تدخل الدول الحروب لتفوز، منها من ينتهج منهجا هجوميا ومنها من يأخذ جانبا دفاعيا، تمامًا كمباريات كرة القدم، وكما هناك فائز في الحروب وكرة القدم هناك خاسر، أما ما لا يدركه كثيرون عند الحديث عن الحروب هو أن التشابه بين نتائجها ونتائج الساحرة المستديرة ليس فقط في الفوز والهزيمة بل أيضًا في التعادل، فبعض الحروب تنتهي دون فوز طرف على الآخر، فكيف إذًا تنتهي هذه الحروب؟ في هذا التقرير نلقي الضوء على أبرز الحروب التي انتهت ولم يفز فيها أحد.


الحرب الكورية 1950-1953:
كانت كوريا مقسمة إلى جزئين، شمالي تحت حكم الاتحاد السوفيتي وجنوبي تحت سيطرة الأمم المتحدة ورأسها الأكبر الولايات المتحدة، واندلعت الحرب في أواخر يونيو 1950، حين هاجمت كوريا الشمالية جارتها الجنوبية، وكانت كوريا الشمالية قد دخلت الحرب بغرض توحيد الكوريتين تحت حكمها، وبمساعدة «ستالين»، الديكتاتور السوفيتي، الذي زودهم بالسلاح.
القوات الكورية الشمالية تتقدم نحو الجنوب:

فجر 25 يونيو 1950، انطلقت كوريا الشمالية في هجوم مفاجئ، لم تدع فيه مساحة للكوريين الجنوبيين للرد، كما أن جيش الجنوب الكوري كان في جميع الأحوال أضعف كثيرًا من آلة الحرب الشمالية، وبعد يومين من بدأ الحرب، قرر مجلس الأمن مساعدة كوريا الجنوبية، وقامت دول عديدة بإرسال قوات ومؤن إلى جنوب شبه الجزيرة الكورية، وعلى رأسهم بالطبع الولايات المتحدة، التي انتقد شعبها قرار الرئيس، هاري ترومان، المشاركة في الحرب دون الحصول على موافقة الكونجرس.

وكان الهدف من التدخل من قبل قوات الأمم المتحدة، هو إنهاء العمليات العدائية وانسحاب كوريا الشمالية إلى خط عرض 38، وتشكيل لجنة للأمم المتحدة في كوريا لمراقبة الوضع وإبلاغ مجلس الأمن، كذلك طالب المجلس أعضاءه بمساندة الأمم المتحدة في تحقيق ذلك والامتناع عن إمداد كوريا الشمالية بالمساعدة.
وشكلت القوات الأمريكية المشاركة في المعركة إلى جانب كوريا الجنوبية 50% من القوات البرية، رغم مشاركة أكثر من 15 دولة، وعلى مدار الشهور، تكبدت قوات الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية خسائر فادحة وظلوا في التراجع، فيما استمر تقدم الشماليين، ومع حلول سبتمبر، كان ما تبقى في يد حلفاء كوريا الجنوبية هو قرابة 10% فقط من مساحة أراضى الكوريتين مجتمعتين، لكن قوات التحالف نجحت في تشكيل خط دفاعي على طول نهر ناكدونج، وأصبح هو آخر أمل للاستمرار في الحرب، وتدفقت المساعدات من الأمم المتحدة، وانضمت كتائب أمريكية من اليابان، وأرسلت معدات عسكرية ثقيلة من الولايات المتحدة، وبدا أن معدلات القوى تتغير.

وبفضل فكرة الجنرال مارك آرثر، استطاعت قوات الأمم المتحدة عمل عملية إنزال خلف خطوط الجيش الكوري الشمالي، ليتم حصاره ويتراجع وتعود العاصمة سيول ليد الجنوبيين.
الانتصار جعل الأمريكان يفكرون في عكس الخطة وتوحيد شبه الجزيرة تحت حكم حاكم كوريا الجنوبية، وغزت قوات الأمم المتحدة كوريا الشمالية بالفعل، إلا أن الصين تدخلت لتقف بجانب جارتها الشيوعية، ليشتد القتال عبر خط عرض 38 شمال، الفاصل بين الكوريتين، ليتفق الطرفان في الأخير على وقف إطلاق النار، باقتراح سوفيتي في مجلس الأمن، لتنتهي الحرب الشعواء دون فائز أو خاسر، فلا هذا وحد الأرض ولا ذلك فعل، وعاد كلاهما إلى حدوده، بل وحتى لم يتوصلوا لاتفاق سلام، ويبقى التوتر والصراع الحدودي بينهم إلى يومنا هذا، فيما كلفتهما هذه الحرب مقتل قرابة اثنين ونصف مليون مدني ومثلهما من العسكريين من الجانبين.


العدوان الثلاثي على مصر 1956:
أمم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قناة السويس، لتنقلب الدنيا في بريطانيا وفرنسا، ويجتمع قادتهم أنطوني إيدن، رئيس وزراء الأولى، وجي موليه، رئيس وزراء فرنسا، بريطانيا فقدت مصالحها الاقتصادية في القناة وفرنسا تحمل العداء لـ«ناصر» لمساندته الثورة الجزائرية ضدها، أما إسرائيل والتي انضمت للثنائي، فأحلامها الاستعمارية تقابلت مع مصلحة القوتين الأوروبيتين، ليقرر ثلاثتهم الهجوم على مصر.

بعض الأسرى المصريين لدى الجيوش الفرنسية، العدوان الثلاثي 1956:

كانت الخطة أن تدخل إسرائيل سيناء، ليندفع الجيش المصري لمواجهتها، فتقوم فرنسا وإنجلترا بعملية إنزال خلف الخطوط المصرية، فتقع القوات المصرية في فخ الحصار، لكن ذلك لم يحدث، وبقت مصر تقاوم، بفضل المقاومة الشعبية في مدن القناة، والجيش المصري.
نساء مصر ورجالها شاركوا في المقاومة الشعبية:

ولم يرق ما يحدث لكلا القوتين العظمتين، الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، ليقررا التدخل، حيث هدد الاتحاد السوفيتي بضرب لندن وباريس، أما الولايات المتحدة فطالبت بريطانيا وفرنسا بالانسحاب فورًا، وهو ما رضخ له ثلاثي العدوان في الأخير، ليتم وقف إطلاق النار ونشر قوات دولية في سيناء، وفيما اعتبر البعض الأمر انتصارًا سياسيًا لمصر، إلا أنه على أرض المعركة لم تخرج مصر فائزة، كما فشل العدوان الثلاثي كذلك في تحقيق أهدافه، لينتهي الأمر بشكل سياسي وليس عسكريا، فيما تكبدت مصر استشهاد ما بين 1500 و3000 من العسكريين، وقرابة 1000 من المدنيين، أما مجموع ما تكبدته دول العدوان من قتلى هو 257 جنديًا، أغلبيتهم من الإسرائيليين.
القوات البريطانية تخلي مواقعها لقوات الأمم المتحدة الدنماركية في منطقة القناة:

حرب إيران- العراق:
هي حرب استمرت ثماني سنوات، لتكون أطول حروب القرن العشرين، وكانت بين الجارتين إيران والعراق، بدأت في عام 1980 بمناوشات حدودية، امتدت إلى عبور القوات العراقية للحدود الدولية مع إيران في سبتمبر من نفس العام، وبنهاية العام كانت القوات العراقية قد توغلت في أرض أهل الفارسية بحوالي 80 كيلومترًا. وفي عام 1981، استطاعت إيران أن تستعيد بعض السيطرة وقامت بهجمات مضادة، حتى عادت السيطرة كاملة للإيرانيين في عام 1982، حين طالب العراقيون باللجوء للتحكيم الدولي لحسم النزاع، وقامت العراق بسحب كامل قواتها من إيران.

رفضت إيران الطلب الإيراني، وشنت هجومًا داخل الأراضي العراقية، حيث سعت لاحتلال مدينة البصرة، ثم قطع طريق البصرة- بغداد، وسيطرت على جزر مجنون، إلا أن العمليات العسكرية الإيرانية لم تكن كلها تلقى النجاح المنشود، واستطاع الجيش العراقي الرد مجددًا واستعادة جزر مجنون، ومن ثم تحولت المعركة لشبه جزيرة الفاو، جنوب العراق، واستطاعت القوات الإيرانية السيطرة عليها، إلا أنها فشلت في جعلها بوابتها لبغداد، لينجح الجيش العراقي بعد ذلك في تحرير شبه الجزيرة في عملية أطلق عليها «رمضان مبارك»، حيث بدأت أول أيام الشهر الكريم، عام 1988، وتكبدت إيران خسائر كبيرة، وتراجعت، فيما استمر التقدم العراقي الذي حرر مدينة شلماجة، شرق البصرة، فجزر مجنون، التي كان الإيرانيون قد سيطروا عليها مجددًا، فالمنطقة الكردية، فالسليمانية، فيما بدا وأنها انتفاضة للقوات العراقية.
الأقنعة المضادة استخدمت تحسبًا لاستخدام أسلحة كيميائية (الصور لجنود إيرانيين):


ومع تفوقها العسكري على الأرض تابعت القوات العراقية تقدمها إلى داخل الحدود الإيرانية مجددًا، محتلة مدينة مهران، ودهلران، لكنها سرعان ما قررت الانسحاب من تلك المناطق.
صدام حسين على الجبهة أثناء الحرب:

لم تنته الحرب على الأرض، بل أخيرًا قرر الطرفان التفاوض، حيث وافقوا على وقف إطلاق النار في 20 أغسطس 1988، واستمرت المفاوضات بين الطرفين على مدار شهور، فيما شهدت تعنت من الجانب الإيراني تارة ومن العراقي تارة أخرى، إلا أنه في الأخير، قررت القوات العراقية الانسحاب من كامل الأراضي الإيرانية، في أغسطس 1990، مسلمة جميع الأسرى الإيرانيينن، لتنتهي الحرب التي أسفرت عن مقتل أكثر من مليون شخص.
جندي إيراني يصلي على خط النار: