خاتم النبيين والمرسلين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، رآه العقاد مثالا للعبقرية الكاملة كإنسان وداعية وسياسي وإداري وقائد وزوج وأب وصديق وفي أي دور مارسه بالحياة ، جلب حقد أعدائه عليه لأنهم لم يروا متبعين يحبون زعيمهم أكثر من المسلمين فدعوته بإيجاز نقلت الواحد فيهم من الموت للحياة ، وجاء ليخلص العالم من الظلام والجاهلية وامتهان البشر ويدعوهم للعمل ليوم آخر بعد الممات حيث الإنسان إما إلى جنة أو نار.

يعتبر “عبقرية محمد” أحد أشهر الكتب التي أنتجها العقاد في حياته الأدبية الزاخرة . فالكتاب يدور حول تفرد النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم عن سائر البشر والذي تجلى في أفعاله ومواقفه وشخصه، ويتصدى العقاد في هذا الكتاب للدفاع عن النبي الأمين ضد أقلام الكتاب المسيئة عن عمد وغير عمد لسيرة الرسول وأصدروا أحكاما جائرة.

مقدمة الكتاب تستعرض باسلوب قصصي ظروف إتمام العقاد للعبقرية. فيقول: “كنت أشاهد مظاهر الأحتفال بالمولد النبوي الشريف حينما أشار علي أصدقائي بتقديم سيرة النبي الكريم بأسلوب سلس معاصر قادر على التحليل، مسترشدين بالكاتب الإنجليزي كارليل الذي خصص فصلاً من كتابه “الأبطال” للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، باعتبار أنني أولى بأن أقدم للمكتبة العربية جهداً في هذا المجال”.

ورغم أن العقاد وعد بالشروع في هذا العمل إلا أن ذلك لم يحدث إلا بعد مضي ثلاثين عاما وصفها العقاد: لازمة حتى يحتشد الفهم المستنير الذى لا يتأتى إلا بخبرة السنين.

علامات ميلاد النبي

وصف العقاد في الفصل الأول من كتابه “عبقرية محمد” علامات مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحال العالم والعرب وبالتحديد قبيلة قريش التي خرج منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه عالم فقد العقيدة كما فقد النظام، وكان التفكك والتشرذم صفة كل “الدول” المحيطة بقريش التي كانت تملك مقومات الدولة لكنها لم تشكل ذلك الكيان.

كان لقبيلة قريش في مكة شعبتان إحداهما من أصحاب الترف والطمع، والأخرى من أصحاب التوسط بين القوي المستبد والضعيف المكره، وكان الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلم من بيت تلك الشعبة الوسطى له كرم النسب وليس له لؤم الثروة الجانحة.

كان بيت عبد المطلب ينتمي إلى صميم قريش ومن أشرف عشائرها وإن لم يكن معدوداً من أثريائها، ورأس هذا البيت -عبد المطلب – هو سيد قومه رجل قوى الخلق حكيم.
ويصف العقاد والد النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم ، سيدنا عبد الله، بأنه أب من طينة الشهداء، يتجه إليه القلب بكل ما فيه من حب ورحمة، أقام مع عروسه ثلاثة أيام ثم سافر للتجارة فإذا هو سفر لا يؤوب منه الذاهبون، مات غريبا ، فولد النبي الكريم يتيم الأب.

أصلح رجل من أصلح بيت بأصلح زمان

وتحت عنوان “رجل” نقرأ أن العالم كان يتطلع لنبي وأنه توافرت الظروف من قبيلة وبيت وأبوين أصلح ما يكونون لإنجاب ذلك النبي؛ فهو عريق النسب، وكان فقيراً لا يطغيه بأس الأغنياء، وكان يتيماً بين رحماء، وقد نشأ النبي صلَّى الله عليه وسلم خبيراً بضروب العيش في البادية والحضر تربى في الصحراء وألف المدينة، رعى القطعان واشتغل بالتجارة وشهد الحروب، واقترب من علية القوم ولم يبتعد عن الفقراء، ولو أراد الزعامة في قومه لنصبوه، ولكنه كان أجل من ذلك صفاتا وهدفا.