إن قراءة الكف والأفكار والورق وطرق التنجيم فكرة قديمة، ما زال يمارسها العديد من الأشخاص الذين قيل أنهم يستطيعون معرفة شخصيات الناس، والاطلاع على ما يخبئ لهم القدر من خلال استخدام هذه الطرق التنبؤية، ورغم أن هذه القراءات ليست إلهاما، ولا فراسة، وإنما ناجمة عن عقل دخيل، يملي على صاحبه سر الشخص الذي يتكهن له، غير أن علماء الغرب عملوا على إعادة صياغة كل شيء اقتبسوه من سحرة الشرق، وأخضعوه لمعايير معينة، وأطلقوا عليه أسماء علمية، وأظهروه بأنماط جديدة تحمل أسماء جذابة. ثم روجوا كونها مكتشفات علمية غربية يجب الأخذ بها، والاستفادة من فوائدها، وتعليمها للناس، بيد أن معظم العلوم النفسية لم يكن أصلها غربي، وإنما أعيدت صياغتها في معامل الغرب.
إن السحر لم يعد سحرا حسب مصطلحات العصر الحديث، وإنما أصبح علما من العلوم، والشيطان الذي ذكرته الديانات كونه يوسوس في صدور الناس، ويزيف الحقائق، لم يعد له وجودا يذكر، وإنما يعتبر معنى مجازي يعبر عن النفوس البشرية الشريرة، بل أصبحت وساوس الشيطان إلهاما وفراسة وعلما من العلوم النفسية، ولعل الغرب يسعى اليوم لنشر ثقافة جديدة من أجل إبعاد الناس عن ثقافتهم الأصلية، واستبدالها بثقافة زائفة لخلق أجيال لا يؤمن الخلف منها بموروث السلف.
كيف نشأ هذا العلم ؟
قيل أن أول من قام بمحاولة تفسير رسومات الإنسان وخطوطه أحد الشعراء الأمريكان، الذي تبلورت على يده الفكرة لتصبح علما أطلق عليه اسم " الأوتوغرافيري Autographery.". ثم جاء من بعده عالم إيطالي في علم النفس، فنشر كتابا في تحليل الخط عام 1662 م ووضع له أسسا. ثم جاء من بعده قسيسان فوضعا له قواعد تحليل الشخصيات. من هنا بدأ لأول مرة وضع مصطلح " الغرافولوجي Graphology "، ومنذ ذلك الوقت أصبح يعرف بالعلم الذي يبحث في معرفة شخصيات الناس من خلال خط الكتابة. انتشر هذا العلم في أوروبا حتى عم جميع بلدانها، ولما وجد قبولا واسعا في أمريكا، قام في مطلع 1915 أحد العلماء الأمريكان بتأسيس جمعية لتحليل الخط، ثم تبعتها عدة معاهد اختصت في دراسته، ووضعت له قواعد ثابتة، وأصبح يدرس أكاديميا في مختلف المدارس والجامعات في أقسام علم النفس، وصارت استخداماته تطبق في المجال الجنائي وفقا لمناهج ومعايير حسابية وقياسية. وبالتالي أصبح الغرافولوجي يهتم بتحليل الشكل الخارجي للخط، وتزامنا مع ظهور هذا العلم، ظهر علم إلى جانبه إختص بتحليل المضمون. ولذلك فإن (الغراف) معناه الشكل الخارجي للخط، وطبقا لشكل الخطوط يتم تحديد شخصية الإنسان الثقافية ومهاراته اليدوية ودرجة أناقته ‏وسلوكه الاجتماعي.

شعوذة خط اليد
إن علم تحليل الشخصية من خلال الخط ،لا يقوم على مقاييس علمية طبيعية، وإنما تتداخل فيه (إيحاءات روحانية)، إيحاءات تتداخل في عقل الإنسان وأحاسيسه،وهو عامل رئيسي وجزء لا يتجزأ من التطبيقات الحديثة، بل أن الأمر هو أقرب إلى قراءة الأفكار قلبا وقالبا، وقراءة الورق في الأدب الشعبي، ولا شك أن معلومات قارئ الورق، أو المنجم مصدرها قرينهما الباطن. وإنما من عادة الإنسان الغربي الباحث إعادة صياغة كل ما له صفة من الصفات الروحانية وإخضاعه لمعايير معينة جديدة، وترتيبه وفقا لمقاييس محددة ولتطبيقات مبسطة، وتقنيات سهلة المنال، ووفقا للهيكلة الجديدة أخذ أسماء، وأصبح علما قائما بذاته، يستخدم في مجالات علم النفس من قبل المعالجين النفسانيين، شأنه في ذلك شأن التقنيات الأخرى.

قد تكون كتابة الخطوط مختلفة من شخص إلى شخص، وقد يكون بعضها قريب الشبه لبعضها، ولكن الأغرب أن تحمل هذه الخطوط أوصافا كما لو أنها تبين إن كان الإنسان طيبا أو خبيثا، أو جادا في عمله أو كسولا، يستحق تحمل المسئولية أو لا يستحقها، وجعل خط اليد حجة في اختيار الأشخاص للمناصب الهامة: كالتوظيف والتربية والتسويق والإدارة وتحسين الاتصال مع الآخرين وتحسين العلاقات الزوجية، واتخاذه كأداة لاختيار الزوج أو الزوجة، ومعرفة أصحاب الكفاءات القيادية، ومسئولي المؤسسات والموظفين قبل تعيينهم، وفي اختيار المهنة والتخصص المناسب، والهواية الملائمة، واكتشافه لقدرات الناس ومواهبهم، ومعرفة الحالات النفسية والعاطفية والجسمانية وجميع الأنشطة. ومع أن هذه التنبؤات جميعها تحمل قراءات غيبية، إلا أنهم لا يعتبرونها كهانات وتنجيم، بل يعتبرونها كما يزعمون " فراسة الخط " الذي يعلم خبايا النفس، ويحمل قدره المقدور وبصمة عقله. وهذه الكهانة الجديدة يسعى أصحابها اليوم لإيجاد مكانة لها في الدين حتى لا تلصق بها لعنة الشعوذة والدجل.

لقد ادعى أصحاب هذه الطريقة أن بإمكانهم قراءة شخصية الإنسان من خلال النظر في خط يده، أو بقراءة موضوع من موضوعات كتاباته، وبالخطوط كذلك سيتم معرفة نوايا الشخص، ومعرفة شخصية الكاتب ونوعية انفعالاته بعد تحليل كتاباته، وخطه على الورق، وأن كل حركة تكتب على الورق لها دلالة خاصة تفضي إلى معنى من المعاني السرية الكامنة في نفسه.

قال أحد الغرافولوحيين: " إن العلماء لاحظوا أن الشخص يتعرض طوال فترة حياته لنفسالتراكيب الخطية ‏‏المنتظمة تعلمها في الصغر ويحاول دائما أن يقلدها كما هي،ولكن مع مرور العمر ‏ ‏تظهر شخصية الفرد الذاتية على الخطوط بما يمكنه من تغييرالخط بناء على تركيبة ‏ ‏شخصيته، وبالتالي يمكن ملاحظة التطور العمري عن طريقالخط..وأفاد أن الخط في الطفولة يميل إلى الاستدارة والكبر وعدم الانتظامأحيانا، ومع ‏ ‏مرور السنوات فإن النمو يتحكم في جهازه العصبي، وقد يتغيرالخط ويعكس في ‏هذه الحالة المرحلة العمرية ".
ويستطرد صاحب المقال قائلا: " إذا كان الشخص في بداية أسمهحرف الألف،‏ ‏وكتبها بعيدة عن باقي الاسم، فهذا يدل على خوفه من الناس، وحبه للوحدة، أيبمعنى أنه فرد غير ‏ ‏اجتماعي، وإذا كتب الألف مرة قريبة ومرة بعيدة، فهذا يدل على أنه مترددغير واثق من ‏نفسه.
وإذا كتب الشخص حرف الصاد أو الضاد على شكل مثلث، فهذايدل على أن ضغط دمه عال ويتسم بالعصبية الشديدة، أما إذا كتب الصاد والضاد على شكل دائري، فهو ‏ ‏شخص كتوم لا يعبر عما بداخله بسهولة، وهو غامض السلوك وغير صريح فيالتعبير عن مشاعره ‏ ‏وأفكاره. وأما عن حجم دوائر الخط، فذلك يتوقف على درجةاتساعها، فكلما اتسعت ‏‏الدائرة للحروف والشكل دل ذلك على كرم هذا الشخص، ولا يعني أن يكون كريما في ‏ إنفاق المال فقط، وإنما يمتد إلى البذخ في العواطف وغزارةالإنتاج.
وانه كلما ضاقت دائرة حروفه، كان من النوع البخيل، سواء في المال أوالعواطف، أو ‏في ‏أي شيء آخر، وهذا النوع لا يصلح أن يكون تاجرا أو اقتصاديا ناجحا، وإذاامتد الخط ‏ ‏طويلا في عدة حروف مثل السين، دل ذلك على أن الشخص خجول غير واثق مننفسه.
وإذا كانت الحروف فوق السطور، وطالت عن الحد، دل ذلك على السمو ‏‏وارتفاع الروحانية، أما إذا كتب الحروف تحت السطر، فإنها تدل على أن الشخص بوهيمي، ‏‏يميل إلى المشاعر الحسية.
وإذا كانت خطوط الإنسان تسير في خط معتدل علىالسطر وبطريقة منتظمة، ‏دل ذلك على أن صاحبها ذو شخصية سوية معتدلة في كل شيء، أماإذا مال الخط عن السطر، ‏ ‏واتجه إلى أسفل في ميل شديد، دل على إصابته بالاكتئابوالقلق، ولكن العكس إذا مال ‏ ‏الخط إلى الارتفاع بميل ملحوظ، حيث يدل ذلك على أن صاحبالخط طموح يرجو أن يحقق ‏ ‏أحلامه وهو يعمل من أجل ذلك.
وإنه إذا كانت الحروفبزوايا حادة، فان ذلك يدل على خلل عقلي أو ضعف نفسي، وإذا زادت الدوائر فيالكتابة، دل ذلك على أنه كتوم وطاقته في الاندماج مع الناس ‏قليلة، ويفضل العزلة عن الاندماج الاجتماعي".المصدر: موقع للبرمجة
ولعله يفهم من هذه الكهانة أن الإنسان يحمل في خط يده سر قدره، ونسخة من اللوح المحفوظ، وأن مصيره وسلوكه وتربيته وحظه وأخلاقه وثقافته ومعاملاته ومستواه الثقافي ومكانته الاجتماعية ومركزه الوظيفي كل ذلك مرتبط بخط يده!!
تصوروا أن كتابة حرف الألف بعيدا عن بقية حروف الاسم تدل على أن الشخص يتسم بصفة الخوف ويفضل الانعزال وعدم الوثوق في نفسه، وأن الشخص إذا كتب حرف الصاد على شكل مثلث دل ذلك على أنه مصاب بضغط الدم، ويتسم بالعصبية الشديدة، وإذا كتب الصاد والضاد على شكل دائري دل ذلك على أنه كتوم غامض السلوك غير صريح في أقواله منافق في أعماله، يراوغ في كلامه ويخفي حقيقة مشاعره النفسية.
أيعقل من خلال خط يده معرفته إن كان جوادا كريما أو بخيلا في إنفاق المال؟ ويعرف من خط يده إن كان يصلح تاجرا أو اقتصاديا ناجحا واثقا من نفسه. فإذا تمكنا من معرفة سر خط يده فقد اكتشفنا سر شخصيته ونصيبه من الدنيا وما ينتظره في قابل الأيام ؟!!!
وقصارى ما نؤكده للقارئ والباحث معا في هذا الموضوع، أنه لا فرق بين الغرافولوجي، وبين قارئ الأفكار وقارئ الفنجان والمنجم قارئ الورق وقارئ الكف وقارئ خط اليد وخط الرمل وخط الزمن، الوسائل والعناوين مختلفة والغاية واحدة، فلا فرق بين التنجيم الذي يوزع حظوظ الناس وأقدارهم على مجموعة من النجوم والكواكب، وبين هذا العلم الذي يجمع أقدار البشر وأوصافهم وأشكالهم وأسرارهم ونواياهم في خط اليد، بل هؤلاء عقولهم مسلوبة وأن شياطينهم تتحكم في نفوسهم وتملي عليهم أكاذيبها!!