تزداد حاجة الناس في هذا العصر إلى طرق وأساليب سهلة ومبسطة نابعة من البيئة والتراث يمكن اللجوء إليها عند الشعور بالتوتر والقلق والإحباط، وعند مواجهة الضغوط والمشكلات التى تحتاج الى الاسترخاء والهدوء وإعادة تنظيم التفكير .. بل وإعادة برمجة العقل حتى يصل الفرد الى إعادة صياغة وترتيب افكاره واهدافه ، وايضاً الى تخلصه من الاضطرابات النفسية والانفعالات السلبية الناتجة عن ضغوط الحياة ومشاعر الإحباط والفشل واختلال التوازن والقدرة على التوافق النفسى والاجتماعى.
ولاشك أن كل إنسان يحتاج – من وقت لآخر – أن يخلو بنفسه ويبتعد قليلاً عن صخب الحياة ومشاكلها ليفكر بهدوء ويعيد تنظيم عالمه الداخلى، وتفحص وتقييم أفكاره وخبراته والمواقف التى تعرض لها ثم يحدد لنفسه خطة عمل ويتخذ القرارات ويحدد لنفسه الخطوات..
وتتضمن الخلوة العلاجية أيضاً تدريب الشخص على التخلص من الأفكار السلبية الانهزامية المعوقة والمخاوف والوساوس المزعجة والمواقف والذكريات المؤلمة , بحيث يصل الى درجة أن يأمر ذهنه بالتوقف فوراً عن التفكير فى هذه الأفكار السلبية أو أن يطردها من ذهنه ويحل محلها أفكاراً إيجابية تشحن طاقاته النفسية وتحفزها للإنطلاق من جديد فى الإتجاه الصحى السليم وتكمله مشوار الحياة بعزيمة وإرادة لا تلين .
والخلوة العلاجية إسلوب علاجى نابع من ميراثنا الدينى والثقافى وقد اثبت فعاليته بل وتفوقه على اساليب العلاج النفسى الأخرى المستوردة من الغرب والتى تخفى فى ثناياها مفاهيم وأفكار لا تتناسب مع طبيعة وظروف الشخصية العربية.
لقد كان الهدف من استخدام اسلوب الخلوة العلاجية هو تحويل النصائح والمواعظ والافكار الايجابية الى افكار نشطة وفعالة بغرسها فى الذهن عن طريق التأمل والتكرار فى حالة من التركيز الذهنى العالى وفى جو من الهدوء والاسترخاء يسمح بتحويل هذه المنظومات الاخلاقية والصياغات اللفظية مفاهيم ومعتقدات تدفع الفرد دائماً الى السلوك المرغوب .
ولقد تأكد من خلال عدد من الدراسات التى قدمتها على مدار سنوات طويلة ان الخلوة العلاجية تفوق اسلوب التأمل المتسامى Transcendental Meditation ، واسلوب البرمجة العصبية اللغوية NLP التى تنتشر فى الغرب حالياً بصورة ملفته للنظر .. وأن نتائجها اقوى وأعمق .
ولقد لاحظت ايضاً ان الشخص الذى يعانى من مشكلات او امراض نفسية لايستطيع فى كثيرمن الحالات الاستفادة من اساليب العلاج الغربية التى تعتمد على حث المريض وتحريضه على الحرية الجنسية على اساس انها من اهم اسس الصحة النفسية فى المفاهيم الغربية وذلك بالطبع دون مراعاة لظروف التنشأة الدينية والاجتماعية ومنظومة القيم والمفاهيم التى تحكم سلوك المريض الشرقى ، ولذلك فقد نتج عن هذه الاساليب العديد من المضاعفات والانتكاسات لكثير من المرضى الذين يعالجون بها , ولقد عالجت عشرات الحالات التى تدهورت وأصيبت بأعراض وإنتكاسات حادة نتيجة علاجها بأساليب وطرق غير مناسبة.. ومما زاد الطين بله وجود عدد من المعالجين بهذه الاساليب من غير المتخصصين وممن تلقوا دورات او تدريبات قصيرة المدى لا تتعدى فى بعض الاحيان ايام او اسابيع محدودة .
.. ويمثل الحوار الذاتى اهمية قصوى فى الخلوة العلاجية حيث يعتبر تعديل الحوار الذاتى – مايقوله الشخص لنفسه - الى جمل ايجابية حماسية متفائلة من اهم خطوات الخلوة العلاجية حيث يقوم الفرد ببناء وتصميم هذه الجمل والعبارات الايجابية الصحية ويكررها بتركيز ذهنى عالى ويجعلها تحل محل الجمل والعبارات السلبية التى يقولها لنفسه ، والتى تتسبب فى التوتر والاكتئاب وهزيمة الذات .
ولا يستطيع إنسان أن يعيش بدون أن يخلو إلى نفسه فترات ينفس فيها عن انفعالاته ويستعرض المواقف التى مر بها ويستخدم المخيلة مع العمليات المعرفية الأخرى لحل المشاكل التى يواجهها أو يتوقعها وينسج لها السيناريوهات المناسبة، ثم يقوم بعمل عدة بروفات ذهنية يلعب فيها دور البطل، فيتخذ ما يراه مناسبًا من مواقف وقرارات، وينتقى لنفسه أنسب وأقوى العبارات.. ثم يخرج من لحظات الخلوة هذه وقد نظم أفكاره فيما يجب أن يفعله وما سوف يقوله. وتزداد حاجة الفرد إلى فترات الخلوة كلما ازدادت مشاكله وصراعاته، لذلك نجد البعض وقد أنفصل عمن يجلس بينهم وشرد ذهنه بعيدا، أو قد يفعل ذلك أثناء مشاهدته التليفزيون أو خلال انتقاله بوسائل المواصلات من مكان لآخر، بل أن البعض يتعمد تنظيم فترات قصيرة من الخلوة أثناء التدخين واحتساء القهوة مثلاً. والخلوة يمكن أن تكون ذات فائدة إذا خضعت لقواعد علم النفس والصحة النفسية والعلاج النفسى الذاتى.. كما يمكن أن تكون مجرد فترات هروب من الواقع. وسرحان واجترار للذكريات المؤلمة وغرق فى عالم وهمى إذا تحولت إلى مجرد أحلام يقظة وتكرر لجوء الفرد إليها بهدف الابتعاد عن الواقع والغياب عن الوعى والفرار من مسئولية المواجهة.
ولا شك أن الخلوة والتأمل هى من الخصائص المميزة للشخصية العربية، وأن الاعتماد على الرعى والزراعة قد أتاح الفرصة للتأمل والانطلاق بالخيال فى أماكن رحبة متسعة لا يقوم النشاط الانسانى فيها على التحديد والضبط والدقة الشديدة التى تتميز بها المجتمعات الصناعية، ولقد أدركت المجتمعات الغربية أهمية تنمية القدرة على التأمل ودوره فى الصحة النفسية بل وفعاليته فى العلاج النفسى .
ولقد اختبرت الخلوة (إكلينيكيا) كأسلوب فى العلاج النفسى الذاتى يعتمد على معطيات مدارس العلاج النفسى الحديثة، ومع عشرات من المرضى وعدد من المتطوعين الراغبين فى تنمية قدراتهم على الضبط الذاتى وتعديل أخطاء التفكير وتحسين الأداء الذهنى والاجتماعى ، كما استخدمتها كعلاج اساسى واحياناًًً تكميلى مع الادوية النفسية فى علاج عدد كبير من الاضطرابات النفسية وكانت نتائجها ممتازة بل واكثر من المتوقع .
أيضًا استخدمت الخلوة العلاجية مع عدد من الطلاب الراغبين فى زيادة قدرتهم على التركيز ومع عدد من رجال الأعمال الراغبين فى تحقيق درجات أعلى من الثبات الانفعالى وتحمل الضغوط وزيادة مهارات التعامل الاجتماعى وخفض سرعة الاستثارة والقابلية للقلق.
ولقد كانت النتائج أكثر من مشجعه خاصة عند مقارنتها بأساليب العلاج النفسى الواردة إلينا من الغرب والتى لا تتقبلها الشخصية العربية بسهولة، ولقد كانت الخلوة العلاجية أفضل وأطول أثرًا عند مقارنتها بأساليب التوجيه والإرشاد والعلاج التدعيمى والنصائح المباشرة.
وأكرر التأكيد على ان الخلوة العلاجية تقوم على اسس اساليب العلاج النفسى الحديثة واسس علم نفس التعلم مثل التدعيم والتكرار وخلافه لذلك فهى الوسيلة الأمثل لتعديل الحوار الذاتى وإعادة برمجة العقل وتحقيق أعلى