قانونان للتأثير في الآخرين
:هناك قانونان للتأثير في الآخرين قد أثبتت التجارب والاستقصاءات صحتهما وهما: الأول (من الباطن إلى الظاهر) ، الثاني (من العالي إلى المنخفض)فأما القانون الأول: وهو يعنى أن عمليات التأثير والتأثر تخضع لوجود علاقة بين ما هو ظاهر في شعورك وما هو باطن داخلك وأن تقليد الباطن متقدم علىتقليد الظاهر وبمعنى آخر، فإننا حينما نتأثر نبدأ بتقليد الأفكار والآراء والتشبع بها قبل تقليد السلوك ذاته، فالأمم التي تقلد الأمم الغربية في سلوكها مثلاوملابسها وطريقة حياتها لا تقلدها إلا بعد اتصالها بها بشيء من الأمور المعنويةوالتأثر بها فكريا، ومن خلال التأثير في مبادئها واعتناق كثير من تصوراتها ، لذلك فأنك تجد أن الشباب المسلم الذي يقلد الغرب في أحواله الظاهرة هو شباب قليل العلم بعيد عن الجادة الإسلامية قد تأثر قلبه بمبادئ الغرب وقيمه، وعلى الجانب الآخر فإنك تجد أن الشباب المسلم المتميز والفخور بقيمه والبعيد عن تأثر الغرب غير لهوف فيتقليده في مظاهر الحياة، ومن هنا كان على الدعاة بث معنى العزة والتميز للمسلم ولمبادئه وقيمه وثوابته فإنها إن ثبتت في القلب صار آمنا من السقوط في هوة التقليدالأعمى..
ونجد هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قدأدرك هذه الحقيقة تمام الإدراك ووجه الدعاة إلى الله إليها بكل جلاء ووضوح، فهويوجههم نحو طهارة الباطن قبل طهارة الظاهر ويوجههم إلى ابتغاء وجه الله تعالى من عملهم الدعوى وليس ابتغاء وجه الناس، حتى إذا تأثر الناس بهم تأثروا بطهارة باطنهم ونقاوة سريرتهم وشفافية شخصياتهم وسبحان الله فإن الداعية الذي اتصف بذلك لهوالداعية الذي تجتمع الناس حوله ويتأثرون بقوله وفعله، بل كان النبي صلى الله عليهوسلم يحذرهم من الذين يعاملون الناس بوجه ظاهر حسن وقلوبهم خبيثة منكرة، فقال صلىالله عليه وسلم فيما رواه مسلم: ( إن من أهل النار من تندلقأقتاب بطنه يدور بها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع إليه أهل النار فيقولون له: يافلان ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولاآتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه ) ، فهذا لا أثر لفعله في الناس إذ إن فعلهالظاهر قد خرج من باطن خبيث فكان مآله كباطنه ولم ينفعه ظاهرهشيئاً.
وهنا سقطة قد يقع فيها الدعاة إلى الله فهوقد يجد قبولا عند الناس فيعبرون له عن محبتهم له بالهبات والخدمات والدعوات وقبولالداعية لمثل ذلك يحط من دعوته في أنظار الناس فيهون عليهم ويصبح الداعية مرغوباعنه، والصادقون من الدعاة إلى الله يعطون ولا يأخذون وهم أصحاب الأيدي العاليةوالنفوس الكبيرة يقول الماوردي: ' والمروءة هي حلية النفوس وزينة الهمم ولا تكون المروءة إلا بالعفة والنزاهة والصيانة والعفة البعد عن المحارم والمآثم والنزاهةالبعد عن المطامع الذاتية والمواقف المريبة وأما الصيانة فتكون بصيانة النفس عن تحمل المنن والاسترسال في الاستعانة بالخلق ' [ أدب الدنيا والدين ] .
وأما القانون الثاني: فهو أن التأثر إنمايكون من العالي إلى المنخفض وهو يشير إلى أن التأثر غالبا ما يكون من الشخص ذي القيمة والمقدار والعلم والخبرة، في الآخر الذي هو أقل، سواء كان ما يؤثر به معنوياأو ماديا، وينطبق هذا القانون على تقليد الصغير للكبير وتقليد الضعيف للقوى وتقليدالفقير للغني والتلميذ للأستاذ والتاجر الصغير للتاجر الكبير فمن هنا حرص الإسلام على عدة جوانب هامة في فن التأثير في الآخرين، فقد حرص على أن يتمتع الدعاة إلىالله بالعلم وأمر بالعلم حتى يؤثر الداعية في غيره فلابد أن يعلوه بالعلم الذييعلمه إياه أما الداعية إن كان جاهلا فلم يستطيع التأثير في غيره، كما حرص الإسلامعلى تميز الداعية بالصبر والثبات إذ إن الناس يفتقدون الصبر والثبات في بدايةطريقهم وصبر الداعية وثباته له أكبر الأثر في غيره ليقتدوا به، كذلك حرص الإسلامعلى تميز الداعية بالورع والقرب إلى الله سبحانه وجعله له ركنا ركينا يستند عليه،وقد يعلم الداعية بإيمانه ويقينه وورعه من فاقه علما وخبرة في بعض الأحيان قال الإمام أحمد رحمه الله: لقيني في طريقي إلى السجن أعرابي فأوقف الدابة، وقال: ياأحمد إن تعش، تعش حميداً، أو تمت، تمت شهيداً، قال الإمام أحمد: فقوي قلبي... والله الهادي إلى سواء السبيل.