بحكم الاوراق الرسمية.. و قوانين الوراثة .. انت مسلم .. و تستطيع أن تقول هذا لكل من يسالك عن هويتك الدينية ، ولكن ماذا لو كان السؤال عن دينك نفسه ؟! عن العقيدة أو الشريعة أو السنة أو الأخلاق ؟.. فهل ستجد ما تجيب به شرط أن يكون جملا منطقية ومعلومات صحيحة وعبارات واضحة ومفهومة .. ام ستتعثر الكلمات.. وتتوه الأفكار ولا تجد الإجابات ؟!
إن شبابا كثيرين وفتيات ورجالا ونساء بل وكهولا عجزوا فى استطلاعات رأى -طالعناها مصادفة- عن ذكر خمسة أشياء عن الإسلام ، ليست أرقاما أو تواريخ ، أو أحداثا مضت عليها سنون ، إنما عن أركان هذا الدين !
و بقدر الألم و الدهشة ، يكون التساؤل : كيف يستقم الجهل فى عصر العلم و التكنولوجيا ؟ وكيف نرد على المسيئين و نحن لا نفهم ؟ بل الخطر كيف نكون مسلمين خلقا و قولا وفعلا و نحن لا نعرف ما هو الإسلام ؟
بالطبع مطلوب منا أن نصبح علماء أو نتحول إلى مشايخ ودعاة و فقهاء ..
إنما المطلوب ألا يكون أنتسابنا للإسلام مجرد شهادة ميلاد .


الإسلام .. دين الأنبياء



كلمة ( الإسلام ) لها مفهومان أولهما المعنى الشامل للكلمة ، و يقصد به الاستسلام و الانقياد للخالق عز وجل ، و الاسلام هنا هو اسم الدين الذى جاء به جميع الأنبياء والمرسلين ، فهذا نوح عليه السلام يقول

{فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (72) سورة يونس

وهذا يعقوب يوصى أولاده
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (132) سورة البقرة

وذاك موسى يخاطب قومه :
{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} (84) سورة يونس

أما المفهوم الثانى لكلمة ( الإسلام ) فهو المعنى الخاص المقصود به تلك الشريعة التى جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وكلف بإبلاغها للناس كافة ، لا إلى جنس أو قوم بعينهم وكما ذكر القرآن الكريم

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (28) سورة سبأ

وذلك خلاف من أرسلوا قبل خاتم النبين -صلى الله عليه وسلم- الذين أقتصرت رسالاتهم على أقوامهم خاصة كما ورد فى القرآن الكريم

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } (65) سورة الأعراف

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ } (36) سورة العنكبوت

وعلى هذا المعنى الخاص جاءت نصوص القرآن الكريم فى قوله تعالى :

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (3) سورة المائدة

كما جاءت السنة النبوية لتوضيح أركان هذا الدين فى قوله -صلى الله عليه وسلم- ( بنى الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الذكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت من أستطاع إليه سبيلا ) .

والإسلام هو الدين الذى رضيه الله تعالى للناس جميعا ، من لدن آدم -عليه السلام- حتى تقوم الساعة ، دعا إليه نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد -عليهم الصلاة و السلام- ، وصحيح أن الشرائع اختلفت من أمة لأمة ، ولكن الأصول واحدة .


عقيدة .. وخلق وشريعة


الدين الإسلامى قسمه العلماء وفقا للمفهوم القرآنى إلى ثلاثة أقسام رئيسية :
عقيدة ، وخلق ، وشريعة ، وهو ما يتضح فى الأية القرآنية التالية من سورة البقرة و التى تمت الإشارة فيها للبر كمرادف للدين

(لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة : 177 )

ويوضح الدكتور سالم عبد الجليل ، وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة ، أنه يمكن رصد خمس عشر خصلة فى الآية السابقة ، جاءت مقسمة تحت ثلاثة أقسام رئيسية : << أولا : العقيدة ( ..مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .... )
ثانيا : أخلاق (.... وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ .... ) ثالثا : الشريعة و التى تشمل العبادات : ( .... وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ... )و المعاملات
( ... وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ ... )


العبادة ... حب و خضوع


الشريعة في كلام العرب : مشرعة الماء، أي مورد الشاربة التي يشرعها الناس فيشربون منها ويستقون ، وهو ماء لا انقطاع له ..وهكذا شريعة الاسلام فهي موردنا الدائم الذي يروي عطشنا، وينظم حياتنا، ويحمي مصالحنا، ويصون حقوقنا وحقوق غيرنا.مزيد من التفصيل يشرحها الدكتور سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الاوقاف لشئون الدعوة، موضحا ان الشريعة الاسلامية تستمد أحكامها من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية الشريفة، ومن اجماع العلماء بالاضافة الي مجموعة من الأدلة المختلف فيها مثل: الاستحسان، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، والبراءة الأصلية، العرف المستقر....

ويضيف أنه مما أجمع عليه العلماء أن الشرائع السماوية كلها تتفق حول نقطتين أساسيتين هما : الأمور الاعتقادية : من حيث الاقرار بوجود إله خالق رازق ، موجد لهذا العالم ، وباعث للأموات .... ومرسل للرسل ، والثانية هى الدعوة الى مكارم الأخلاق مثل الوفاء بالعهود والعقود ، وآداء الأمانات ، ويتبقى الاختلاف بين الشرائع السماوية فى العبادات ، والشهادات ، وجزاء الجنايات ، ونظم المواريث ، حيث نجد لكل شريعة أحكامها الخاصة بها التى تتناسب وحال كل أمة .

أما الشريعة الاسلامية فلها خصائصها المميزة فى إلهية المصدر ، شاملة لكل شئون الحياة ، تنظم تصرفات الانسان وتنظم أحواله فى جميع مراحله ، جنينا ، وطفلا ، وشابا ، وشيخا ، ثم تكرمه ميتا ، وفي كل أطوار حياته يضع له مقاييس الحلال و الحرام ، أو الكراهة ، أو الوجوب ... وتتميز كذلك بأنها شريعة وسطية متوازنة تراعى جميع الأطراف ولا تجور فى أية علاقة على حق طرف لحساب الأخر ، ورغم أنها ثابتة فى الأصل والتوجيه فإنها تتسم بالمرونة والقدرة على التطور فيما يتعلق بالأحكام والتعاليم .

وهى شريعة تستهدف حفظ ما تسميه بالضرورات الخمس التى تشمل : الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال ، ولا يفتقد الانسان فيها أى حاجة من حاجاته فى كل زمان و مكان . وينتقل لشرح القسمين الأساسيين للشريعة الاسلامية وهما العبادة ، والمعاملات . فيبين أولا العبادة هى الغاية التى خلق من أجلها الإنسان والقرآن الكريم يقول :
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات : 56 )

وتقوم عبادة الانسان لربه أساسا على الحب له ، ثم الخضوع التام ، ويقول الإمام ابن القيم : ( والعبادة تجمع أصلين : غاية الحب بغاية الذل والخضوع ، فمن أحببته ولم تكن خاضعا له لم تكن عبدا له ، ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عبدا له حتى تكون خاضعا ) وحب الله لا يصدق إلا باتباع النبى صلى الله عليه وسلم كما ذكر القرآن الكريم .

وتشمل العبادة فى الاسلام كل أمور الدين والدنيا ، وليست مقصورة كما يعتقد الكثيرون على الصلاة والصيام وقراءة القرآن ... بل إن كل عمل فطرى نافع يدخل ضمن الأعمال التعبدية اذا ما توافر فيه شرطان أولهما : أن يكون موافقا لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وثانيهما أن النية فيه لله خالصة ودليل ذلك قوله تعالى :
(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف : 110 )

كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعتبر معاشرة الرجل لزوجته -رغم كونها أمرا غريزيا وفطريا- صدقة لأنه فعلها فى الحلال .
والعبادات أنواع ، منها ما يؤديه المرء بجسده ، كالصلاة ، والوضوء ، والطهارة ، والصوم . ومنها ما يؤديه بماله : كالزكاة والصدقات . ومنها ما يجمع بين الاثنين كالجهاد والحج . والعبادة الصحيحة لابد أن يجد المسلم أثرها على سلوكه ، فالصلاة لابد أن تنهاه الفحشاء والمنكر ، والصيام يجعل المسلم ممتنعا عن الحرام قولا وفعلا والزكاة تطهير للمال والنفس ، والخطورة تكمن فى أن العبادة التى لا يتبعها مردود سلوكى لا قيمة لها يوم القيامة . وكلنا يعلم حكمه صلى الله عليه وسلم على المراة التى صلت وصامت وتصدقت ولكنها آذت جيرانها فدخلت النار ،والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده . والعبادة تتطلب كذلك التقيد بالشرع دون غلو أو ابتداع ، وهو ما حذر منه القرآن الكريم فى قوله تعالى :
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف : 32 )

أما المعاملات فهى تتعلق بالعلاقات مع الآخرين ( ... وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ ... ) ، فالمسلم الحقيقى يحفظ الأمانة ، ويصدق فى المعاملة ، ويفى بالعهود والوعود ، ولا يخون حتى من يخونه .



العقيدة ... إيمان بستة أركان



العقيدة ... رباط قلبى وعهد وثيق وقوة يقين تجتمع فى قلب المسلم ... ويترجمها لسانه وحاله وأفعاله ... فهى (الإيمان ) الذى بدونه يضيع الإسلام من أتباعه ، وبوجوده ينضم إليه أتباع جدد . هذه العقيدة لها ستة مفردات أساسية لا يجوز إنكار أحدها أو التشكيك فى كونه حقيقة واقعة ، ويحدثنا عنهم الدكتور صلاح محمود العادلى ، أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بجامعة الأزهر ، بادئا بأول وأهم أركان العقيدة أو الإيمان وهو ( الإيمان بالله تعالى ) .. وهذا يعنى أن نؤمن بوجوده ، ووحدانيته ، وبصفاته العظيمة ( جلال وجمال وكمال ... قهر وقوة ورحمة وإرادة وعلم .. ) وأن ليس كمثله شئ ، والوصول إلى الله وإلى معرفته يسره لنا لنا سبحانه وتعالى من خلال كتابين أولهما الكتاب المسطور وهو القرآن الكريم ، وثانيهما الكتاب المنظور وهو الكون ، وكلاهما ملئ بالآيات والدلائل والعجائب التى تمنحنا براهين وجود الله .

ويوضح أن المسلم ليس مطالبا بالتفكر فى ذات الله وحقيقته ، لأن ذلك يستحيل إدراك كنهه أو فهمه .. وقد يودى بالمسلم فى مسالك تفسد عليه إيمانه ، والإيمان بالله يمثل للمسلم القوة العليا التى يوقن أنها تدير الكون وتدبر الأمر وتزهق الظلم ، وتبطش بالظالمين والجبارين ، أى أنه طوق نجاه وملاذ أقوى وأعلى .

أما الركن الثانى فيتمثل فى ( الإيمان بالملائكة ) وهم مثلنا الاعلى فى الطهر والنقاء والطاعة ، الذين يستحيل على البشر أن يكونوا مثلهم ، وطبيعتهم لا تخرج عن كونهم أجساما لطيفة نورانية ، قادرة على التشكل و الظهور بصورة طيبة هم لا يتوقفون ليلا أو نهارا عن التسبيح والحمد ، كما لا يتوقفون عن ممارسة مهام وظائفهم التى أوكلها الله إليهم فمنهم من يحمل العرش ، ومنهم من يكتب حسناتنا أو سيئاتنا ، ومنهم من يحضر مجالس الذكر والقرآن ، ومنهم من يوكل برزق العباد ، أو بحركة الرياح ..

ويأتى ( الإيمان بالكتب السماوية ) كثالث أركان العقيدة الإسلامية ، وكتلبية لحاجة الانسان لوجود منهجه يتبعه ، وهناك كالتوراة ، والزبور ( مواعظ خاصة بسيدنا داود -عليه السلام- ) ، الانجيل ، والقرآن الكريم ، وهناك صحف مثل صحف إبراهيم وموسى ، وشيث ، عليهم السلام ، وقد حوت تعاليم وفضائل كثيرة . وهناك ( الإيمان بالرسل ) .. رابع أركان العقيدة .. وقد ذكر القرآن الكريم منهم 25 رسولا ، من لم يؤمن بواحد منهم خرج عن الإيمان ، بالاضافة لرسل لم يقصصهم علينا القرآن . وكانت القاعدة أن كل رسول أو نبى يوفد إلى قوم بعينهم ، ولم يمض جيل ، أو تنقضى أمة إلا خلا فيها نذير واختص الله سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وحده بكونه رسولا للعالمين أى لكل الناس بل للجن كذلك . وخامس أركان العقيدة هو ( الإيمان باليوم الاخر ) ذلك اليوم الذى يتحقق فيه الثواب للطائعين والمؤمنين ، والعقاب للعاصين والظالمين .. ويبدأ اليوم الآخر بالنفخ فى الصور ، وموت جميع الناس ، ثم بعث الأموات ، ثم الحشر ، ثم النشر ( أى عرض الصحف ) ثم السؤال ، ثم الحساب ، ثم الميزان ، ثم الصراط ، ثم الحوض ، ثم الشفاعة ، وأخيرا إما الجنة أو النار .

أما الركن السادس والأخير فهو ( الإيمان بالقضاء والقدر ) وتعريف القدر بأنه تقدير الله الأزلى لجميع الأشياء فى اللوح المحفوظ قبل وجود الخلق ، والقضاء : هو وقوع الاشياء وفق ما جاء فى القدر أزلا ، وهناك نوعان من القضاء : قضاء مبرم : أى منته لا تغير فيه كالأجل ، والرزق ... وقضاء معلق يدفعه الدعاء كالبلاء ، وفائدة الإيمان بعقيدة القضاء أنها تحمى المسلم من الفزع والخوف وتجعله شجاعا مطمئنا لقوله تعالى :
(قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة : 51 )

وبالتالى فلن يخشى غير ربه مهما علا بطشه وقوى سلطانه .


الأخلاق .. معيار الرفض والقبول



الأخلاق .. ليست مبادئ وضعية من صنع البشر -كما يتصور البعض- فالإسلام دين قوامه الأخلاق .. ومعيار قبول أو عدم قبول العبادة الأخلاق ، وهى ليست من كماليات الإسلام بل من أساسياته مما دعا نبينا -صلى الله عليه وسلم- لان يخبرنا أنه بعث لأجل أن يتمم مكارم الأخلاق . فضيلة الشيخ عبد الحليم السيد من علماء الأزهر الشريف يرشدنا لأفضل لافضل طريقة لإكتساب أخلاق الإسلام مسترشدا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذى قالت عنه أم المؤمنين السيدة عائشة أنه كان خلقه القرآن .. كما أشاد به ربه سبحانه وتعالى :
(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم : 4 )

ولو لم تكن للاخلاق هذه الأهمية لما كانت إشادة رب العالمين بأخلاق نبيه .. والمعنى أنه ما من خير فى القرآن ، أو فضل إلا والنبى -صلى الله عليه وسلم- قد تخلق به ودعا إليه ،وما من شر أو سلوك حذر منه القرآن ، إلا وابتعد عنه ، والتشجيع على حسن الخلق ورد فى أحاديث كثيرة لرسولنا -صلى الله عليه وسلم- منها عندما سأله رجل : يا رسول الله ما الدين ؟فأجاب صلى الله عليه وسلم : الدين حسن الخلق ، وكرر عليه الإجابة كلما كرر الرجل عليه السؤال ، وفى حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم : (أثقل ما يوضع فى الميزان يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ( ، بل ربط صلى الله عليه وسلم بينها وبين الإيمان عندما سئل : أى المؤمنين أفضل إيمانا ؟ قال أحسنهم أخلاقا . وكما يدفع الخلق الحسن بصاحبه إلى مكانة المحبة والقرب ، يدفع الخلق السيئ صاحبه حتى ولو كان مجتهدا فى العبادة إلى نار ، كما أخبرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-عمن تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذى جيرانها )بلسانها( أنها من أهل النار ، كما أخبرنا عن )المفلس( الذى يأتى الله يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ولكنه اغتاب وظلم وأذى فيأخذ ضحاياه حسناته ، أو يطرحون عليه سيئاتهم . ويضيف الشيخ عبد الحليم السيد أنه مما يتضح أن لدينا موردين أساسيين لفهم واكتساب أخلاق الإسلام وهما : القرآن الكريم ، وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وذلك بالاقتداء به فى أفعاله وأخلاقه واتباع ما جاء بسنته عن مكارم الأخلاق وهى كثيرة ويمكن أن نلخصها فى نقاط : الحلم ، والتواضع ، الجود ، الحياء ، الصدق ، العفو ، العفة ، الرحمة واللين ، العدل ، والإحسان ، كظم الغيظ ، الامتناع عن الفحش فى القول ، نبذ الغيبة والنميمة ، تطهير القلب من الحقد ، عدم الحسد ، البعد عن الغل والكراهية ، الالتزام بقول الحق والبعد عن شهادة الزور ، الحذر من ظلم الأخرين بقول أو فعل أو ظن ، ومن السلوكيات : رفع الأذى من طريق الناس ، زيارة المريض ، تفريج الكرب عن المهموم والمكروب ، مساعدة اليتيم والحنو عليه ، الصلح بين المتخاصمين ، الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، غض البصر وكل الجوارح عن الحرام ، مساعدة المحتاج والمعسر ، الإكثار من الصدقات . كل هذا وعشرات الآلاف من الأخلاق الطيبة المحمودة لا تدخل فى أركان الإسلام الخمسة ولكنها - كما أوضحنا - قد تكون سببا للقرب والقبول ، أو للرفض والخسران ، وللامام الراحل محمد متولى الشعراوى تعليق هنا يقول فيه : ( إذا قصرنا أعمالنا على أسس الإسلام الخمسة فقط فإننا نحرم أنفسنا من 90 % من الثواب الذى أعده الله لنا على حركة الحياة )


متى يكون التكفير ؟



رغم وضوح العقيدة الإسلامية ، فإن ذلك لا يمنع أن نجد من يحيطها بشوائب تعكر صفوها وتفسد نقاءها ، فكيف نفهم العقيدة الصحيحة ؟

يجيب الدكتور صلاح محمود العادلى أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بجامعة الأزهر أننا إذا أردنا أن نعود بالعقيدة إلى صفائها فعلينا بالقرآن الكريم وحديثه عن العقيدة والتى يأتى ذكرها بلفظ ( الإيمان ) وكذلك السنة النبوية وسير الصحابة بعيدا عن المجادلات ، مشيرا إلى أن تاريخ العقيدة مر بمراحل ست كان أفضلها عهد النبوة ، وعهد الخلفاء الراشدين ، حيث كانت العقيدة فى هذين العهدين عملية تطبيقية اقترن فيها القول بالفعل والعمل ، أما بعد ذلك فقد وجدنا علم العقيدة كلاميا وجدليا مع شيوع ألفاظ التكفير والتفسيق والاتهامات المتبادلة .

ويوضح أنه لابد من التفرقة بين العقيدة المتمثلة فى أركان الايمان الستة ، وبين علم العقيدة المتمثل فى شرح هذه الأركان ، لأن الجدل أو الإنكار فى اى من هذه أركان العقيدة سبب للكفر ، فى حين لا يكون الخطأ فى علم العقيدة موجبا للكفر لأنه علم متغير .