لقد خلصت من خلال تجاربي بأن الناس غير منطقين و مهما حاولت إقناعهم أو تغيير وجهات نظرهم الخاطئة فإنك لن تفلح أبدا حتى و لو كنت أذكى شخص على هذا الكوكب، و الأشخاص ذوي السلطات و المناصب و أصحاب القرارات يعرفون جيدا بأن عقولهم الذكية لا تنفعهم في قيادة الناس لذا تراهم غالبا ما يقومون باستعارة القوة انطلاقا من مناصبهم و سلطاتهم، لكنهم غالبا بذلك يضعفون أنفسهم و يضعفون الآخرين أيضا تم بعد ذلك يحاولون تبرير سلوكهم بذكائهم.
في الحي الذي أقطن فيه كانت هناك بعض النفايات مرمية على جانب الطريق، و ناديت على بعض الأطفال كانوا يلعبون جانبا تم بدأت بإلقاء محاضرتي عليهم، قلت لهم بأنه يجب علينا أن نحافظ على حينا من النفايات و بأن نجعله نظيفا و بأنهم هم الأكثر تضررا من ذلك لأن لعبهم أمام القاذورات سيؤدي بهم إلى المرض و...و.... و أمرتهم بعد ذلك بجمع تلك النفايات و إلقائها في المكان المخصص لها و بينت لهم أن ذلك العمل ليس إلا في مصلحتهم، ثم أدرت وجهي عنهم وتركتهم لأرى ما هم فاعلون و بعد دقائق معدودة عدت فوجدت النفايات في مكانها و الأطفال يلعبون جانبا متناسين و كأن لم يكن من الأمر شيئا و كأني لم أقل لهم شيئا، فما كان مني إلا أن جمعت النفايات بنفسي و ألقيتها في سلة المهملات.
فلا جدوى إذن من إلقاء الخطب المؤثرة و النصائح المبتذلة للناس، فمهما نصحت فلن ينصت لك أحد و مهما بدا رأيك أكثر حكمة فلن يقيمه أحد و مهما حرصت فلن يستجيب لك أحد!
و مرة أخرى كانت النفايات ملقاة على قارعة الطريق و ناديت هذه المرة على ثلاثة أطفال فقط، قلت للأول أنت أحسن لاعب هجوم في الحي بأكمله و إني أراك في المستقبل لاعبا مشهورا جدا، و قلت للثاني أنت الأسرع في الحي لابد و أن يكون لك شأن كبير في المسافات القصيرة، و قلت للثالث أنت حارس مرمى هائل لابد و أن تضاهي أحسن حراس المرمى في المستقبل، و أنا أخبرهم بذلك رأيت الغبطة مسرورة على وجوههم و الفخر يعلو رؤوسهم ثم أعطيت لكل واحد منهم عشر سنتيمات و أمرتهم بعد ذلك بجمع هذه النفايات و إلقائها في سلة المهملات و ما إن أنهيت كلامي حثي هبوا بثلاثتهم و هم كلهم عزم و إرادة بجمع النفايات و لقد دهشت حينما رأوهم أصدقائهم الآخرون يقومون بذلك فهبوا كلهم لمساعدة الثلاثة بدون أن أقول لهم شيئا و ما هي إلا طرفة عين حتى أزالوا كل النفايات و رموها في سلة المهملات.
ما الشيء الذي حرك هؤلاء الثلاثة للقيام بهذا العمل و ما الشيء الذي حرك أصدقائهم لمساعدتهم!
الناس لن تهتم أبدا بنصائحك و آرائك إلا أبديت أنت اهتماما بهم و أشعرتهم بقيمتهم و أضفت معنى جديدا لحياتهم و خاطبت أرواحهم بدل أن تخاطب عقولهم و فوق ذلك كله أن تنصحهم بالحب و تعطيهم بالحب فهم يقررون دائما كم سيعطونك من أنفسهم اعتمادا على كمية الحب التي تعطيها لهم، و كلما عاملتهم بالعدل و اللطف وشاركتهم اهتماماتهم و أعطيتها معنى في قلوبهم كلما أعطوك أكثر من أنفسهم، فهم لا يهتمون بقدر ما تعلمه حتى يعلموا قدر اهتمامك بهم، و إشعارك لهم بأهميتهم، و أن تؤمن حقا أفضل ما في الناس لتستخرج أفضل ما فيهم، و لا تعاملهم أبدا على ما يبدون عليه و إلا فإن نصائحك و أوامرك لن تفلح أبدا معهم، و إنما عاملهم و كأنهم بالفعل أشخاص رائعون و مميزون.
العقل لا يستجيب إلى المنطق و البراهين و النصائح لكن القلب يستجيب بسرعة للحب و العطاء.
فعقلك المتطور لن يستطيع حتى قيادة نفسك، لكن قيادة الناس تكمن في قيادة قلوبهم و ليس عقولهم،
فلا تهدر من الآن كثرة نصائحك القيمة للآخرين لأنه لن ينصت لك أحد ما دمت لا تزال غير قادرا الوصول إلى قلوبهم, و لا تفرض قوتك المستعارة انطلاقا من سلطتك فإنه في الأخير لن تضعف سوى نفسك و الآخرين. فإذا نصحت فأنصح بالحب و إذا أعطيت فأعطي بالحب.