كيف السبيل إلى الخلاص من المحرمات ؟
فالجواب: أن ذلك سهل ويسير على من يسره الله عليه فالعاقل ينظر في العواقب ويفكر في المستقبل فإذا كنت مؤمنًا بالله واليوم الآخر، وقد رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا، وأيقنت بالموت والفنا، وصدقت بالبعث والجزاء، لم يبق للتقليد في نفسك مجال طلبًا لراحتك مستقبلاً، والفوز برضا الله والتنعم بدار كرامته والسلامة من سخطه وأليم عقابه، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، وعلمت أيضًا ما ورد في الحديث من أن المتمسك بدينه في آخر الزمان له أجر خمسين من الصحابة وأجر مئة شهيد وأنه كالقابض على الجمر وذلك لقلة الأعوان وكثرة الأضداد.
وعلمت أيضًا أن هذه الأمة منقسمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي من كان على مثل ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من العلم النافع والعمل الصالح والإيمان الصادق فأحرص أن تكون في هذه الفرقة الناجية وفقك الله لذلك بمنه وكرمه وإيانا وجميع المسلمين.
واعلم أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس ويصلحون ما أفسد الناس. فتستدل بعلمك وعقلك على ربك وعلى فعل ما ينفعك وترك ما يضرك.#
وعليك أن تفكر في نعم الله عليك وإحسانه إليك بكل أنواع الإحسان، حيث خلقك فسواك فعدلك وأنعم عليك بالسمع والبصر والعقل، وأطعمك وسقاك وآواك، وجعلك مسلمًا ورزقك من الطيبات وفضلك على كثير ممن خلق، فاحمد الله وأشكره على نعمه بالقيام بطاعته ظاهرًا وباطنًا بقولك واعتقادك وعملك لتستقر نعمه عليك ويزيدك منها وتعرض لأسباب المغفرة وابتعد عن أسباب العذاب.
وأسباب المغفرة كثيرة تجتمع في أربعة أسباب وهي:
التوبة النصوح، والإيمان الصادق، والعمل الصالح، والثبات على ذلك والاستقامة عليه حتى الموت قال تعالى:}وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى{ سورة طه (الآية: 82) وتنحصر أسباب العذاب في سببين:
أحدهما التكذيب بالقلب بخبر الله ورسوله وأمره ونهيه.
والثاني: الإعراض بالبدن عن طاعته قال تعالى:}إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى{([1]) وقال: }فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى* لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى* الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى{([2]) فاتق الله يا أخي المسلم في نفسك وأهلك وأولادك ومالك ودينك ودنياك، وجاهد نفسك الأمارة بالسوء، وهواك المضل، وشيطانك المغوي، وحقق إسلامك بقيامك بشعائره وأداء فرائضه، قولاً واعتقادًا وعملاً فعلاً وتركًا حبًا وبغضًا، وأوثق عرى الإيمان وأحب الأعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله، والموالاة في الله والمعاداة في الله، ومعنى ذلك أن تحب من أطاع الله وتواليهم وتبغض من عصى الله وتعاديهم فالمرء مع من أحب يوم القيامة.
واعلم أنك إذا نويت الخير وقصدته وحرصت عليه هديت إليه ووفقت له قال تعالى: }وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ{([3])، }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا{([4]) أما إذا أعرض الإنسان عن الحق بعد معرفته وارتكب الباطل فإنه قد لا يوفق بعد ذلك لأنه قد أغلق على نفسه باب التوفيق. قال تعالى: }فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ{([5])، }نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ{([6])، }وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{([7]) فالجزاء من جنس العمل في الخير والشر }وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ{([8]) وعليك بحفظ جوارحك السبع عن المخالفات والوقوع في المحرمات فإنها شاهدة لك أو عليك يوم القيامة وهي: اللسان والسمع والبصر واليدان والرجلان والبطن والفرج فاحفظها عن الكلام الحرام والنظر الحرام والأكل والشراب المحرم والوقاع المحرم والمشي والبطش المحرم، وأمير هذه الجوارح الذي يملك عليها أمرها هو القلب وإذا صلح القلب صلح الجسد كله وإذا فسد القلب فسد الجسد كله، فعليك بصلاح قلبك وسلامته من الشبه والشكوك.
وحاسب نفسك قبل أن تحاسب وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك وانج بنفسك ولا تترك الحق لقلة أهله ولا ترتكب الباطل لكثرة الهالكين}وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ{([9])، فلا تغتر بهم فإنك سوف تفارقهم ويفارقونك، وسوف تنفرد بعملك فاجعله صالحًا يسعدك ويؤنسك في قبرك ويوم حشرك، واعلم أن أنفاسك معدودة وأوقاتك محدودة فاغتنمها واحتفظ بها.
واعلم أنه ليس بعد الموت من دار إلا الجنة أو النار ولا تدري لعله ينزل بك الموت في صباحك أو مسائك فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار فتبوء بالخسران غدًا مع الأشقياء المعذبين، فانتبه لنفسك وخذ حذرك واستعد للقاء ربك بالأعمال الصالحة، وتب إلى الله توبة نصوحًا بترك المعاصي والندم على ما فات منها والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل، وتب إلى الله في جميع الأوقات من جميع المخالفات، ما دام في العمر فسحة وما دام في الوقت مهلة، قبل أن يفجأك الموت فتندم حين لا ينفعك الندم وتتحسر على تفريطك وغفلتك عن طاعة ربك وتقول}يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي{([10])، }يا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ{([11])، }يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا{([12])، وتسأل الرجوع إلى الحياة لكي تتوب وتعمل صالحًا فيقال: (كلا) إن تمني رحمة الله من غير عمل غرور من الشيطان وعجز بالإنسان قال تعالى: }إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{([13]) إنه لا ينفع عند الله ولا ينجي من عذابه إلا الإيمان الصادق والعمل الصالح، فهل قمنا بذلك لننجو!! أم فينا صبر وجلد على النار، أم نحن ممن يكذب بيوم الدين، وقد ترك فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرين لن نضل ما تمسكنا بهما وهما: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واعلم أن فريضة كتاب الله العمل بما فيه من الأمر والنهي والخوف والرجاء لوعده ووعيده والإيمان بمتشابهه والاعتبار بقصصه وأمثاله، فعليك بتلاوة القرآن وفهم معناه والعمل به فإن لك بكل حرف تقرؤه عشر حسنات، وقد تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة قال تعالى:}فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى{([14]) وكن متدبرًا له متفكرًا فيه متأملاً في#
معانيه، لو أتاك خطاب من رئيسك أو صديقك لم تطب نفسك حتى تقرأ الخطاب وتنفذ ما فيه فكيف بكلام ربك ملك الملوك الذي هو مصدر سعادتك وفيه شفاء لصدرك وعلاج لأمراضك ونور لقلبك وفيه تبيان لكل شيء وهدى ورحمة وهو حجة لك أو عليك.

ثم ابحث عن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة وأعمل بما فيها فإنها مفسرة للقرآن ومبينة له وهي كفيلة بالسعادة وهي الوحي الثاني قال تعالى: }وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{([15])، }وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا{([16]) وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا وأني أوتيت القرآن ومثله معه»([17]) (يعني السنة) وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به»([18])، والمعنى لا يكون آتيًا بالإيمان الواجب حتى يكون حبه وبغضه وفعله وتركه وقوله واعتقاده وعمله بحسب أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم ونواهيه، وقال صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى»([19]) وعلامة محبة الله طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: }قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ{([20]) فمن ادعى محبة الله وهو مقيم على معصيته فإن دعواه كاذبة.
يا أخي المسلم ويا أختي المسلمة إن لنفسك عليك حقًا ولربك عليك حقًا
ولنبيك عليك حقًا ولأهلك وأولادك عليك حقًا ولمجتمعك الذي تعيش فيه عليك حقًا فأعط كل ذي حق حقه.

يا أخي المسلم تذكر عظمة ربك وشدة عقابه لمن عصاه ومغفرته ورحمته لمن آمن به وأطاعه وتاب إليه }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{([21])، }إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ{([22])، }إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ{([23]) فتذكر أوامر ربك ونواهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وتذكر ما فعل بمن مضى من الأمم الطاغية الكافرة من الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة، وتذكر الموت والفنا والبعث والجزاء، وتذكر يوم القيامة يوم الحسرة والندامة}يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{([24])}يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{([25])، وتذكر الخلود في النعيم أو في عذاب الجحيم }إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ{ سورة ق (الآية: 37).
هذا وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن ينصر هذا الدين وأن ينصر القائمين به والداعين إليه وأن يخذل الكفرة والمشركين والزنادقة والملحدين، وأن ينزل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، وأن يثبتنا وسائر إخوانا المسلمين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن لا يزغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين#.