مفهوم الأمانه فى الإسلام



أوجب الإسلام على المسلم الحق أن يكون ذا ضمير يقظ يتصف بالأمانة ، ويصون الحقوق حق الله ، وحق الناس ، أي يكون أميناً في عمله غير مفرط فيه ، ولهذا أوجب عليـه الآمانة .



والأمانة كلمة واسعة الدلالة فى التشريع الإسلامى ، فهى إدراك قوى من الإنسان بمسئوليتة الكاملة أمام الله فى كل أمر يوكل إليه من قول أو عمل ما ،

قال أبن عمر رضى الله عنهما : ( سمعت رسول الله "صل الله عليه وسلم" قال : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالأمام راع ومسئول عن رعيته ، والرجل راع فى أهله وهو مسئول عن رعيته ، والمرأة فى بيتها راعية وهى مسئولة عن رعيتها ، والخادم فى مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته )

الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: مسلم
- المصدر: - صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم: 1829
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وعامة الناس يفهم مدلول الآمانة بمعناها الضيق وهو حفظ وديعة معينة لديهم سواء كانت أموال أو نفائس أخرى ،

ولكن الآمانة ملولها فى الشارع أوسع من ذلك وأعمق ، والأمانة هى فريضة على المسلمون يتواصون بها ويســـتعينون بالله على حفظـــها

مثال ذلك حينما نكون على ســـفر نقول :
( نستودعكم الله الذى لا تضيع ودائعه ) ،
ونقول أيضاً ( أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك )


والرسـول "صل الله عليه وسلم" فى أحاديثه الشريفة كان يوصى المسلم على الآمانة , وهو القدوة الواضحة فى الآمانة فى عهد الجاهلية ،

ويقول "صل الله عليه وسلم" :

لاإيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا دين له ، وإن شقاء العيش وسوء النقلب هو أسباب من عدم التمسك بفريضة الآمانة وعدم الآمانة هو خيانة ، والخيانة ضياع للدين والدنيا ،

فرسولنا الكريم "صل الله عليه وسلم" فى الجاهلية قبل إنتشار الإسلام ، وقبل الفتح كان يطلق عليه قومه " الأمين " لما له من مسئولية أمام ربه فى إدراك المعنى الجازم بالأمانة .


كذلك نبى الله موسى عليه السلام قبل أن ينبأ حينما قام بالسقاية لأبنتى الرجل الصالح كان معهم أميناً متمسكاً بعفة المسلم الحق الشريف ، وترفق بهما وسقا لهما ، ثم إستراح فى الظل
قال الله تعالى : " فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لما أنزلت إلىً من خير فقير ، فجاءته إحداهما تمشى على إستحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ماسقيت لنا ، فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين ، قالت إحداهما يأبت إستأجره إن خير من إستأجرت القوى الأمين " ،

فبالرغم من شدة الفقر والغربة ، ومطاردة الظالمين له لكن تمسك بالفضيلة والأمانة ، وعرف حق الله ، وعرف حق العباد ، هذا هو جوهرالآمانة فى التشريع .


والأمانة لما لها من معنى ومدلول كبير فى التشريع ؛ فكان إختيار الله لرسله الكرام ممن يتصفون بالأمانة والقوة والفضيلة والشرف وعزة النفس ، معتصمين بحبل الله المتين .


والأمانة فى الآخرة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها ، وصلاح النفس لا يكون بالعلوم فقط ، وبالسيرة الطيبة ، وحسن الإيمان ! ولكن يكون بالتأهل لإدارة الشئون والأعمال ؛ أى أن نصطفى أخير الناس فى القيام بالأعمال دون الميل لهوى أو وساطة قرابة أو رشوة فهذه تكون خيانة للأمانة .

والأمانة الحرص على أداء واجب العمل ، وأداء الإحسان فيه ، وليس أكبر خيانة ولا أسوء عاقبة من المرء الذى يتولى أمور العامة فنام عنها حتى أضاعها .


ومن الآمانةألا يستغل المرء مركزه لمنفعة شخصية له أو لأقربائه ، وقد قال "صل الله عليه وسلم" :
( من إستعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعده فهو غلول ) خلاصة حكم المحدث: صحيح
، وقال الله تعالى : " ومن يغلل يأتى بما غل يوم القيامة ، ثم توفى كل نفس ماكسسبت وهولا يظلمون ) آل عمران 161 .

وأكرم مثال على الآمانة سيدنا يوسف الصديق الأمين عليه السلام حين رشح نفسه لإدارة شئون المال بنبوته وعلمه قال الله عز وجل : " قال أجعلنى على خزائن الأرض أنى حفيظ عليم "
يوسف 55


والمسلم الذى يأخذ الحق ويعطى الحق كالمجاهد فى سبيل الله ، وهناك أيضاً مدلول للأمانة فى الجوارح التى أنعم بها الله علينا ، فجميع حواسنا يجب أن نسخرها بأمانة ، وأولادنا أيضاً أمانة يجب أن ندرك أنها ودائع من الله نصونها ونسخرها لله وفى الله ، وأموالنا أمانة لدينا يجب أن ننفقها فى مرضاة الله ، ولا نفتن بها عن طاعة الله أو عبادته ، ولانستقوى بها على خلق الله أو على القيام بالمعاصى ،

قال تعالى : " ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ، وإعلمووا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ، وأن الله عنده أجر عظيم "
الأنفال 27 – 28


ومن الآمانة أيضاً حفظ الأسرار التى يأتمنها الناس لدينا ، وعدم ترك الللسان فى أن يفشى أسرار العباد ، وأيضـاً

الآمانة بين المرء وزوجه
قال "صلى الله عليه وسلم " إن من أعظم الآمانة عند الله يوم القيامة : الرجل يفضى إلى أمرأته وتفضى إليه ثم ينشر سرها .
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث : مسلم - المصدر:صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1437
خلاصة حكم المحدث: صحيح
ونأتى فى مفهوم الآمانة عند العوام من الناس وهى أمانة الودائع
فيجب الحفاظ عليها وردها إلى أصحابها عند طلبها . ، ونكون فى ذلك نقتدى برسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم" حينما هاجر وترك ودائع المشركين لـ على بن ابى طال رضى الله عنه ليسلمها نيابة عنه إليهم وهم اللذين أضطروه إلى ترك وطنه .



وقال تعالى : " أنا عرضنا الآمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا "
الأحزاب 72 .


قال تعالى (ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها) النساء أية 58 .
وعد ضياع الامانة وخيانتها من علائم النفاق حيث قال
(اية المنافق ثلاث : اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا اؤتمن خان)
خلاصة حكم المحدث: صحيح
ولذا كان صل الله عليه وسلم مع شواغل الهجرة وعظم احداثها ومع انتشار مكة في صحرائها وخضرائها يطلبون قتل رمز الامانة الا إنه ضرب أروع الآمثلة على قيمة الأمانة حيث ابقى من مهام علي رضي الله عنه ان يظل في فراشه ويتردى ببردته حتى تخدع ابصارهم بأن الرسول لا يزال نائما ثم ليرد الأمانات الى أهلها ولعل كثيرا من القرشيين أدرك قدر محمد صل الله عليه وسلم ولا شك أن عقلاء هزهم هذا الموقف وأدهشهم هذا الصنيع وحاروا في هذا الخلق النبيل فعلى المسلم أن يسارع برد الأمانة الى ذويها وإلا ينتهز الفرصة لغضب أو خصومة ويأكل حقوق الناس لأن هذا ظلم والظلم ظلمات يوم القيامة وأن
(من ظلم قيد شبر من الارض طوقه من سبع أراضين يوم القيامة)
خلاصة حكم المحدث: صحيح
لا كما تفعل الدول الكبرى اليوم من تجميد ارصدة ونهب ثروات وسرقة أمم متذرعة بحجج اوهى من بيت العنكبوت واضعف من جناح البعوض لا لشيء إلا لأن أهلها مسلمون موحدون لله يدينون ولمحمد صل الله عليه وسلم متبعون ولشرعتة متمسكون عاملون وإلى مبادئ القرآن داعون فإنا لله وإنا اليه راجعون.
لابد أن يكون المسلم موضع ثقة الناس ومحل سرهم ومستودع أماناتهم وأن يراه الناس نسيج وحدة في هذه الخلة فهذا رسول الله صل الله عليه وسلم الملقب بالصادق الأمين حيث كان أهل مكة يصفونه بقولهم : جاء الأمين ، ذهب المأمون ، دخل الصادق ، رحل المصدق الميمون ، وفي حادث الهجرة ظهر هذا الخلق القويم حيث بقي علي ردحا من الزمن لرد الأمانة حيث كان من يخشى من قريش على حاجاته الثمينة لا يجد مكانا في طول مكة وعرضها وهادها ونجادها الا عند محمد صل الله عليه وسلم فيرتاح قلبه ويبيت نهاره وليلة لانه وضعه في اليد البيضاء النقية الطاهرة التقية.
فأين نحن اليوم من هذه السيرة العطرة؟ ولم يشتكي مجتمع الناس اليوم من ضياع الامانات وخراب الذمم وضعف العقيدة وإهتراء الإيمان أن ضياع الأمانة رهن بقرب الساعة إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ولا إيمان لمن لا أمانة له أن السماوات والأرض على ضخامتهما وعظمتهما لم تتحمل الأمانة عندما عرضت عليها واشفقت على نفسها منها وتجرأ الإنسان على حملها فضيعها وخانها فبئس الفعل وبئس الفاعل قال تعالى
(انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا) . الآحزاب أية 72 .
لا بد من البذل لهذا الدين وتقديم التضحيات بالمال والنفس والنفيس وكل غال ورخيص ومن دلائل الايمان ان يدخل المرء تحت قوله تعالى (الذين ينفقون في السراء والضراء) أل عمران أية 134 .
فالبذل والعطاء ضرب من العبادة ولون من الاحسان وقد اتضح في احداث الهجرة ان ابا بكر اشترى راحلتين بماله ليستعد عليهما في الهجرة ولكن الرسول أصر ان يدفع ثمن راحلته ورفض أن يتطوع أبو بكر به لأن البذل في هذه المواضع من أسمى العلاقات بين العبد وربه وأمر ينبغي الحرص عليه وتستبعد النيابة فيه.
وحيى الله الانصار والمهاجرين معا المهاجرون ضحوا بأموالهم ودورهم وممتلكاتهم وقدموا أرواحهم رخيصة لدينهم وقابلهم الأنصار بمشاعر راقية وأخوة حانية وناصفوهم أموالهم وبيوتهم وأنفاسهم لكن المهاجرين كانوا أعفاء النفس نبل الأفئدة لم يستغلوا الفرصة وينتهبوا الموقف بل دعوا لهم بالبركة والخير ثم نزلوا إلى الاسواق فباعوا وإشتروا وربحوا حتى صاروا أغنى أغنياء المدينة ولما إمتلكوا الأموال زهدوا فيها وأخرجوها في شكل زكوات أو صدقات أو خدمات للدين إيثارا منهم على إخوانهم وطمعا في أن يجعل لهم الرحمن يوم القيامة ودا وإن ينالوا هذا الشرف