك شيئا فتثبت عليه العارية فإنها تقطع يده بسبب جحوده العارية، كما ثبت ذلك في الصحيحين: ((أن امرأة من بني مخزوم كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي بقطع يدها فأهم قريشا شأنها فكلمه أسامة بن زيد فيها فقال: أتشفع في حد من حدود الله. ثم قام خطب الناس فقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله - يعني أقسم بالله - لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)).
أما حماية الله للأعراض فقد ذكر الله جانبا كبيرا منها في سورة الحجرات في قوله: أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم إلى آخر الآية التي بعدها. وقال النبي : ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) وأوجب الحد ثمانين جلدة على من قذف محصنا بالفاحشة وأوجب الحد على الزاني إن كان محصنا يرجم بالحجارة حتى يموت .
وإن كان غير محصن وهو الذي لم يتزوج فحده مائة جلدة وتغريب عام. وأما حد اللواط وهو إتيان الذكر الذكر فإنه القتل بكل حال إذا كانا بالغين غير مجنونين سواء كانا متزوجين أو غير متزوجين لقول النبي : ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على مقتضى هذا الحديث .
فاحمدوا الله أيها المؤمنون على الحماية لدينكم وأنفسكم وأموالكم وأعراضكم واسألوه أن يوفق المسلمين جميعا للقيام بشكره وامتثال أمره واجتناب نهيه فإن ذلك خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.