مقصد الإسلام إسعاد الإنسان في الدنيا والآخرة






أتت الشريعة بسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة وكل والواجبات والمستحبات والنهي عن المحرمات والمكروهات، والمقصود من ذلك أن يحيا الإنسان حياة طيبة وأن ينجو من غضب الله وعذابه وأن ينال الفوز بجنات النعيم، ولا يظن ظان أن المقصد بالأمر بالصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد والنفقات تكليف الإنسان والمشقة عليه وتعذيبه، فإن هذا ليس مقصودًا أصلاً وليس مرادًا شرعًا، لأن الله جعل من مقاصد الدين اليسر والسماحة كما قال تعالى: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»، وقال: «لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا»، وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الدين يسر»، وقال: «بُعثت بالحنيفية السمحة».



ومن يطالع أدلة التحليل والتحريم يجد أنها تريد اليسر والخير والسعادة للإنسان وتبعد عنه المشقة والضرر والهلاك، كما قال سبحانه وتعالى: «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ»، وليس مقصد الشريعة المشقة، وامتحان الناس وإدخال الضرر عليهم، فإن الله غني عن ذلك، ولكن لما أراد الله أن يرحم الإنسان أمره بشريعة ربانية يعمل بها ليسعد في الدنيا والآخرة، ولله المثل الأعلى، فإن الأب إذا أمر ابنه المحبوب إليه العزيز عليه أو نهاه عن شيء فإن مقصوده راحة هذا الابن وسعادته.



والواحد الأحد لطفًا منه بعباده فرض عليهم فرائض وأوجب عليهم واجبات وسنّ لهم سننًا وحدّ لهم حدودًا وبيّن لهم أحكامًا ليسيروا على منهج واضح مفصل في كل شأن من شؤون حياتهم وهذه منة من الله عظيمة، ونعمة جليلة، وهدية كبرى، كما قال تعالى: «لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ».
ولهذا نهى الله عزّ وجلّ عن الغلوّ في الدين ومن شق على نفسه وخرج عن منهج اليسر والسماحة فقال: «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ»، وقال: «وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا».



فكل ما حرَّم الله من قول أو فعل أو طعام أو شراب أو بيع أو شراء أو أي تصرف من التصرفات فإن المقصد منه حماية الإنسان من الضرر والشر وسبيل الهلاك.


وكل ما أمر الله به أو أباحه من قول أو فعل أو طعامٍ أو شرابٍ أو بيعٍ أو شراءٍ أو أي تصرف من التصرفات فإن المقصد منه إدخال السعادة على هذا الإنسان.



وقد تجد بعض الجُهّال يعجبون: لماذا حرم الله بعض الشهوات والملذات وظاهرها أن فيها راحة للإنسان؟ والصحيح خلاف ما قالوا، فإن لها نتائج وخيمة وعواقب سقيمة وآثارًا أليمة، بل تجد في الشريعة النهي عن الإكثار من العبادة إذا وصلت بصاحبها إلى المشقة والعسر رحمة بهذا الإنسان، كما مُنع في السنة المواصلة في الصيام وصيام الدهر وقيام كل الليل وهجر الطيبات وتعذيب النفس بكثرة النوافل.


ولهذا جاء الأمر بالاقتصاد في العبادة والتسهيل على النفس وسلوك المنهج الوسط ومراعاة الصحة والتوازن في إعطاء الحقوق: حق الله تعالى وحق النفس وحق العين وحق الأهل وحق الضيف.



وأصدق من يترجم ذلك رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في حياته العملية، فإنه عاش السعادة والحياة الطيبة في أسمى معانيها. فينبغي على المسلم أن يتيقن أن الفرائض والنوافل والحدود والآداب إنما جاءت بسعادته وأمنه وحفظ عقله ودينه ونفسه ونسله وماله، ولا يظن أنها جاءت لمعانٍ أخرى مجهولة المعنى أو أنها جاءت بغير مقصد أو أنها أتت لتعذيب العباد، فإن هذا من كلام الفرق الضالة من الباطنية الملحدة والعقلانيين المنحرفين عن النصوص ومن فلاسفة الصابئة.


وأما علماء الشريعة فيشهدون أنه الحق من ربهم لأنهم يطالعون النصوص صباح مساء، ويظهرون كنوزها ويستخرجون جواهرها فيجدون فيها من الإشراق والإمتاع والإبداع والحكم الجليلة والمنن الجزيلة والمعاني الجميلة ما لا يدور في الخيال ولا يخطر بالبال، فحينها يشهدون أنها من عند ذي الجلال.


وإن نظرة في كتب آهل الإسلام الموثوقة بتجرد وإنصاف لتُظهِر للنُّظَّار سموَّ هذه الشريعة وكمالها وتمامها وصلاحها للناس في كل شأن من شؤون حياتهم: «قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».